Thursday, January 20, 2011

الأسوانى: الديمقراطية ليست الجنة ولكنها الطريق الصحيح إلى الإصلاح

الزحام الشديد مشهد بات مألوفا فى ندوات الكاتب علاء الأسوانى، خاصة أن هذه الندوة، التى أقيمت الأحد الماضى بمكتبة الشروق بالزمالك، كانت بمناسبة توقيع كتابه الأحدث «مصر على دكة الاحتياطى»، الصادر مؤخرا عن دار الشروق.

الكتاب يضم مجموعة من مقالات الأسوانى التى نشرها بجريدة «الشروق»، وهو الثالث من نوعه فى مسيرة الكاتب.

عنوان الكتاب جاء من فكرة أن المصريين أصبحوا مثل لاعبى الكرة الذين لا يحبهم مدربهم، فأحالهم إلى «دكة الاحتياطى»، لكن الأسوانى يؤمن تمام الإيمان أن هؤلاء اللاعبين موهوبون بشدة، وإنما يهمشهم المدرب للاستعانة بمجموعة من الفاسدين الذين أخذوا الفريق إلى الدرك الأسفل.



بطبيعة الحال راحت الندوة، التى أدارها الكاتب وائل قنديل مدير تحرير جريدة الشروق، وحضرها عدد كبير من المثقفين والمبدعين منهم على الحجار وفريدة الشوباسى وأحمد عبدالرحمن الشرقاوى والدكتور هشام عيسى وعبدالله السناوى وعبدالحليم قنديل، راحت مع مناقشات الحضور فى هذا الاتجاه.. فالأسوانى يصر على أن المواطن المصرى، هو بالأساس مواطن متحضر، وقادر على استيعاب الديمقراطية ومرت به التجربة الليبرالية بنجاح، بدليل أن: «أول انتخابات برلمانية وأول مجلس للشورى كان فى مصر»، يقولها الأسوانى ويكمل: «كان حزب الوفد يفوز فى الانتخابات، لأنها كانت نزيهة، وكان شعار المرحلة، يحيا الوفد ولو فيها رفد، لم يكن الفلاح يخضع إلى صاحب الأرض، ويجب علينا دائما تذكر أن مصر ليست صغيرة، والمصريون ليسوا قليلى الحيلة، ومن المفروض ألا نظلم أنفسنا أكثر من ذلك».

تحدث الأسوانى عن الإمام محمد عبده: «الذى لم ندرسه كما ينبغى»، وأوضح كيف كانت آراء هذا الرجل مستنيرة، لم يقل يوما أن التماثيل حرام، بل كان يحلل الفنون، فى زمن كانت للمرأة فيه حقوق مثل الرجل تماما، زمن كنت تختار فيه من يحكمك نتيجة لتحرر العقل من الخزعبلات، «فانطلقت مصر رافضة للاحتلال البريطانى، وكانت أول امرأة برلمانية من مصر، وكانت أول قائدة للسيارة مصرية، بل كانت أول قائدة طائرة مصرية أيضا، فكانت مصر رائدة فى كل المجالات، وعلى رأسها الفنون، الموسيقى والمسرح والسينما».

يقول صاحب عمارة يعقوبيان: «حتى الذين نبغوا فى العالم العربى، كان لا بد لهم المجىء إلى مصر كى يستطيعوا إبراز مواهبهم»، يضيف موضحا علاقة الدين بالدولة فى ذلك الوقت: «ما حدث وقتها أن الفهم المصرى للإسلام يساعد فى هذا التقدم، وهو فهم معتدل بطبيعته، بمعنى أنك كنت تستطيع أن تقرر كيفية سير سلوكك الشخصى، فلا أحد يجبرك على اختيار ما تفعل، الكنيسة موجودة والمسجد، والبار أيضا موجود، تذهب إلى المكان الذى تريده، ولا تجد من يوقظك ويجبرك على الصلاة مثلا، أو يضربك بالعصا إذا وجدك تدخن، أو تسير مع فتاة تظهر يدها، ثم تتبين أنه هو نفسه غير ملتزم».

فى هذا السياق تتذكر السؤال الذى طرحه د. جلال أمين فى كتابه الأشهر: ماذا حدث للمصريين؟.

يأتى صوت الأسوانى مجيبا عن السؤال: «ظللنا هكذا إلى أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، تضاعف سعر البترول، وكنا نحن أصحاب الفضل فى هذا التضاعف، عندما حاربنا سنة 1973، وتضاعف سعر البترول عشرة أضعاف، فأصبحت أنظمة الحكم فى الخليج شديدة الثراء، وهى أنظمة يرتبط فيها الفكر الوهابى بالمعادلة السياسية، بمعنى أنك عندما تنشر هذا الفكر يستقر النظام والعكس صحيح»، يكمل: «تدفقت أموال النفط بلا حساب، لنشر الفكر الوهابى، وكنت فى الجامعة فى السبعينيات، فكانوا يوزعون كتبا غالية الثمن لنشر هذا الفكر، وجاءنا الدعاة الجدد لينشروا نفس الأفكار، أضف لهذا أن ربع المصريين تقريبا راحوا للعمل فى دول الخليج، وربما يكونوا قد تأثروا بهذه الأفكار، ودعم هذه المشكلة أن النظاما لحاكم هنا أيضا يبارك الفكر السلفى، لأنه يرى أن السلفيين ليسو معارضين، بالعكس، فإن هذا الفقه لا يكفر الحاكم على الإطلاق، بل يقول إن طاعة الحاكم واجبة، مادام هو مسلما، وحتى لو فسق أو سرق مالك، أو جلد ظهرك، وإن أعلن كفره، فطاعته لازمة حتى يغيره الله، وبالطبع أجهزة الأمن تساعده بشكل أو بآخر».

لكن رغم هذا يرى الأسوانى أن هذا الفكر به شكل من أشكال الخطورة على الحاكم، لأنه: «فى أية لحظة من الممكن أن يتحول بكل هذا التخلف إلى سلفية جهادية، مثلما حدث مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات».
وماذا عن الثقافة والمثقفين؟

يقول علاء الأسوانى إن الثقافة المصرية الحقيقية، استطاعت الحد من انتشار هذه الأفكار، ولولا ذلك لكانت ظروفنا أصعب، لأن شيوخ الأزهر لديهم علاقة بالسعودية، فكان من الممكن أن تجد من يقول لك إن المرأة لا يجب أن تجلس على الإنترنت دون محرم مثلما قالوا هناك، من منطلق أن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار، أو أن تنتشر فتوى تحريم تقديم الزهور، لذا فوجود مجموعة من المثقفين الذين يستطيعون التصدى لمثل هذه الأفكار، يدل على أن الثقافة المصرية كانت من القوة، بحيث تحملت الأزمات السلفية.

إحدى الحاضرات حكت فى مداخلة مع الأسوانى تجربة سفرها إلى الخارج للدراسة، واسترسلت فى شرح كيف عرفت خلال هذه التجربة أن المصريين ليسو أقل من الغرب، وأنها علمتهم الكثير ولم تتعلم منهم أى شىء!.، ومن هنا عرفت أن قيمتها كمصرية كبيرة جدا.

ورد عليها الأسوانى بتجربة مماثلة حدثت معه هو شخصيا، فعندما كان يدرس فى أمريكا، استطاع إنجاز الكورس الدراسى، بدراسة عشرة مواد، مع عمل البحث العلمى، فى فترة استثنائية هى 11 شهرا، فأعطته الجامعة شهادة بهذا الإنجاز، ولكن ما يفخر به الأسوانى أن الوحيد الذى استطاع إنجاز نفس الحالة هو مصرى أيضا اسمه مصطفى دياب، لذلك فهو يرى أن فكرة أننا أقل هى فكرة مدسوسة علينا، ومثل الأمر بالسيدة التى يتم اغتصابها، يحكى: «يعرف أساتذة الطب أن اغتصاب المرأة يصبح مستحيلا إذا انقبضت عضلاتها، ولكى يستطيع المغتصب إتمام جريمته، يظل يضربها ضربا مبرحا، حتى يقمعها، ويشعرها أنها لا قبل لها بمقاومته، ويكسرها داخليا فتضطر إلى الاستسلام، ولكنها تتحول بعد ذلك إلى شراسة كلية».

ويشبه هذه الحالة بما يحدث مع المصريين: «فقدوا الإرادة لأن المغتصب صدر لنا هذه الفكرة، فهو لن يستطيع حكم شعب لم يختره ويحترمه فى الوقت نفسه».

ومن المضحكات المبكيات القصة التى استشهد بها الأسوانى أيضا عندما سأل الرئيس أحد المسئولين عن سبب انقطاع الكهرباء، فقال له إن المصريين لا يعرفون كيف تستعمل الكهرباء، فقال الرئيس كيف، فرد عليه المسئول: إنهم يفتحون الثلاجة ويحتارون فى اختيار ما يأكلون، يقولها الأسوانى بسخرية ويكمل: إن هذا المسئول كان لا بد من طرده فورا لمجرد أن هذا هو مستوى ذكائه.

وردا على سؤال أحد الحضور حول ثورات الشعوب، بمناسبة الحديث عن الثورة التونسية، قال الأسوانى إنه لا يطالب بثورة، فالثورة وسيلة لتحقيق الإصلاح ولكنها ليست هى الهدف، وإن كان لا بد للإنسان أن يكون فى حالة ثورة دائمة، والمقصود بالثورة هنا هى أن تكون فى حركة دائمة لتغيير المستقر، ونسف الهيكل القديم، والثورة التونسية لن تجعل من تونس قوة عظمى صباح الغد، فالمعركة طويلة، كلنا ندافع عن المعانى أمام أناس يدافعون عن المصالح والمليارات.

وحول الانتخابات الرئاسية المقبلة قال الأسوانى إن مصر لا توجد بها انتخابات رئاسية من الأساس، ولا إشراف حقيقى، أو مواطن يذهب للإدلاء بصوته، وما سيحدث أنه كالعادة سيأتى مبارك رئيسا لمصر، ويأى بعض الكومبارس من ذوى الأدوار المهمة لاكتمال المسرحية.

وأكد الأسوانى أن الثورات تحدث دون مقدمات، فلم يكن الرأى العام أيام ثورة 1919 يتوقع أن يكون هناك رد فعل عنيف على نفى سعد زغلول، وفى أحداث يناير 1977، كان الأمر مختلفا، لأن مصر كانت خارجة لتوها من الحرب، والشعوب تكون أجرأ بعد الحروب، ولم تكن رؤية النظام أو تقييمه قد اكتملت بالشكل الكافى، وما حدث فى تونس حدث بعد ظلم 23 سنة، فقد كان الرئيس التونسى المخلوع نظرته وحدها تكفى لتدمير أسرة كاملة، وبعدما قامت الثورة قال نفس الكلام الذى نعرفه، وأشياء من قبيل قلة مندسة، والحرية لها أنياب، وأن معاونيه لم يطلعوه على الأمور، فزاد الشعب التونسى غضبا.

وأشاد الأسوانى بموقف رشيد عمر قائد الجيش الذى رفض إطلاق النار على الشعب التونسى، فساعد على تحقيق الثورة.

يروح الحديث ويجىء، وتظل الكلمة الأثيرة للأسوانى هى الملاذ من وجهة نظره، الديمقراطية هى الحل، ولكنها كما يقول: «ليست الجنة، لكنها الطريق الصحيح».

وضرب الأسوانى مثلا بزوجة رئيس الوزراء البريطانى، تونى بلير، المحامية التى استيقظت متأخرة عن موعد عملها، فقررت ركوب مترو الأنفاق، ونسيت قطع تذكرة، وعندما جاء المفتش، لم يهتم بكونها زوجة رئيس الوزراء، وقرر أخذ الغرامة أيا كان الامر، وفى المساء عقد مؤتمر صحفى لبحث الأمر، بعد ان تداولت الصحف التجاوز الأخلاقى لزوجة رئيس الوزراء أن تقع فى خطأ كهذا، وحضرت المؤتمر واعتذرت، وعبرت عن سعادتها لأنها تعيش فى بلد ديمقراطى، وانتهى الأمر.

ويتساءل الأسوانى، عن كيفية حل الأمر لو وقع فى مصر، هل من الممكن تصور أن تركب زوجة رئيس الوزراء المترو، يضحك: «أعتقد أنه حتى فراش الوزير فى مصر لا يركب مترو الأنفاق».

هل من الممكن أن نحلم بحدوث مثل هذا الوقف فى مصر؟. وجد الكاتب وائل قنديل، أن خير ختام للندوة أن نقف عند هذا الحلم الجميل، علّنا لا نصحو منه


Shorouk news


No comments: