Monday, December 13, 2010

الملك المزيف

لقد فاضت الأنهار وأقبل الربيع، وقد اختار الكهنة اليوم الثالث عشر بعد هذا اليوم لمهرجان الربيع و«يوم الملك المزيف»، فعندما أينعت عيدان القمح، وانسحب البرد القاسى أمام الدفء الزاحف، خرج الكهنة من المدينة ليحضّروا إلههم من قبره ويعلنوا أنه قد صحا من جديد، وعند ذلك تحولت بابل كلها إلى مهرجان، وتدفقت الجموع فى الشوارع وارتدوا أبهى ملابسهم وانتشروا فى المدينة راقصين مبتهجين واقتحم الناس المتاجر محدثين من الضجيج أكثر مما فعله الجنود يوم العرض الأكبر، ومضت النساء والفتيات إلى معبد «عشتار» يجمعن الفضة ليوم زواجهن وليستمتع بهن من يشاء دون خزى أو خجل، وكان آخر أيام المهرجان يوم الملك المزيف.

ذهب حرس الملك يحتشدون سكارى فى ملهى «عشتار» ويقتحمون الأبواب ويضربون كل من يقابلهم برماح حرابهم وهم يصيحون بأعلى صوتهم: «أين يختبئ ملكنا.. أحضروه سريعاً فقد أوشكت الشمس أن تشرق ويجب أن يوزع الملك العدالة على شعبه».

الملك يجلس فى قاعة الملك ويمسك صولجانه ومن حوله كبار الكهنة والعظماء، ولكن الجنود لم يبالوا ودفعوا الخادم الأحمق «كابتاح» إلى الأمام، مفسحين أمامه الطريق إلى العرش، وفى تلك اللحظة أشرقت الشمس وسادت أشعتها المكان، وصاح الجميع: «خذوا هذا المخلوق – أى الملك - واذهبوا به بعيداً.. لقد مللنا أن يحكمنا صبى لم تنبت لحيته»، وأشاروا إلى كابتاح قائلين: (إن هذا الرجل حكيم وقد اخترناه ملكا يحكمنا)».

وخطفوا من الملك صولجانه ونزعوا حلة الملك عن كتفيه وأخذوا يقرصونه ويتضاحكون، وذهبوا إلى كابتاح وألبسوه حلة الملك وسلموه الصولجان وأجلسوه على العرش وسجدوا بين يديه، وهم يمسحون الأرض بأفواههم، وتقدمهم الملك صائحاً: «إن هذا ما يجب أن يكون.. إنه ملكنا ولم نكن نختار أفضل منه» ثم نهضوا جميعاً ونادوا بكابتاح ملكاً وهم يرقصون طرباً، ونظر إليهم «كابتاح» بعينين زائغتين وقد وقف شعره تحت التاج الملكى الذى وضعوه على رأسه.

وفى النهاية قال: «إذا كنت ملككم حقاً فالمسألة تستحق كأساً من الخمر فأسرعوا وأحضروا لى الخمر أيها العبيد وإلا رقصت عصاى فوق ظهوركم، وعلقتكم من أقدامكم على الأسوار.

وقوبلت كلماته بمزيد من الابتهاج، ثم قادته الجموع إلى قاعة فسيحة امتلأت بأشهى الأطعمة وأجود الخمور وألبس الملك المخلوع ملابس الخدم، وانطلق كالبهلوان يدوس أقدام الناس، ويلقى الخمر والطعام على ملابسهم.

واقترب سيد «كابتاح» وقال له: «اتبعنى وهيا نخرج من هنا فلا يمكن أن يرجئ من وراء ذلك خير»، فقال بعد أن لعبت الخمر برأسه «إن كلامك كطنين الذباب فى أذنى ولم أسمع من قبل بحماقتك، أتريد منى أن أذهب بعيداً بعد أن جعلونى ملكاً عليهم وانحنوا أمامى.

ووقتها نفخ فى البوق فى تلك اللحظة وأعلن المنادى أن الملك سيوزع العدل على شعبه، وحملوا «كابتاح» إلى عرش العدالة ووضعوا أمامه سوطا وأغلالاً هى رمز القضاء ثم أخذ الناس يتقدمون إليه عارضين قضاياهم.

وبعد أن أصدر حكمه فى بعضها بدا عليه التعب، فتمطى وقال: «لقد أكلت وشربت وأتعبت ذهنى بما فيه الكفاية، وبما أنى ملك هذه البلاد، فأنا أيضاً سيد بيت النساء، ويجب أن أتفقد هذا الجزء من مملكتى، وسأل سيد «كابتاح» الملك المخلوع: ما معنى ذلك فإنى ليحزننى أن أراك خادماً يسخر منك الجميع؟ فقال فى كل عام عندما نحتفل بيوم الملك المزيف نختار أحمق رجل فى بابل ليحكم البلاد من الفجر حتى غروب الشمس وعندما تغرب الشمس سنقتله كما توجناه فجأة».

النص السابق من إحدى روايات النرويجى «والتارى».

وانتهى يوم الملك المزيف الذى جاء بالهزل ولم يأت بالإرادة والرغبة الشعبية، فقد أراد شخصاً واحداً أن يحوله ملكاً، ولكن غابت الشمس وجاءت لحظة الحسم، فى داخلنا جميعاً ملوك مزيفون، وفى الطريق إلينا ملك مزيف، فعلينا أن نتخلص منهم لأنهم بهلوانات أقحموا فى حياتنا رغماً عنا، وساهمنا فى حضورهم الغبى، وتذكروا أن الأحمق لن يصير ملكاً إلا إذا كان بنى وطنه حمقى أغبياء.

بقلم علاء الغطريفى - Almasry Alyoum

alaa_alghatrifi@yahoo.com

No comments: