الزمان: ١٦ يناير عام ١٩٧٩. المكان: العاصمة الإيرانية «طهران». والصورة لشاه إيران السابق محمد رضا بهلوى وزوجته الشاهبانو فرح ديبا وأبنائهما يركبون طائرة سترحل بهم بعيداً عن إيران، فى حماية القائد العام لحلف الناتو «روبرت هويسر»، الذى سهّل عملية الخروج الآمن للشاه وعائلته خارج إيران.. لا يعرفون إلى أين يذهبون بعد أن رفضت الولايات المتحدة والدول الغربية كلها استقبالهم.
الزمان: ١٤ يناير ٢٠١١. المكان: العاصمة التونسية «تونس». الصورة للرئيس التونسى زين العابدين بن على وهو يلقى على شعبه آخر خطاباته، مؤكداً خداع المسؤولين له وإخفاء الحقيقة عليه، ثم يختفى ليركب طائرته مع أسرته لجهة غير معلومة، بعد أن رفضت مالطا وفرنسا استقباله، فيظل فى الهواء معلقاً ساعات لا يعرف أين يذهب.. حتى تعلن السعودية استعدادها لاستقباله.صورتان يفصل بينهما ٣٢ سنة، ولكنهما تحملان ذات التفاصيل والملامح الكئيبة التى تعبّر عن خروج ديكتاتور نسى شعبه طيلة فترة حكمه، فلم يتذكر سوى جمع الثروة. اعتقد أنه ظل الله على الأرض، فطغى. ظن أن الدنيا ستدوم له، فلم يرحم. تغافل عن حقيقة التاريخ الذى يُخلّد باعتزاز من يخدمون شعوبهم، فسقط من ذاكرة الخالدين.
ورغم طول سنوات الحكم التى تتجاوز العشرين عاماً، إلا أن لحظة النهاية جاءت، فنواميس الكون تؤكد أنه ما من شىء يبدأ إلا ولابد أن ينتهى. الغافلون فقط عن تلك اللحظات هم من يأخذهم التيه بأنفسهم وما أوتوا من سلطان فيتمادون فى الاستزادة من حقوق العباد، متناسين لحظة إسدال الستار، ويا لها من لحظة تسقط فيها الأقنعة وتضيع فيها الهيبة وتتلاشى فيها قيمة الثروة وتُهان فيها الكرامة.
ونعود للصورتين، فالشاه الذى كان يلقب من قبل أصدقائه الأمريكان بلقب «شرطى المنطقة» من شدة ولائه لهم وطاعته لكل أوامرهم، لم يجد ملجأً له بعد أن نفضته ثورة شعبه خارج بلاده، ولم يرض أصدقاؤه الأمريكان باستقباله على أرضهم رغم معاناة المرض والطرد.. تخلوا عنه وسعوا لنيل رضا من طردوه، ليدرك الدرس متأخراً ويرسل نصيحة للرئيس السادات عبر الكاتب أنيس منصور فى نهاية أيامه يقول له فيها «لا تثق فى الأمريكان».
رسالة تحمل نصيحة ولكن لم يستوعبها أحد، لا السادات ولا غيره، والدليل هو الصورة الثانية بملامح الرئيس التونسى زين العابدين بن على، الذى وضع فى قائمة أولوياته إرضاء حلفائه فى الغرب، وظن أن فى رضاهم بقاء واستمرار ظله، فتمادى فى تنفيذ ما يُطلب منه غير عابئ بارتفاع أصوات الغاضبين من شعبه، وكلما وصلت لسمعه همهمات الأسى تمادى فى التعالى عليهم وتجاهل شكواهم، وكان أقصى ما يمكن أن يرد به عليهم هو وصف من يعترض منهم بـ«القلة المندسة» التى تسعى لتخريب البلاد. وحينما جاءت لحظة النهاية.. قرر اعتلاء طائرته والتحليق فوق أمة ثارت على آلامها، معتقداً أن أبواب الأصدقاء هناك فى فرنسا مفتوحة له كما كانت طيلة ٢٣ عاماً، ولكن هيهات.. فما فات قد فات واليوم صفحة قديمة تُطوى ولا مكان فيها لقلم قد جفَّ مداده.
لم يكن شاه إيران الأول ولن يكون زين العابدين بن على الأخير، ستظل القائمة مفتوحة، ينضم لها كل يوم اسم جديد حانت لحظة حسابه أمام التاريخ، ويا ويل كل من لم يحسب حساب تلك اللحظة
نشوى الحوفى - Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment