Saturday, December 04, 2010

بلد.. المواطن فيه ضيف

خطيرة تلك النتائج التى يسعد الحزب الوطنى بالحصول عليها فى الانتخابات البرلمانية.. فما فائدة أن تعتلى حكم شعب يائس مقهور، يشعر بأنه لم يعد رقما فى المعادلة السياسية، وأن وجوده لايعنى شيئا، وأن آلامه ومشاكله لاتهم أحدا؟

كنا نشكو من عدم احترام القانون وزيادة البلطجة واتساع نطاق العنف فى المجتمع المصرى.. وبدلا من أن تواجه الحكومة هذه الظواهر، أكدت فى الانتخابات أنها تبارك هذه الظواهر وتدعمها.. فقد غضت الطرف عن لجوء عدد غير قليل من المرشحين للبلطجية فى السيطرة على اللجان ومنع ناخبين من التصويت وتسويد البطاقات داخل اللجان.. وكانت الرسالة واضحة، فأمن المواطن ليس مهما، واستخدام البلطجة أمر وارد، ولادخل للقانون بالمواطن.

كنا نرفض استخدام المال فى إغواء بعض الناخبين وشراء أصواتهم استغلالا لفقرهم، فوجدنا مرشحين يبالغون فى رش الأموال على الناخبين، بل إن المواقع الإلكترونية بثت صورة وزير مرشح يحمل فى يده رزمتين من المال ملوحا بهما للناخبين الفقراء الذين التفوا حوله وأعينهم تكاد تنخلع على الرزمتين.. ولم يتم محاسبة الوزير ولا أى مرشح آخر رشا ناخبيه بالمال مقابل الحصول على أصواتهم.. وفى هذه رسالة واضحة بتعميم الرشوة فى المجتمع سواء فى الانتخابات أو فيما بعدها.

كنا نعيب تزوير الانتخابات المصرية باستمرار، إلا أن تعدد وسائل الإعلام وتطورها كان سببا فى التفكير الساذج بأن الأمر سيكون محدودا ومستترا هذا العام، إلا أن حكومة الحزب الوطنى لم تهتم بكشف التزوير علنا فى وسائل الإعلام المختلفة، وبدت كمن يرتكب فعلا فاضحا فى الطريق العام دون خجل.. نشرت الصحف صورا لبطاقات يجرى تسويدها علنا، ولم تحقق اللجنة العليا للانتخابات فى الأمر ولم توقف نتيجة تلك اللجنة، وفاز المرشح الذى تم التسويد لصالحه.. وفى هذا رسالة واضحة لكل مواطن.. صوتك بلا قيمة، والتمثيلية قائمة ومستمرة بصوتك أو بدونه.

كنا نعيب تقاعس الحكومة عن تنفيذ الأحكام القضائية.. فإذا باللجنة العليا للانتخابات– وهم قضاة – لا تعبأ بالأحكام القضائية التى صدرت بوقف الانتخابات فى عدد من الدوائر، رغم النص فى بعضها على عدم جواز الطعن عليها بأى من الوسائل.. وقررت اللجنة العليا إجراء الانتخابات فى هذه الدوائر وكأن شيئا لم يكن.. وفى هذا رسالة واضحة للجميع.. فالقانون لايفيد، والأحكام القضائية ليست مهمة.

كنا نعيب على الحزب الوطنى سيطرته على مقاليد الحكم منذ ولادته.. وهو أمر لايجوز فى ظل ديمقراطية حقيقية على الإطلاق.. وتوقعنا مع المتغيرات الدولية أن يكون الحزب الوطنى أكثر حكمة وذكاء فى إخراج التمثيلية، وأن تكون النتائج أكثر واقعية وفيها إفساح لمجال أكبر للمعارضة الشرعية.. فإذا بالنتائج تنطق فجرا.. وجاءت النتائج بمجلس شعب منزوع المعارضة.. وهذا لايمكن أن يكون تعبيرا أمينا ودقيقا للمجتمع المصرى الذى نعيش فيه وتحاصرنا الأزمات بداخله.. فالفقر يتزايد، والبطالة تدفع الشباب للغرق فى البحر بحثا عن عمل فى الخارج، والغلاء يكوى الغلابة وهم الغالبية، والخدمات منهارة، والسكن أصبح حلما مستحيلا.. فلو كانت الانتخابات حقيقية لطرد الناس الحزب الوطنى صانع كل هذه الأزمات.. ولو أراد الحزب الوطنى أن يظل فى الحكم بالتزوير فليترفق وليحاول أن يخرج الفيلم بشكل أفضل وأكثر إقناعا.. فلا يعقل أن يصرح مسؤول حكومى قبل الانتخابات بشهر أن المجلس الجديد لن يدخله نائب إخوانى، فتأتى النتيجة كما قال هذا المسؤول بالضبط..

وبالطبع فإننى أرفض التزوير، ولكن لو أراد الحزب الوطنى أن يحبك الأمر فليسمح بعدة مقاعد للإخوان، فرغم رفضى لمنهج وفكر الإخوان، إلا أن أحدا لن يصدق أنهم نزلوا من ٨٨ مقعدا إلى صفر بين طرفة عين وانتباهتها، خاصة أن الناس لم تلمس تحسنا فى أوضاعها يجعلها تتحول بأصواتها من الإخوان للحزب الوطنى.. ولو كان التزوير أمرا لابد منه بالنسبة للحزب الوطنى، لكان الطبيعى أن يحل مقاعد الإخوان بمقاعد للأحزاب الشرعية، وهو مايجعلها قادرة على التواجد بشكل أفضل.. ولكن الحزب الوطنى أراد توجيه رسالة للكل.. أنه فوق الجميع، ولايهمه وجود معارضة من أى نوع، ولا يهمه شكل المجلس أمام الشعب وأمام العالم رغم أنه مجلس يأتى فى ظروف بالغة الحساسية وأمامه مهام كثيرة تفرض أن يكون منزها.

صحيح أن الحزب الوطنى اكتسح حسب النتائج الرسمية.. ولكنه فوز غير مشرف له أو للوطن.. فقد حقق مصلحته ومصالح رجاله على حساب شعب بأكمله.. وماحدث سيترتب عليه كوارث اجتماعية خطيرة، وسيؤدى لزيادة العنف والفوضى.. وماحدث يضرب انتماء المصريين فى مقتل، ويشعرهم أنهم مجرد ضيوف على وطنهم، وربما ضيوف غير مرغوب فى وجودهم.. وربنا يستر.

أسامة هيكل - Almasry Alyoum

osamaheikal@hotmail.com

No comments: