لم يكن أكثرنا قد سمع عن شادى طارق الغزالى حرب حتى صباح يوم الأربعاء الخامس عشر من هذا الشهر عندما علمنا بخبر اختفائه من مطار القاهرة فيما كان ينهى إجراءات سفره إلى عاصمة الضباب. أما اليوم فاكتب اسم شادى على شاشة الكمبيوتر واضغط على محرك جوجل وسوف تطالعك عشرات العناوين التى تخصه التى تدور فى مجملها حول أمرين اثنين: تفوقه العلمى ونشاطه فى حملة دعم البرادعى.
هو شىء عادى جدا أن يكون لواحد من آل الغزالى حرب نشاط سياسى، فالأسرة بكاملها تحترف الاهتمام بالشأن العام من الجد إلى الأب إلى الأعمام، واهتمامها يعكس مروحة واسعة من الاتجاهات السياسية فيها انتماء للإخوان واليمين واليسار، انتماء يختلف من جيل لجيل ومن شخص لآخر وعلى مدى عُمر الشخص نفسه.
انضم شادى إلى الجمعية الوطنية للتغيير التى أسسها عمه أسامة، وشكل هو نفسه مجموعة «مصريون فى لندن من أجل التغيير»، وتفاعل مع أحداث الوطن بأشكال مختلفة. ففى أحد العناوين التى يدلك عليها محرك جوجل ستقرأ له تعليقا نشره المصرى اليوم فى العشرين من يوليو 2009 يسأل فيه إن كان الرئيس مبارك يقبل بالسباب الذى وجههه أحد كبار كُتاب الأهرام لقادة ثورة يوليو حين وصفهم بأنهم «مجموعة من المتآمرين صغار السن محدودى الخبرة والتعليم والمعارف». فورا تكتشف أنك أمام شخص مختلف، شخص لا تحرفه اتجاهاته الليبرالية عن القراءة المنصفة لتاريخ مصر السياسى، يداخلك تجاهه شعور بالارتياح والفضول معا.
فى السيرة الذاتية لشادى يتواءم نشاطه العام مع تفوقه العلمى، فهو من أوائل دفعته فى كلية الطب جامعة القاهرة ويشغل وظيفة مدرس مساعد بها. اختار التخصص فى جراحة زراعة الكبد، وأعد فيها رسالته للماجستير، ويعد حاليا رسالته للدكتوراه فى التخصص نفسه.
وعندما اختفى شادى من المطار كان فى طريقه لأداء الامتحان للحصول على زمالة الدكتوراه فى جراحة الكبد بإحدى جامعات بريطانيا. يلفتك أنه حين تعذر تمويل الجامعة لإشراف مصرى ـ بريطانى مشترك على رسالة شادى لأسباب ليس هذا مقام شرحها قرر أن يمول سفره من ماله الخاص. استفاد من منحة قدمها الاتحاد الأوروبى لشباب الباحثين لكن حدها الأقصى كان ستة أشهر.
شاب هذا هو سجله وهذا هو تاريخه، ما الذى يمكن أن يخشاه منه النظام برب السماء؟ سؤال مستفز ألح علىّ من أول لحظة قرأت فيها خبر اختفائه. شاب له وظيفة جامعية محترمة، ومستقبل عملى واعد، وسمعة طيبة، وحياة أسرية مستقرة، وانتماء وطنى يحميه من الشطط، أى تهديد يمكن أن يمثله هو أو من على شاكلته؟ إنه المفهوم الواسع جدا جدا لأمن النظام، مفهوم يعتبر أن توزيع صور البرادعى أو التوقيع له أو الخروج لاستقباله يهز الاستقرار أو حتى يقوضه. شادى فرد من بين نصف مليون مواطن وقعوا حتى الآن لترشيح البرادعى للرئاسة أما التسعة وسبعون وخمسائة ألف مواطن الآخرون فلم يوقعوا، ومع ذلك تعصب عينا شادى، ويُعرَّىَ، ويُحقق معه، ويفوت موعد أدائه امتحان الزمالة، وتعيش أسرته ساعات قلق عصيبة لا يكابدها إلا من يعرف معنى الاختفاء القسرى.
لا يلغى الإفراج عن شادى سواء بعد ثلاثين ساعة أو خمس وثلاثين، لا يلغى أبدا المعنى الخطير وراء اختفائه، فالقضية لا تكمن فى عدد ساعات الغياب بل فى حدود مفهوم أمن النظام.
عندما اختفى شادى كان قد مر يوم واحد على عودة الموظفين إلى أعمالهم بعد إجازة عيد الفطر. عيد مورس فيه التحرش على نطاق واسع، أبشعه كان فى حديقة الفسطاط عندما أحاط خمسون غلاما بفتاتين على مرأى من الكل ومسمعهم. صاح متحرش ـ ويالسخف الوصف وسماجته ـ «هجوم يا رجالة بنت حلوة» فهجم الصغار وطوقوا الفتاتين، تصدى لهم أمن الحديقة فتحرشوا بالأمن نفسه كما نشر اليوم السابع فى الرابع عشر من هذا الشهر.
يا الله، أى ظلم يحيق بالفتاة المصرية فى أيامنا هذه، يروعها الغلمان الهائمون على وجوههم حتى يرغموها على هجران الشارع حفظا لكرامتها، ويحاصرها المتشددون بفتاوى تحبسها فى دارها لأن كل ناظر لها مفتون.
لكن الأمر برمته لا يهم كبار مسئولينا ببساطة لأنه يخص أمن المجتمع، وشتان ما بين الحرص على أمن النظام «من خطر» أمثال الدكتور شادى من خيرة شباب هذا البلد، والاستخفاف فى المقابل بأمن المجتمع وإن يكن المتربصون به من المتحرشين والألتراس ومشعلى الفتنة والمدمنين والمتعاركين بالسيوف والجنازير والمولوتوف.
ويكفى أن نعلم أنه بينما تم احتجاز شادى لما يزيد على ثلاثين ساعة تم احتجاز المتحرشين لما لا يزيد على خمس ساعات، مع أنه لا صلة البتة بين فعل وفعل وأداء وأداء.
اختفاء شادى يرمز لاختفاء الوطن كما عرفناه وأحببناه وغنينا له وتباهينا به واخترناه مقرا فلم نغترب عنه أو نهاجر. ومع ذلك فقَد عاد شادى لأهله وصحبه وناسه أو أعيد لهم ولو بعد حين، لكن ترى متى عساه هذا الوطن يعود؟
هو شىء عادى جدا أن يكون لواحد من آل الغزالى حرب نشاط سياسى، فالأسرة بكاملها تحترف الاهتمام بالشأن العام من الجد إلى الأب إلى الأعمام، واهتمامها يعكس مروحة واسعة من الاتجاهات السياسية فيها انتماء للإخوان واليمين واليسار، انتماء يختلف من جيل لجيل ومن شخص لآخر وعلى مدى عُمر الشخص نفسه.
انضم شادى إلى الجمعية الوطنية للتغيير التى أسسها عمه أسامة، وشكل هو نفسه مجموعة «مصريون فى لندن من أجل التغيير»، وتفاعل مع أحداث الوطن بأشكال مختلفة. ففى أحد العناوين التى يدلك عليها محرك جوجل ستقرأ له تعليقا نشره المصرى اليوم فى العشرين من يوليو 2009 يسأل فيه إن كان الرئيس مبارك يقبل بالسباب الذى وجههه أحد كبار كُتاب الأهرام لقادة ثورة يوليو حين وصفهم بأنهم «مجموعة من المتآمرين صغار السن محدودى الخبرة والتعليم والمعارف». فورا تكتشف أنك أمام شخص مختلف، شخص لا تحرفه اتجاهاته الليبرالية عن القراءة المنصفة لتاريخ مصر السياسى، يداخلك تجاهه شعور بالارتياح والفضول معا.
فى السيرة الذاتية لشادى يتواءم نشاطه العام مع تفوقه العلمى، فهو من أوائل دفعته فى كلية الطب جامعة القاهرة ويشغل وظيفة مدرس مساعد بها. اختار التخصص فى جراحة زراعة الكبد، وأعد فيها رسالته للماجستير، ويعد حاليا رسالته للدكتوراه فى التخصص نفسه.
وعندما اختفى شادى من المطار كان فى طريقه لأداء الامتحان للحصول على زمالة الدكتوراه فى جراحة الكبد بإحدى جامعات بريطانيا. يلفتك أنه حين تعذر تمويل الجامعة لإشراف مصرى ـ بريطانى مشترك على رسالة شادى لأسباب ليس هذا مقام شرحها قرر أن يمول سفره من ماله الخاص. استفاد من منحة قدمها الاتحاد الأوروبى لشباب الباحثين لكن حدها الأقصى كان ستة أشهر.
شاب هذا هو سجله وهذا هو تاريخه، ما الذى يمكن أن يخشاه منه النظام برب السماء؟ سؤال مستفز ألح علىّ من أول لحظة قرأت فيها خبر اختفائه. شاب له وظيفة جامعية محترمة، ومستقبل عملى واعد، وسمعة طيبة، وحياة أسرية مستقرة، وانتماء وطنى يحميه من الشطط، أى تهديد يمكن أن يمثله هو أو من على شاكلته؟ إنه المفهوم الواسع جدا جدا لأمن النظام، مفهوم يعتبر أن توزيع صور البرادعى أو التوقيع له أو الخروج لاستقباله يهز الاستقرار أو حتى يقوضه. شادى فرد من بين نصف مليون مواطن وقعوا حتى الآن لترشيح البرادعى للرئاسة أما التسعة وسبعون وخمسائة ألف مواطن الآخرون فلم يوقعوا، ومع ذلك تعصب عينا شادى، ويُعرَّىَ، ويُحقق معه، ويفوت موعد أدائه امتحان الزمالة، وتعيش أسرته ساعات قلق عصيبة لا يكابدها إلا من يعرف معنى الاختفاء القسرى.
لا يلغى الإفراج عن شادى سواء بعد ثلاثين ساعة أو خمس وثلاثين، لا يلغى أبدا المعنى الخطير وراء اختفائه، فالقضية لا تكمن فى عدد ساعات الغياب بل فى حدود مفهوم أمن النظام.
عندما اختفى شادى كان قد مر يوم واحد على عودة الموظفين إلى أعمالهم بعد إجازة عيد الفطر. عيد مورس فيه التحرش على نطاق واسع، أبشعه كان فى حديقة الفسطاط عندما أحاط خمسون غلاما بفتاتين على مرأى من الكل ومسمعهم. صاح متحرش ـ ويالسخف الوصف وسماجته ـ «هجوم يا رجالة بنت حلوة» فهجم الصغار وطوقوا الفتاتين، تصدى لهم أمن الحديقة فتحرشوا بالأمن نفسه كما نشر اليوم السابع فى الرابع عشر من هذا الشهر.
يا الله، أى ظلم يحيق بالفتاة المصرية فى أيامنا هذه، يروعها الغلمان الهائمون على وجوههم حتى يرغموها على هجران الشارع حفظا لكرامتها، ويحاصرها المتشددون بفتاوى تحبسها فى دارها لأن كل ناظر لها مفتون.
لكن الأمر برمته لا يهم كبار مسئولينا ببساطة لأنه يخص أمن المجتمع، وشتان ما بين الحرص على أمن النظام «من خطر» أمثال الدكتور شادى من خيرة شباب هذا البلد، والاستخفاف فى المقابل بأمن المجتمع وإن يكن المتربصون به من المتحرشين والألتراس ومشعلى الفتنة والمدمنين والمتعاركين بالسيوف والجنازير والمولوتوف.
ويكفى أن نعلم أنه بينما تم احتجاز شادى لما يزيد على ثلاثين ساعة تم احتجاز المتحرشين لما لا يزيد على خمس ساعات، مع أنه لا صلة البتة بين فعل وفعل وأداء وأداء.
اختفاء شادى يرمز لاختفاء الوطن كما عرفناه وأحببناه وغنينا له وتباهينا به واخترناه مقرا فلم نغترب عنه أو نهاجر. ومع ذلك فقَد عاد شادى لأهله وصحبه وناسه أو أعيد لهم ولو بعد حين، لكن ترى متى عساه هذا الوطن يعود؟
بقلم:نيفين مسعد
No comments:
Post a Comment