لم يسبق فى تاريخ العمل السياسى أن استغل حزب حاكم أو غير حاكم فئة من الشعب مثلما فعل الحزب الوطنى مع أقباط مصر دون مقابل، ويتجلى استخدام أو ابتزاز الحزب الوطنى للأقباط فى مظاهر عدة والانتخابات هى الفترة الأوضح التى قام فيها الحزب الوطنى بمص دماء الأقباط ثم يتركهم فى الشارع ينزفون دون عائد، فعندما كانت الانتخابات تراقب من قبل القضاء وكانت أصوات الأقباط ذات قيمة وعد الحزب الكنيسة والشعب بجميع الوعود خاصة فى الانتخابات الرئاسية السابقة، وبعد أن فاز الحزب بكل ما أراد وحشد الأقباط أنفسهم خلف الحزب لم يقدم لهم أى خدمات ولم يتدخل لحل أى من مشاكلهم العالقة لأجيال وأجيال،
وتوسم الأقباط خيرا بعد أن تدخل قداسة البابا شخصيا فى انتخابات الرئاسة الماضية لحشد أصوات الأقباط من أجل السيد الرئيس مرشح الحزب الوطنى، واعتقد الكثير منهم أن الدولة سوف تقدر موقف قداسته وتتعامل مع مشاكل الأقباط بجدية ولكن كانت النتيجة مخيبة للآمال فلم يحصل الأقباط إلا على وعود لم تنفذ وخيبة أمل لا تضاهيها خيبة. وجاءت نتيجة ترشيحات الحزب الوطنى ليتضح أن الحزب لم يرشح سوى خمسة أقباط فقط من ٨٠٠ مرشح.. المحير أن الأقباط قاموا بمشاركة غير مسبوقة فى انتخابات المجمع الانتخابى للحزب بل إن عدد المشاركين فاق كل التوقعات وعليه فلن يستطيع السادة قيادات الحزب استخدام حجة الأقباط لا يشاركون».
كان هذا جزءاً مما كتبه «مايكل منير» تحت عنوان صدمة تجاهل الأقباط فى قائمة الحزب الوطنى وهو ما يستحق التوقف أمامه ليس لأنه رأيه الشخصى ولكن لأنه المنهج الذى ساد فى تعامل الأقباط مع السلطة السياسية والحزب وتعامل السلطة والحزب مع الأقباط، المشكلة الحقيقية التى لم يتم إدراكها من قبل الأقباط أن الخطأ يكمن أصلا فى طبيعة العلاقة القائمة على الاستخدام.. لذا فليس متوقعاً أن تفرز مثل هذه العلاقة وضعا سياسيا سليما..
الخطأ خطأ الأقباط أصلاً لأنهم ربطوا ما بين حل مشاكلهم والموافقة على استخدامهم والغريب أن الأقباط لم يدركوا ذلك كل هذه السنوات وكل هذا الاستخدام الذى لم يسفر عن شىء ولم يدركوا أن الحل الحقيقى هو فى وضع حد لاستخدامهم ككتلة طائفية والخروج من هذه الشرنقة لممارسة المشاركة السياسية عبر مواقف سياسية فردية قائمة على قناعة أن التغيير السياسى وسيادة الديمقراطية هو الضمانة الوحيدة لحل المشاكل الأزلية وليس تقديم الثمن للحزب وانتظار أن يفى بوعود لم يف بها أبداً.
المشكلة الحقيقية فيما كتبه مايكل منير هو الإصرار على عزل الأقباط بالمطالبة بأن يأخذوا موقفاً كأقباط بقوله: يجب أن يفعل الأقباط شيئا فى مقابل تجاهل الحزب لهم، وذلك كما يقترح «أن يقوم الأقباط بإسقاط جميع مرشحى الحزب الوطنى بلا استثناء والوقوف بجوار الأقباط المستقلين ومرشحى أحزاب المعارضة فلقد انتهى زمن الصفقات وحان وقت العمل».
المشكلة هنا أن الأقباط ليسوا مثل الموارنة فى لبنان مثلا فالأقباط ليسوا جماعة سياسية واحدة فهم موزعون بين عدة طبقات اجتماعية ولذلك فهم يعتنقون آراء سياسية مختلفة طبقا لمصالح كل طبقة.. لكن المشكلة أن مثل هذا البعد لم يعد حاضرا منذ أن تم حسم العلاقة ما بين العلمانيين الأقباط ورجال الدين لصالح رجال الدين حيث بات رجال الدين يمثلون الصوت السياسى للأقباط ومن ثم اختفى الصوت العلمانى وبات الموقف السياسى للأقباط موقفاً واحداً تفاوض عليه الكنيسة ولذلك ظلت أصوات الأقباط رهنا للصفقة ما بين النظام السياسى والحزب من ناحية والكنيسة من ناحية أخرى،
والمشكلة أن هذا الصراع ما بين العلمانيين ورجال الدين قد صاحبه من ناحية أخرى عامل آخر دفع الأمور أكثر وأكثر فى طريق وضع الأوراق كلها فى يد رجال الدين وهذا العامل هو الأصولية الإسلامية التى مارست عنفاً ضد الأقباط إلى جانب تهميشهم اجتماعيا وسياسيا ومن ثم لم يتبق لهم سوى الانتماء الدينى لهذا فإن الخروج من هذه الحلقة الجهنمية لا يكون باتخاذ موقف كأقباط ولكن بالتحرك فى الإطار الأشمل وهو إطار المشاركة السياسية بهدف الوصول إلى قدر من أعمال الديمقراطية.. أن يدرك الأقباط أن الاستخدام خطأ من الأساس لأنه يحولهم لورقة يتم التلاعب بها أحيانا وإفزاعها فى أحيان أخرى وجرجرتها على أمل وعود لا يأتى وقت تنفيذها.
كريمة كمال- Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment