ألهم شباب ٢٥ يناير العالم كله معانى جديدة للحرية والثورة على كل محاولة لخنق هذه الحرية، وكما أعادوا صنع التاريخ، ويحتفلون اليوم بإنجازهم الكبير الذى جعل بلادنا كلها قاب قوسين أو أدنى من بلوغ العالم الحر المتحضر، علّموا العالم قيماً جديدة تتجلى فى بساطة شباب ينظفون الميدان ليلاً، ويتظاهرون صباحاً، يعيدون طلاء الحوائط، وبناء الأرصفة، يطلبون حقوقهم بأدب وأناقة، يحولون احتجاجاتهم الحادة إلى كرنفالات حضارية مبهجة.
نجحت ثورة ٢٥ يناير فى تغيير المجتمع سياسياً، ووضعه على الطريق الصحيح، لنهضة سياسية وديمقراطية تلبى طموحات هذا الشعب الصابر، لكن لا يكفى التغيير السياسى دون أن يحميه تغيير اجتماعى يعززه ويسير بالتوازى معه، حتى تصبح الطفرة كاملة، والنهضة جماعية.
لم تكن أزمة مصر فقط فى نظامها السياسى، حتى لو كان العقبة الأكبر والأصعب أمام التغيير، لكننا لابد أن نعترف بأننا كنا جميعاً كمواطنين شركاء فى كل مظاهر الاستبداد والفساد، بالقبول العاجز أو بالصمت، أو بتضخيم الإحساس بقلة الحيلة، الذى شلّ حركة الشعب المصرى عقوداً طويلة، حتى أطلق هؤلاء الشباب طاقاته الحقيقية، معيدين اكتشاف معادنه الأصيلة من جديد.
لتكن دعوتنا اليوم متجهة إلى تغيير السلوك، وتحويل النجاح السياسى للثورة إلى قيمة أخلاقية متكاملة، تنظف القلوب كما نظفت ميدان التحرير. لنطالب اليوم بإسقاط مشاعر الحقد والانتقام والضغينة والهدم والتدمير، والسلبية والصمت، ولنلتفت إلى الإصلاح والبناء، عبر نقاشات جادة، وحلول عملية، ووعى يبنى ولا يقف فى مكانه معطلاً مسيرة أمة من أجل تصفية حسابات، المؤكد أنها تنطلق من حقوق أُهدرت لسنوات، لكن حق الوطن فى المضى قدماً للأمام فى هذا التوقيت الحرج أهم وأولى.. نريد أن نفكر فى الغد، ولا نبقى أسرى الماضى، وأن نقدم مصلحة الوطن على المصالح الخاصة.
المصري اليوم
No comments:
Post a Comment