تختلف الأمم على دساتيرها وقوانينها.. ويبقى ضميرها بعيدا عن أى مساحة من الخلاف أو الاختلاف.. كان «أبوالقاسم الشابى» ضمير أمته التونسية والعربية.. فهو القائل: «إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر.. ولابد لليل أن ينجلى.. ولابد للقيد أن ينكسر»!!
عشنا مع تونس الخضراء.. تلك الثورة الخضراء.. فهذا شعب فاض به الكيل.. شاهد المصفقين، فصفق معهم.. رضخ للإهانات فابتلع الصمت.. وافق على كل قرار للذى يملك مصيره مع حاضره ومستقبله!!.. ثم كانت اللحظة الحاسمة.
فى الطائرة التى حملته من تونس لتحط فى عدة عواصم.. كان الرئيس «زين الدين بن على» تدمع عيناه.. هكذا قال لى واحد من أقرب مقربيه - رافقه على الطائرة ذاتها - رفض التحدث مع أحد.. كان يبحث فقط عما يسمعه.. أخبار قادمة من تونس.. يسمع ويبكى.. تحدث قليلا خلال اتصالات هاتفية مع زعماء ومسؤولين كبار فى العالم.. لم يقل غير جملة واحدة: «حاولت أن أكون الزعيم الفرنسى حين خاطب الشعب الجزائرى.. قلت لشعبى: الآن فهمتكم.. وكانت النصيحة الخطأ فى الوقت الخطأ وبالطريقة الخطأ.. خدعنى بها واحد من أبرز الصحفيين فى بلادى، فقد كان الإعلام هو سر نكبتى وليس أزمة تونس!!
تابعت - هاتفيا - ما يحدث فى تونس، ومن خلال أصدقائى الصحفيين المبعدين.. وعبر وسائل الإعلام.. كانت الصورة واضحة أمامى تماما.. لذلك لم أتردد فى أن أقول للزميل «جمال إسماعيل» نائب رئيس تحرير الأهرام: «إنتبه الرئيس بن على سيرحل خلال ساعات من تونس».. قلت ذلك قبل ٣٢ ساعة من رحيله.. كررت القول فى اليوم التالى على الزميل «عاطف صقر» نائب رئيس تحرير الأهرام: «إنتبه فالرئيس بن على سيرحل خلال ساعات».. تابعت الموقف وسير العمل فى الطبعة العربية.. كنت مريضا.. محموما.. لكنى لم أنس أننى صحفى لا يقعده المرض عن متابعة تلك الأحداث المهمة.. رحل بن على استجابة للضغط الشعبى.. هو الذى جاء بفرح شعبى وترحيب غير مسبوق.. فى بدايات حكمه أكد على أنه جاء رافعا رايات الديمقراطية، وهدفه القضاء على الفساد.. ودعته تونس كوجه من أبشع وجوه الديكتاتورية.. والرمز الذى يقاس عليه كل ما يمكن ارتداؤه من أزياء الفساد!!
الإعلام هو العنوان والطريق الذى يهدى الحكام.. يأخذهم نحو القمة فى المجتمعات الديمقراطية.. يزين لهم نهاياتهم فى الأوطان الديكتاتورية.. الفكرة عالجها المبدع «لينين الرملى» فى فيلم عبقرى أخرجه الراحل «صلاح أبوسيف» بعنوان «البداية».. لكن الناس لا يتذكرون فعندنا فى مصر يجب أن نذكر أن «لينين الرملى» جزء من ضمير مصر.. وفى تونس كان «أبوالقاسم الشابى» جزءاً من ضمير تونس.. فهل نستجيب للضمير - القدر - ونترك أولئك المنافقين فى الإعلام باعتبارهم القيد الذى يجب أن ينكسر؟!
نصر القفاص - Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment