بعد أن انتهت– على الأقل من الناحية الرسمية– مهزلة انتخابات «مجلس أحمد عز وشُركاه لتمرير القوانين وما يراه» على النحو الذى رآه العالم أجمع ورأيناه.. بدأت تطفو على السطح قضية هى فى رأييى هامشية، هدفها الأساسى صرف الأنظار عما حدث، وإلهاء الناس والصحف ووسائل الإعلام المختلفة بأحاديث تافهة عن توقع تغييرات وزارية، وهل يستمر نظيف أو يذهب، وهل يأتى زيد مكان عبيد وفلان مكان علان.. فى نفس الوقت الذى ينشط فيه المنافقون والطبالون والمُشتاقون لتلميع أسمائهم والاقتراب من مراكز القوى والنفوذ والدائرة الضيقة حولهم.
كل ذلك يحدث فى مصر منذ سنوات عديدة واعتدنا عليه ورضينا به كواقع لا فكاك منه.. ولكن ما أضاف إلى المشهد هذه المرة قدراً من الكوميديا السوداء، هو ما أعلنه حزب الوفد عن تشكيل ما أسموه «حكومة ظل» تضم على ما أظن خمسة وثلاثين وزيراً، ظهر رئيسها المُفترض على شاشة إحدى الفضائيات يتحدث - وقد ارتسمت على وجهه مظاهر الجِدية وبثقة يُحسد عليها- عن وزارته وأعضائها الذين يحمل معظمهم درجة الدكتوراه كما قال بتفاخر، وأكد كذلك أنهم سُلالة عائلات عريقة لها أصول وفدية!
لست أدرى كيف تفكر بعض فصائل النُخبة من الذين يحملون شرف صفة «المعارضة الوطنية» هذه الأيام، وكيف اُختصرت القضية لديهم فى تغيير أسماء وزراء الحزب الوطنى بأسماء مجموعة أخرى تتطلع إلى أن تكون من «أصحاب المعالى»، بعد أن عاد هذا اللفظ ينتشر وغيره من ألفاظ زمن التخلف والطبقية والألقاب التى لا معنى لها، ليتواءم مع عصر الانحطاط الذى نعيشه هذه السنوات؟!
هل يظن هؤلاء أن وجود عبدالنور والطويل وشلش بديلا عن غالى ومرعى والجبلى مثلا يمكن أن يُصلح شيئا فى هذا البلد المنكوب؟! والله الذى لا إله إلا هو، لو رزقنا سبحانه وتعالى بمجموعة من الملائكة الأخيار للعمل كوزراء فى حكومة نظام ديكتاتورى، يُفصل القوانين على هواه، والمجالس النيابية على مايراه، ولايستند إلا على قوة البطش الغاشمة وإرهاب المواطنين بقوى الأمن المركزى وأمن الدولة، لتحول هؤلاء الملائكة بين يوم وليلة إلى فراعين صِغار، ماذا يُمكن أن ننتظر من وزير لا يعرف بل ولا حق له أن يتكلم عن ميزانيات الدولة وإيراداتها غير المعلومة يقيناً وفيما تُصرف فيه، ولا يعلمون شيئاً عن المصاريف السرية والوزارات والجهات السيادية وغيرها من مُسميات هذا الزمان،
وبالتالى فهو يتصرف فى حدود مايُقررون له من ميزانية لا تفى بالحد الأدنى لتقديم خدمات تتفق مع معايير حقوق الإنسان فى كل مكان؟ ماذا يُمكن أن ننتظر من وزراء فى نظام لا يسمح لنواب الشعب أن يُحاسبهم أو يعزلهم بل ويحميهم مهما ارتكبوا من خطايا؟ القضية ياسادة ليست فى اسم من يأتى وزيراً طالما سيعمل وفق أسس النظام السلطوى القائم الذى ظهر وجهه الحقيقى فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى الأخيرين.. وأظن أنه يوجد بحزب الوفد وغيره من الأحزاب وكافة الفصائل المعارضة، الكثير من العُقلاء الواعين لهذا الأمر، وأن تركيز المعارضة الوطنية يجب أن يكون كله مُنصباْ الآن على الانضواء تحت لواء الجمعية الوطنية للتغيير، لأنه فعلا وحقاْ وصدقاْ معاْ.. ومعاْ فقط سنغير.
إن المطالب السبعة التى جاءت ببيان الجمعية الذى يدعو الناس للانضمام إليها، يجب أن تكون هى الحد الأدنى لمطالب الشُرفاء والمُخلصين لهذا الوطن، وعلى رأسها ضرورة إنهاء حالة الطوارئ القائمة منذ عقود طويلة جرى تحت ظلها كل ماجرى من عمليات ترهيب وتخويف وتزوير وتسلط، قام بها النظام الحاكم، دمرت الشخصية المصرية وجعلت الغالبية العظمى من المصريين يعيشون غرباء على أرض وطنهم وعلى ألسنتهم القول المأثور «واحنا مالنا، ما البلد بلدهم».. يقصدون بذلك أنها بلد المُتسلطين المُتجبرين الذين استولوا على السلطة والثروة معاْ، وأعوانهم ممن خانوا أنفسهم وناسهم وارتضوا مراكز الخدم. يأتى بعد ذلك انتخابات نزيهة يُشرف عليها القضاء إشرافاْ كاملا وتُبعد عنها أجهزة الشرطة والإدارة المحلية، مع الرقابة عليها من قِبل المجتمع المدنى المحلى والدولى وتوفير فرص متكافئة فى وسائل الإعلام لجميع المُرشحين وتمكين المصريين فى الخارج من ممارسة حقهم فى الانتخاب وأن يكون التصويت بالرقم القومى لا غير.. ويكون هدف هذه الانتخابات فى رأييى هو انتخاب جمعية وطنية لا يزيد عددها على مائتين وتضم كافة التيارات السياسية وطوائف الشعب جميعها بدون هذه التفرقة التى تُثير السخرية مابين عمال وفلاحين وفئات..
وتقوم هذه الجمعية خلال فترة انتقالية لا تتعدى العامين بوضع دستور جديد قويم يستحقه هذا الوطن يتم فيه قبل كل شىء تغيير المواد ٧٦ و٧٧ و٨٨ من الدستور الحالى، بحيث لا يستمر رئيساً أكثر من فترتين كل منها خمس سنوات تحت أى ظرف كان، وتتحدد فيه وسائل واضحة وفعالة لمحاسبة الرئيس وحكومته، على أن تحل هذه الجمعية الوطنية محل هذا المجلس المُهترئ المنسوب زوراْ إلى الشعب.
هذه هى الأمور التى يجب أن تنشغل بها القوى الوطنية الحقيقية، وعلى رأسهم الشباب الواعى القليل الذى أفلت من قبضة حصار النظام له بالتجهيل والإبعاد المُتعمد عن السياسة، والإلهاء بتوافه الأمور، والترهيب والترغيب.. والتى يجب أن تعيها أيضاْ طوائف الشعب المختلفة بغض النظر عن الدين أو الجنس أو العِرق.
فى خلال هذين العامين يمكن أيضاْ إذا خَلُصت النوايا واستُنفرت الهمم أن تبدأ حملة قومية تستهدف خفض نسبة الأمية إلى النصف، مع البدء فى حملة إعلامية واسعة وعلى أسس علمية سليمة لتثقيف أفراد الشعب العاديين بما تعنيه كلمة الديمقراطية وما يمكن أن يجنونه من خير منها إذا ما اختاروا الطريق والفريق الذى يمكن أن يحقق مطالبهم ويُغير بالعمل لا بالكلام أوضاعهم السيئة. بعد هذا فقط يمكن أن نتحدث عن مجلس شعب محترم أو عن اختيارات وزارية سليمة.. والله المُستعان.
د . طارق الغزالى حرب - Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment