الذى حدث مع المتظاهرين ضد التوريث فى القاهرة والإسكندرية أمس الأول يدل على أن نظامنا فقد أعصابه ولم يعد يحتمل صوتا معارضا يخرج إلى الشارع. حتى إذا كان المتظاهرون بضع عشرات. ذلك أن الحشود الأمنية الكبيرة التى أعدت لمواجهة مظاهرات الشوارع، والقسوة المفرطة التى تم التعامل بها معهم، وعمليات الاعتقال التى تعرض لها الذين يرفعون اللافتات أو يرددون الشعارات، ذلك كله يبعث إلى المجتمع برسالة تخويف وترويع مطلوب أن تبقى حية فى الذاكرة طوال الوقت.
ولو أن الذين حشدوا تلك الحشود ووضعوا الخطط لسد منافذ الشوارع وحصار المتظاهرين وأعدوا فرق الكاراتيه لمتطلبات الاشتباك والضرب والسحل، لو أنهم تصرفوا بصورة أكثر عقلانية وتحضرا لكسبوا احترام الناس وتعاطفهم، بدلا من توسيع دائرة السخط والنقمة عليهم. إذ ما الذى يفزع النظام فى مصر بسكانها الذين يزيد عددهم على ثمانين مليونا، حين يخرج بضع عشرات من المواطنين فى مظاهرة ترفض التوريث أو تحتج على سياسة الحكومة؟ علما بأن أولئك العشرات يقاربون عدد الجالسين على مقاعد أى مقهى، أو الواقفين فى انتظار حافلة الركاب أو المترو، ومن الذى ثبت بحقه الخوف فى هذه الحالة، المتظاهرون الذين خرجوا إلى الشارع ورفعوا صوت الاحتجاج ضد السلطة، أم جهاز الشرطة الذى استنفر واهتز فسارع إلى تطويق المتظاهرين وقمعهم. بكلام آخر فإن الذين أرادوا استعراض القوة قدموا دليلا على شدة الضعف.
ذلك ان القوى فى الشأن العام ليس من يلوح للناس بهراوته فى كل حين. (العرب تقول إن من طالت عصاه قلَّت هيبته)، لكنه من يثبت فى مكانه واثقا من قدرته ومستعليا فوق انفعالاته، ومقدما الحكمة والسياسة على المناطحة والتياسة.
فى اليوم الذى عمدت الشرطة إلى سحق المتظاهرين ضد التوريث تلقيت اتصالا هاتفيا من محامٍ كبير صديق لى، أبلغنى بصوت منفعل أن ابنه ذهب إلى أحد أقسام الشرطة فى القاهرة لاستخراج صحيفة الحالة الجنائية (فيش وتشبيه)، وبينما هو واقف فى الطابور ينتظر دوره مر أحد الأشخاص إلى جانبه بسرعة محدثا صدمة قوية بكتفه، فما كان من الشاب إلا أن قال للشخص المار، «يا أخى خذ بالك»، فما كان من صاحبنا إلا أن استدار ووجه صفعة قوية إلى شاب آخر كان يقف خلفه، ظنا منه أنه من صدرت عنه الملاحظة. ولم يكتف بذلك، ولكنه انهال عليه بالضرب وسط ذهول الواقفين، ثم واصل سيره إلى داخل المبنى. وتبين بعد ذلك أن الشخص المار ضابط شرطة فى القسم، لم يعجبه تعليق الشاب و«تطاوله» بالملاحظة التى أبداها.
قال صاحبى إن ابنه أصيب بالهلع من المنظر، فلم يجرؤ ان يخبر الضابط بأنه هو من صدرت عنه الملاحظة وليس الشخص الآخر، خصوصا أن الخوف انتابه حين رآه ينهال بالضرب على ذلك الشخص، فآثر الخروج من الطابور وانخرط فى البكاء تأثرا بما حدث.
فى اليوم نفسه، قرأت فى إحدى الصحف الصباحية ان المحامى العام لنيابات غرب الإسكندرية أصدر أمر بالتحقيق مع 6 من ضباط الشرطة، قتلوا أحد أرباب السوابق أثناء محاولة القبض عليه، بأن اطلقوا عليه 80 رصاصة اثبتها الطب الشرعى، فى حين ان الضباط ذكروا انهم لم يستخدموا الرصاص ضده، عندئذ تذكرت قصة الشاب خالد سعيد ابن الإسكندرية، الذى اتهمت الشرطة بقتله أثناء محاولة القبض عليه، ونفت الداخلية ذلك فى بيان رسمى، ثم تاهت أوراق القضية وجرى التسويف فيها، فى حين ظل اتهام الشرطة بالمسئولية فى الحادث متداولا على الألسنة ومستقرا فى الأذهان.
حين وجدت ان الشرطة سحقت المتظاهرين ضد التوريث، وانها لم تتردد فى سحق غيرهم رغم انهم لا علاقة لهم بالتوريث أو بأى شىء فى السياسة، قلت ان الشرطة بهذا الأداء أصبحت جزءا من المشكلة، بحيث إن الازدراء بالشعب وتحقيره، لم يعودا مقصورين على رجال السلطة والسياسة وحدهم، وان ذلك أصبح دأب رجال الشرطة أيضا، ووجدت أن عبدالرحمن الكواكبى قالها فى كتاب طبائع الاستبداد، حين ذكر ان الحكومة المستبدة تكون مستبدة فى كل فروعها، من المستبد الأعضم إلى الشرطى. وان الوزير الأعظم للمستبد هو اللئيم الأعظم فى الأمة ثم من دونه لؤما.
ولو أن الذين حشدوا تلك الحشود ووضعوا الخطط لسد منافذ الشوارع وحصار المتظاهرين وأعدوا فرق الكاراتيه لمتطلبات الاشتباك والضرب والسحل، لو أنهم تصرفوا بصورة أكثر عقلانية وتحضرا لكسبوا احترام الناس وتعاطفهم، بدلا من توسيع دائرة السخط والنقمة عليهم. إذ ما الذى يفزع النظام فى مصر بسكانها الذين يزيد عددهم على ثمانين مليونا، حين يخرج بضع عشرات من المواطنين فى مظاهرة ترفض التوريث أو تحتج على سياسة الحكومة؟ علما بأن أولئك العشرات يقاربون عدد الجالسين على مقاعد أى مقهى، أو الواقفين فى انتظار حافلة الركاب أو المترو، ومن الذى ثبت بحقه الخوف فى هذه الحالة، المتظاهرون الذين خرجوا إلى الشارع ورفعوا صوت الاحتجاج ضد السلطة، أم جهاز الشرطة الذى استنفر واهتز فسارع إلى تطويق المتظاهرين وقمعهم. بكلام آخر فإن الذين أرادوا استعراض القوة قدموا دليلا على شدة الضعف.
ذلك ان القوى فى الشأن العام ليس من يلوح للناس بهراوته فى كل حين. (العرب تقول إن من طالت عصاه قلَّت هيبته)، لكنه من يثبت فى مكانه واثقا من قدرته ومستعليا فوق انفعالاته، ومقدما الحكمة والسياسة على المناطحة والتياسة.
فى اليوم الذى عمدت الشرطة إلى سحق المتظاهرين ضد التوريث تلقيت اتصالا هاتفيا من محامٍ كبير صديق لى، أبلغنى بصوت منفعل أن ابنه ذهب إلى أحد أقسام الشرطة فى القاهرة لاستخراج صحيفة الحالة الجنائية (فيش وتشبيه)، وبينما هو واقف فى الطابور ينتظر دوره مر أحد الأشخاص إلى جانبه بسرعة محدثا صدمة قوية بكتفه، فما كان من الشاب إلا أن قال للشخص المار، «يا أخى خذ بالك»، فما كان من صاحبنا إلا أن استدار ووجه صفعة قوية إلى شاب آخر كان يقف خلفه، ظنا منه أنه من صدرت عنه الملاحظة. ولم يكتف بذلك، ولكنه انهال عليه بالضرب وسط ذهول الواقفين، ثم واصل سيره إلى داخل المبنى. وتبين بعد ذلك أن الشخص المار ضابط شرطة فى القسم، لم يعجبه تعليق الشاب و«تطاوله» بالملاحظة التى أبداها.
قال صاحبى إن ابنه أصيب بالهلع من المنظر، فلم يجرؤ ان يخبر الضابط بأنه هو من صدرت عنه الملاحظة وليس الشخص الآخر، خصوصا أن الخوف انتابه حين رآه ينهال بالضرب على ذلك الشخص، فآثر الخروج من الطابور وانخرط فى البكاء تأثرا بما حدث.
فى اليوم نفسه، قرأت فى إحدى الصحف الصباحية ان المحامى العام لنيابات غرب الإسكندرية أصدر أمر بالتحقيق مع 6 من ضباط الشرطة، قتلوا أحد أرباب السوابق أثناء محاولة القبض عليه، بأن اطلقوا عليه 80 رصاصة اثبتها الطب الشرعى، فى حين ان الضباط ذكروا انهم لم يستخدموا الرصاص ضده، عندئذ تذكرت قصة الشاب خالد سعيد ابن الإسكندرية، الذى اتهمت الشرطة بقتله أثناء محاولة القبض عليه، ونفت الداخلية ذلك فى بيان رسمى، ثم تاهت أوراق القضية وجرى التسويف فيها، فى حين ظل اتهام الشرطة بالمسئولية فى الحادث متداولا على الألسنة ومستقرا فى الأذهان.
حين وجدت ان الشرطة سحقت المتظاهرين ضد التوريث، وانها لم تتردد فى سحق غيرهم رغم انهم لا علاقة لهم بالتوريث أو بأى شىء فى السياسة، قلت ان الشرطة بهذا الأداء أصبحت جزءا من المشكلة، بحيث إن الازدراء بالشعب وتحقيره، لم يعودا مقصورين على رجال السلطة والسياسة وحدهم، وان ذلك أصبح دأب رجال الشرطة أيضا، ووجدت أن عبدالرحمن الكواكبى قالها فى كتاب طبائع الاستبداد، حين ذكر ان الحكومة المستبدة تكون مستبدة فى كل فروعها، من المستبد الأعضم إلى الشرطى. وان الوزير الأعظم للمستبد هو اللئيم الأعظم فى الأمة ثم من دونه لؤما.
بقلم:فهمي هويدي - الشروق
No comments:
Post a Comment