ترى ما الذى يشعر به أى رئيس مخلوع حين يعرف فرحة شعبه بالخلاص منه؟ السؤال لا يخص الرئيس السابق حسنى مبارك فقط، بل كل رئيس قاد بلاده إلى خراب سواء صنعه هو شخصيا بيديه أو شارك فيه رجاله الذين حكموا باسمه. فأى إحساس ذلك الذى يمكن أن يشعر به مثل هذا الرئيس حين يعرف أن أبناء شعبه رفعوا العلم الوطنى بكل حب فور تخلصهم منه، وأن الروح عادت إليهم فى اللحظة التى تحرروا فيها من حكمه وجبروت حاشيته؟
فهذا النوع من الحكام يعيشون فى عالم من صنع حاشيتهم، وينطبق ذلك على مبارك الذى كان قد فقد صلته بعالم الواقع منذ سنوات، ولذلك بدا فى كلمته الأخيرة كما لو أنه غائب عن الوعى، ولكنه كان فى الحقيقة غائبا عن الواقع، وعاجزا عن استيعاب ما يحدث، ورافضا النزول عن الحلبة بالرغم من هدير الملايين ضده، وهذه هى حال كل حاكم فرد مطلق يبلغ من العمر وهو فى الحكم أرذله، ويظن أنه فاق الجبال طولا، وأنه يقول للشىء كن فيكون، بينما معظم السلطة الفعلية بين أيدى رجاله الذين يصبحون مثل أمراء مماليك جدد عربدوا وعاثوا فى البلاد فسادا.
وحاكم هذا شأنه لا يمكن إلا أن يتعالى على شعبه، لأنه لا يحتاج إلى أصوات الناخبين فى انتخابات حرة ولا يوضع فى اختبار تنافسى أمامهم.
ولذلك لابد أن أول ما يريده المصريون هو أن يكون لهم رئيس يحترمهم ويتوقف وجوده فى قصر الرئاسة على اختيارهم الحر، وأن يعيش معهم فى عالمهم وليس فى عالم مزيف بعيدا عنهم.
يريد الشعب المصرى رئيسا لا يختلف فقط عن ذلك الذى أسقطه، بل يناقضه على طول الخط.
ولذلك ينبغى أن يقارن المصريون بين المرشحين الذين سيتقدمون إليهم طالبين أصواتهم فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويختاروا من بينهم المرشح الذى يتسم بما يلى:
- أن يكون خادما للشعب وليس سيدا له. فرئيس الجمهورية هو أعلى موظف عام فى البلاد، وبالتالى فهو يعمل لدى الشعب الذى ينتخبه ويفوِّضه بشكل مؤقت للقيام بعمل محدد ولا يحق له أن يتجاوزه، ويملك أن يسائله ويحاسبه ويغيره فى الانتخابات التالية.
- أن يكون منفتحا على الرأى العام ولديه حساسية كافية وإدراك معقول على نحو يمكّنه من تصحيح الأخطاء والتعلم منها.
- أن يكون نظيف اليدين ومعروفا بالنزاهة ورفض الفساد، وهذا شرط جوهرى فى الرئيس القادم إذا أراد المصريون وضع حد للفساد الذى استشرى. فإحدى المهام الرئيسية الملقاة على عاتق الرئيس القادم أن يقود حملة لمحاسبة الفاسدين والسعى إلى استرداد الأموال الهائلة التى نهبها عدد كبير من «أمراء» عصر مبارك، ووجود رئيس هذه شيمته سيكون قوة دافعة للأجهزة الرقابية والقضائية لإنجاز مهمة مواجهة الفساد.
- أن يكون شجاعا موفور الكرامة يملك القدرة على الاعتذار عن أى خطأ، والاستقالة فى الوقت المناسب إذا وجد أن الأغلبية التى انتخبته تنحسر دون حاجة إلى مطالبته بالرحيل، وقبل أن يُهان فى الشارع وعلى شاشات محطات التليفزيون فى الداخل والخارج، وربما لا يجد المصريون بين المرشحين فى أول انتخابات رئاسية من يمكن أن يرقى إلى مستوى الرئيس الفرنسى الأسبق شارل ديجول الذى استقال حين اتسع نطاق ثورة ١٩٦٨ الطلابية ضده، ولكن إصرارهم على أن يكون رئيسهم من هذا النوع سيخلق تدريجيا ثقافة رجل الدولة الذى يعتز بكرامته ولا يتسول خروجا كريما من السلطة.
- أن يعرف معنى الجمهورية التى يرأسها، ويفهم أنها تتعارض مع وجود عائلة حاكمة وحاشية فاسدة وأتباع مأجورين، وأن الشعب هو سيدها ومصدر السلطة فيها. كما يدرك أن الجمهورية لا تقوم دون إرادة عامة يستمد منها سلطته، وهذه هى إرادة الشعب أو الجمهور.. الإرادة التى لا معنى للجمهورية فى غيابها.
- أن يكون له تاريخ فى العمل العام وحضور فى الساحة السياسية وتفاعل مع أطرافها المختلفة، لكى يتمكن من قيادة التحول الديمقراطى الذى قامت ثورة ٢٥ يناير من أجله.
- أن يكون ممن يرفضون السرية فى العمل العام على مختلف المستويات، ولا يقبلون تخصيص مصروفات سرية لرئاسة الجمهورية، ويرون أن تكون مخصصات الرئيس واضحة ومعلنة وخاضعة للرقابة والمحاسبة.
هذه، وغيرها، سمات بل شروط ضرورية ينبغى أن يتمسك المصريون بتوفرها فى رئيسهم القادم
د. وحيد عبدالمجيد -المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment