فى الدول الديمقراطية عموماً، وفرنسا خصوصاً، يتعاملون مع «الرئيس» على أنه «موظف عام» بدرجة رئيس جمهورية.. ينتخبونه لمدة محددة لإدارة شؤون المجتمع مقابل «راتب مناسب» كان ستة آلاف يورو فى عهد شيراك، والآن ساركوزى رفعه إلى ١٨ ألف يورو.. بالإضافة إلى ١٦٠ ألف يورو شهريا كمصروفات رئاسية بعيداً، طبعاً عن يد زكريا عزمى وأعوانه.. (نفقات الإقامة + السفريات الخارجية الرسمية + التنقلات الداخلية + الاحتفالات والاستقبالات والضيافة.. شاملة الورود ونباتات الزينة وراتب الخدم والحراسات وكل النثريات بقصر الإليزيه).. وعند خروجه من الوظيفة يظل راتبه الأساسى مستمرا كمعاش + شخصين لحراسته + مكتب وسكرتيرة + ٢موظفين لمساعدته!!
وعلى الرئيس عند خروجه أن يتقدم خلال عشرة أيام بكشف حساب، عبارة عن «إقرار بذمته المالية»، يعلنه للشعب على شاشات التليفزيون.. وإليكم التفاصيل كما حدثت مع آخر رئيس فرنسى:
الاسم: جاك رينيه شيراك – مولود فى ٢٩ نوفمبر ١٩٣٢ لأب مزارع، وأم ربة منزل.. متزوج من «برنادت» الأرستقراطية.. وله بنتان متزوجتان، ليس لديه مسكن بباريس، بعد أن أمضى ٣٣ سنة يسكن قصور الدولة «دار العمودية – قصر ماتينيه كرئيس للوزراء - ثم قصر الإليزيه».. والآن يسكن فى شقه بالإيجار يمتلكها ورثة رفيق الحريرى، مساحتها ١٨٠ مترا، وتطل على متحف اللوفر!!
وأملاكه كما وردت بالإقرار، بعد ٤٩ سنة من العمل فى خدمة الدولة كالتالى:
١ - سيارة «بيجو» موديل ٢٠٠٧ ثمنها ٤٥ ألف يورو.
٢ - قصر قديم بقريته فى جنوب فرنسا، اشتراه عام ١٩٦٩، قيمته اليوم ٦٥٠ ألف يورو.
٣ – منزل ريفى بإحدى المناطق النائية والمنعزلة ثمنه ٦٠ ألف يورو «ستون ألف يورو».
٤ – تحف – تابلوهات – وأنتيكات = ٢٠٠ ألف يورو «مائتا ألف يورو».
٥ – أسهم بالبورصة الفرنسية قيمتها ٤٨٠ ألف يورو «أربعمائة وثمانون ألف يورو».
٦ – حساب بالبنك الشعبى به تسعمائة وثلاثون ألفا وسبعة وخمسون يورو، و٤٢ سنتا.
٧ – مجموعة أشياء بسيطة بالمخزن منها ٢ دراجة رياضية قيمتها ٤ آلاف يورو «أربعة آلاف يورو».
بالإضافة إلى إهدائه لابنته الصغرى شقة مساحتها ١١٤ مترا كانت ملكا له، ومازالت ابنته تعيش فيها مع زوجها الموظف بالحكومة!!
وهذه هى كل ممتلكات الرجل الذى بدأ العمل السياسى فى الحزب اليمينى الحاكم عام ٥٨!!
ورغم كل هذا فقد قدموه للمحاكمة بعد زوال الحصانة فى ١٦/٦/٢٠٠٧، وذلك فى جريمة ارتكبها أثناء رئاسته للحزب الديجولى، عندما سجل أسماء بعض الموظفين بعمودية باريس وتَحصلوا على رواتبهم منها رغم أنهم يعملون فى الحزب الذى يترأسه وليس فى العمودية. كما أنه قد تم التحقيق معه بمعرفة وكيل نيابة عمره ٢٦ سنة عن واقعة سداد العمودية لـ٣ تذاكر طيران له ولزوجته بالدرجة الأولى على الخطوط الفرنسية ولم يكن فى رحلة عمل ولكنه فى رحلة خاصة للتصييف مع أسرته!!!!
والسؤال: ما هو الغريب فى ذلك؟.. عندما نقرأ ما جرى للزعيم، والأب الروحى الجنرال «ديجول» الذى كان الفرنسيون يتغنون ويلحنون ويفخرون باسمه وهو يقود حرب تحرير فرنسا من الاحتلال النازى.. وهو الذى أسس الجمهورية الخامسة.. صوت فرنسا الحر فى العالم.. الزعيم الذى رسخ قيم المساواة والعدالة الاجتماعية.. ناصر الفقراء.. صانع النهضة الحديثة بعد أن خرجت فرنسا من الحرب ممزقة – مهدّمة – مهزومة.. فماذا فعلوا «بالزعيم» عندما أحس الشعب بعد ٩ سنوات من حكمه بان السياسات الاقتصادية التى تطبقها حكوماته أدت إلى: ارتفاع الأسعار.. انهيار قيمة الفرنك.. تدهور مستوى المعيشة؟.. بدأت مظاهرات الطلبة فى «مارس» ١٩٦٨، وانضم إليهم العمال فاشتعلت النار فى «مايو»، وأضرب الطلاب عن دخول الامتحانات، وعمَّت الفوضى وازدادت الإضرابات فى كل قطاعات الدولة بعد تأييد النقابات لتشل حركة الحياة اليومية.. ويقف «الجنرال» فى شرفة الإليزيه مندهشاً وهو الذى أفنى عمره، وعاش كل دقيقة من حياته فى تقشف وصرامة وجدية من أجل فرنسا، ويضطر لأن يعلن عن «حزمة إصلاحات» فى استفتاء عام، مهددا الشعب بتقديم استقالته إذا لم يمنحوه أغلبية الأصوات لهذه الإصلاحات، ويقول الشعب كلمته لا «للإصلاحات».. فيقدم «الزعيم» استقالته فى نفس الليلة رغم أنه كان بإمكانه الإصرار على إكمال مدة رئاسته، ويغادر الإليزيه إلى قريته ليموت ويدفن وسط عائلته!!
وهكذا يحاسب الفرنسيون رؤساءهم بدءاً من لويس نابليون بونابرت أول رئيس للجمهورية بعد الثورة وحتى شيراك، وربما ساركوزى يأتى عليه الدور.. إذا كان هناك أى خطأ يستوجب مساءلته أو محاكمته.. كما يفعلون الآن مع وزيرة الخارجية التى تمت استضافتها هى وزوجها فى تونس لمدة أسبوع على حساب أحد رجال الأعمال التابعين لنظام زين الهاربين بن على قبل سقوطه!!
وبناء عليه:
إذا كنا نريد بناء «مصر الجديدة» على أسس نظيفة وعادلة، يتساوى فيها كل المصريين من الخفير إلى الرئيس فلا مفر، ولا تردد، ولا حرج من وجوبية حساب الرئيس السابق، خاصة أن حجم ما قيل، وما يقال، وما نسمعه، وما نراه من قرائن، ودلائل، وإثباتات على فساده الممنهج يستحيل السكوت عليه.. وها هى الفرصة التاريخية للمجلس العسكرى ليثبت شفافيته، وتجرده، ومسؤوليته، وواجبه فى حفظ الأمانة التى حملها له الشعب.. ليعلن على الملأ «إقرار الذمة المالية للرئيس وأسرته ويسمح بتقديمه للعدالة حتى تأخذ مجراها.. وليصدر الحكم القضائى إما ببراءته فنعتذر جميعا له.. أو بإدانته فيصبح عبرة لكل رئيس قادم»!!
وأخيرا رسالة مفتوحة للفريق شفيق رئيس الحكومة المحترم:
«لو كنت مكانك لتقدمت باستقالتى.. أو على الأقل لصمًّمت على تغيير فورى لكل من: ممدوح مرعى + أحمد أبوالغيط + محمود وجدى.. استجابة لمطالب الشعب وإرادته التى أصبحت تعلو فوق الجميع».
د. محمود عمارة - المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment