Monday, December 13, 2010

«الأنا» المتوحشة.. الشعب والمجلس

«إن مشكلة العالم هى أن الأغبياء يملؤهم اليقين الكامل، بينما الأذكياء هم الذين يملؤهم الشك دائماً»

«برتراند راسيل» (١٨٧٢ - ١٩٧٠)

ما حدث هو إفراط‏ ‏ ‏فى ‏التحايل‏ ‏إلى درجة‏ ‏تشويه‏ ‏الحزب والمجلس الشعب والوطن، ‏نراه نوعاُ من الاعتياد إلى درجة التصديق و‏التثبيت‏ لممارسات منذ ١٩٥٢ فيها هوس شديد بالاستئثار بالسلطة والهيمنة عليها مع الأنانية المُفرطة التى لا تسمح لأحد أى أحد باقتسام الكعكة مما‏ ‏يعوق‏ ‏الديمقراطية الحقيقية، ويدفع إما إلى الانكفاء على الذات أو العنف والدخول قسرا إلى منطقة خطرة تحت الأرض.

جُلّ الأمر ليس له أدنى علاقة لا بالديمقراطية ولا بتمثيل الشعب الغلبان الهفتان، لا بالمجلس الموقّر الذى لا علاقة له بالشعب، ولا بفوز الوزراء الساحق دليلاً على شعبية هذه الحكومة العظيمة، لكن الأمر يتعلق بتلك النرجسية المرضية، عشق الذات لدرجة الهوس، تفتت الأنا وتشظيها لأفرادٍ بعينهم، ذوبانها ليصبحوا شَبَه بعض، صوتهم صوت بعض، يتصورون أنفسهم الوطن والمصير، الماضى، الحاضر والمستقبل، الوجود، لقمة العيش، الجنيه الجِبس، والجنيه الجِلد والمعدن والورق، هم التعليم والنهضة والملف النووى، صوت الساحِر وجَلا جَلا، النار الخارجة من جوف الحاوى، فتصفق الجموع حسرةً وإعجاباً، وتتكون منظومة بارانوية (اضطهادية) ظاهرها الهوس وباطنها الرخاوة والإحساس الشديد بعدم الأمان، يصرح فها المُنظِّم «لاوجود‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏العالم‏ ‏إلا أنا» ‏أو‏ «كل‏ ‏الاتجاهات الأخرى‏ ‏كاذبة‏».

ونعتقد أن كل سلوكياته العصبية تلك أوضحها إسقاط رموز لا يمكن إسقاطها هكذا مثل منى مكرم عبيد. ما هى إلا رد‏ فعل ‏ نراه‏ ‏فى ‏‏السيكوباتى المُصَّرِّح‏ ‏المبنية‏ «أنا‏... ‏فقط، ‏حتى ‏ولو‏ دمرت الآخر».

يذكرنا هذا بسيندروم «الفصام‏ ‏البسيط‏» ‏والتى ‏لا‏ ‏يشكو‏ فيها المريض ‏من‏ ‏ضلالات‏ ‏أو‏ ‏هلاوس مباشرة، ‏الواضح هو أن هذا الفصامى لديه‏ ‏‏تماسك‏ ‏فى نسيج‏ ‏ضلالاته‏ التى ‏تظهر‏ ‏واضحة ‏عند مواقف الحسم لكيانه الهش.

إذن فكل هذه الهيصة والزيطة نراها دفاعاً مستميتاً ‏ضد‏ اللاشعبية والفناء والاختفاء كأشخاص وكحزب.

تخيلوا معى الناجين من النار، من قهر الذل وانكسار الغلبة والسنج وعنف رأس المال الشارى للضمائر.

نحن الناجين من جحيم النرجسية (عشق ذواتهم إلى درجة العفن) نحن المبتئسين نعانى من كرب وصدمة التعرض لكل ذلك، ولو فى مانشيت وصوت راديو وإعلان تليفزيون، يافطات تحجب ضوء الشمس، نحن نجونا وما زلنا نعيش كأشباه المواطنين وظلال الرعايا، سلّمنا أنفسنا للسيكوباتى الشاطر والماكر واللاعب بالبيضة والحجر، نحن الضحايا، ما زلنا أحياء... الله أكبر، نأكل ونشرب وننام، وهو صامد واثق الخطى من سلطته وسطوته.

المصيبة أن حلّ المشكلة وعلاجها يكمن فى أن المسىء ينصح المُساء إليه، الجلاد يعتنى بضحيته، هذا فى صفحات الطب النفسى يُسمَّى «اضطراب الشخصية السيكوباتية النرجسية».

السيكوباتى المريض بجنون العظمة، يلوى عنق الحقائق، والمصيبة، مرضه مُعد يختفى فيه الضمير، سرطانى، له مضاعفاته، والفظاعة أن ذلك السيكوباتى الذى لا يُحس ولا يسمع، ينصح ويمتلئ بالصدق، والوعى ويهتم بضحاياه، بمعنى أنك ستظّل مريضاً وفقيراً ومحتاجاً وأنا النرجسى السيكوباتى صاحب الفضل عليك، لا تتمكن من الشفاء لأن اللعبة هكذا ستنتهى، وإذا التهم القط كل الفئران فلن يتسلى بالمطاردة ومصّ الدماء.

لنا بعد كل ذلك بعض الأسئلة المُهمة:

هل يتحول الضحايا إلى جلادين نرجسيين منتفخى الأوداج سميكى الجلد عريضى القفا بعد فترة.. نعم للأسف، لأن النرجسية والسيكوباتية مُعدية تنتشر كفيروس الأنفلونزا مع الرذاذ والهواء الملوث وداخل الغرف المغلقة، لكن الموضوع بعيد عن الواقع عن الحقيقة، فالسحر ينقلب على الساحر، والعمليات النفسية الداخلية من إسقاط وتماهى تُجبر الضحية من المفسَدِين على التشبه بالمُفسِدين.

إنهم النرجسيون الجدد مثل (المحافظون الجدد) يسألون الأسئلة ويغيرون النتائج، يتخيلون أن الضحايا تُفرقهم العصا (سنج وسلاح نارى وأبيض) ويجمعهم البنكنوت.

نرد ونقول إن مرض هؤلاء من تضخم الأنا وتورمها، مرض ليس معدياً لأن جهاز مناعة الناس والشعب والبسطاء والأمناء، الشرفاء والحكماء لازم يغلب (إذا الشعب يوماً أراد الحياة).

بعض السيكوباتيين الذين امتهنوا السياسة وركبوا حصانها دون أن يكونوا بحق فرساناً، يخلقون حولهم قصصاً وينسجون روايات. نوع من السحر يحاولون به تحويل الواقع، يدفعون الناس لاتخاذ مواقف هم يتمنونها لهم، يحددونها لهم، الانسحاب، انتخاب الفاسد والضعيف والذى لا صوت له، ولهم فى كل دائرة وناحية أشكال مماثلة، أقزام تشبههم وتغنى غنوتهم.

هناك فى الأمراض النفسية ما يُصطلح عليه باضطراب (مشاركة الضلالة) بمعنى أنا عيّان وأنت جارى أو زوجى، فلازم ولا بدّ أن تشاركنى الضلالة، تركب ورايا حمار الكذب والنفاق، وأقول حااا. تقول ورايا حااا ومن ثم يتحول بعضنا إلى (كارتون) شخصيات باهتة ماسخة، كالطبيخ البايت أو الحمضان، والبعض الآخر إلى صارخ فى البرية والبعض إلى مُنكفئ على ذاته، مكتئب، يحاول -عبثاً لملمة بعثرته القبيحة.

السيكوباتى لا يتمكن من الحميمية ولا يفهم معناها! ويظن أن الناس مثله.

تحوله السلطة والقوة إلى شبح ومصاص دماء، فراكشتين، كِنج كونج والباقون خرونجات، يسمعون الكلام فى طاعة تفوق طاعة الإخوان، العدو الأول المُلهم لحياة المنادين بالليبرالية حماة حِمى الوطن، مُحتكر لكل شىء الحديد والأكل والأسمنت والأكسجين وأصوات الناس وكوب الشاى المسموم بالغِلّ والحسرة..

إن‏ ‏العلاج‏ ‏هنا‏ ‏يبدأ‏ ‏بإرجاع‏ الضالّ وضلالاته‏ ‏إلى ‏منبعها، والمهووس يجافيه ‏النوم، ‏باعتباره‏ غائباً عن الوعى أو ميتاً خائفاً من فقدان سلطانه، وقلّة النوم تربك، وعلى الصاحى أن يشحذ همّته.

د. خليل فاضل - Almasry Alyoum

www.drfadel.net

No comments: