هل نستطيع أن نخرج من الحوار والجدل حول قضية حملة توريث مصر لجمال مبارك ـ ولو مؤقتاً ـ لجدل آخر أحدثه حوار تليفزيوني أخير لأحد أبرز أنصار ومنظري جماعة التوريث في مصر.. قال فيه جهاراً وبغير مواربة إن التحول عن نمط الحكم الفرعوني في مصر «حكم الفرعون» بدأ منذ عام 2002 في إشارة لبداية ظهور وتدشين مشروع التوريث الذي افتتحه صاحب هذا الحوار بكتاب أصدره عن جمال مبارك منذ سنوات!!
.. الحوار الذي أقصده هو ذلك الحوار التليفزيوني الذي بثته أمس الأول ـ الثلاثاء ـ قناة «مودرن مصر» عبر برنامجها الشهير «محطة مصر» للإعلامي معتز مطر الذي استضاف فيه الدكتور جهاد عودة ـ رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة حلون وعضو أمانة سياسات الحزب الوطني وأحد منظري وعقلاء جماعة الحكم الجديدة المرتبطة بجمال مبارك.
.. فبعيداً عن خطاب تهييج المشاعر والخواطر والتقاذف بالحجارة والأوحال، وهو المنطق الوحيد المعتمد لدي الغالبية من قيادات ورموز الحزب الوطني، جاء حوار «عودة ـ مطر» حافلاً بالدلالات والإشارات بالغة الخطورة، حتي ولو صدرت عن الرجل بغير صفته الحزبية، كما أشار في بداية الحوار.
.. الدكتور جهاد عودة قال إن نظامنا السياسي المصري «فرعوني» لا يعرف المؤسسات، وإن الفرعون يحكم مصر منذ سنوات، وإن بداية التحول عن نمط حكم «الفرعون» كانت في عام 2002 في إشارة تربط بين ظهور جمال وبداية انقشاع شبح الحكم الفرعوني!!
.. وأحسب أن اختزال الدكتور عودة للتحولات المحلية والدولية التي قادت لهامش ضيق ونسبي وتقلص شكلي للطبيعة الاستبدادية المطلقة للحكم في مصر، وحصر هذه التحولات في خانة إنجازات جمال، هو أمر يشوبه الالتباس وليّ واجتزاء للحقائق لصالح شخص جمال الذي وصفه «أحمد عز» ـ في مؤتمر الحزب الحاكم ـ بمفجر ثورة التغيير!! وألبسه الدكتور عودة ثوب محرر العبيد من حكم الفرعون «والده»!!
.. مفاجأة مسكونة بالمفارقة المدهشة فجرها معتز مطر عندما حاول في نهاية الحوار أن يتثبت من مقصد الدكتور جهاد، منبهاً إياه أنه قد يغضب مبارك «الأب» أن توصف «21 سنة» من سنوات حكمه من «1981 ـ 2002»بأنها سنوات حكم «الفرعون»!! إلا أن الدكتور عودة رد باقتضاب وعبارة واحدة شديدة الوضوح والشجاعة قائلاً: «وماذا يغضبه في أن أصفه بـ «الفرعون»؟!
.. ربما يقصد الدكتور عودة أن وصف الفرعون ليس سباً؛ فهناك فراعنة أحسنوا وكانت سنوات حكمهم سنوات «ماعت».. ومعني الكلمة الهيروغليفية الخير والعدل والحرية.. وهناك فراعنة كانت سنواتهم الطويلة «إزفت» أي «زفت» وظلم وفقر وانهيار في كل شيء!!
.. وبغض النظر إذا كان الدكتور جهاد عودة يقصد أن سنوات مبارك من «1981 ـ 2002» هي سنوات لحكم فرعون «ماعت» أو «إزفت» فإشارته لحدوث مغايرة بداية من «2002 ـ 2010» تعني إما إدانته هذه المرحلة أو تلك!! وإزاء ذلك صار بوسعي ـ رغم الخلاف السياسي الدائم مع الدكتور عودة أن أحير شجاعته في التعبير عن موقفه، ولو كان هذا الموقف هو الانحياز الكامل لمشروع مبارك «الابن» ومحاولة غسل يديه من كل ما اقترفه نظام والده قبل 2002.
.. لكن تبدو المشكلة الحقيقية في أن الدكتور «عودة» لم يقدم لنا غير أدلة شكلية وظاهرية محدودة للمغايرة بين نظام الفرعون مبارك «1981 ـ 2002» و«الملاك» جمال مبارك «2002 ـ 2010».
.. صحيح «جهاد عودة» لم يقل إن مصر تحولت لواحة ديمقراطية منذ 2002، بل أشار لإرهاصات وبدايات تحول ديمقراطي منذ 2002، لم نجد ما يساندها في حديث عودة غير حرية القول بعيداً عن الفعل والتأثير وكل ضمانات النزاهة والشفافية والتداول السلمي المرن للسلطة!!
.. لا نغفل ولا ننكر أن حراكاً قد حدث، لكننا نسأل عن الدور المباشر لجمال مبارك في هذا الحراك؟! ونشير للدور العكسي «الردة» علي كل إشارات الإصلاح من «2002 ـ 2005» في المرحلة من «2006 ـ 2010» لصالح تعميق فرصه منفرداً لاحتكار السلطة؟!
.. عندما دخل جمال مبارك بشبابه وفكره المختلف ـ شأنه شأن جيله ـ إلي ساحة العمل السياسي تصور البعض ـ ومنهم الدكتور جهاد ـ أن جمال الحل للعديد من المشكلات والأزمات العتيقة والمزمنة في النظام السياسي السلطوي والاستبدادي لوالده، إلا أن هؤلاء يغمضون أعينهم عن حقيقة كشفتها السنوات الأخيرة هي أن «الحل» الذي توهموه بات هو المشكلة الأكبر بعد أن صارت الأمور في مصر تساق في اتجاه واحد هو: «من أجلك أنت»!! أي من أجل جمال وحده!!
.. مصر لم تعد تحتمل فرعوناً كبيراً أو صغيراً قديماً أو جديداً!! مصر تريد أن يكون مبارك هو الفرعون الأخير
.. الحوار الذي أقصده هو ذلك الحوار التليفزيوني الذي بثته أمس الأول ـ الثلاثاء ـ قناة «مودرن مصر» عبر برنامجها الشهير «محطة مصر» للإعلامي معتز مطر الذي استضاف فيه الدكتور جهاد عودة ـ رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة حلون وعضو أمانة سياسات الحزب الوطني وأحد منظري وعقلاء جماعة الحكم الجديدة المرتبطة بجمال مبارك.
.. فبعيداً عن خطاب تهييج المشاعر والخواطر والتقاذف بالحجارة والأوحال، وهو المنطق الوحيد المعتمد لدي الغالبية من قيادات ورموز الحزب الوطني، جاء حوار «عودة ـ مطر» حافلاً بالدلالات والإشارات بالغة الخطورة، حتي ولو صدرت عن الرجل بغير صفته الحزبية، كما أشار في بداية الحوار.
.. الدكتور جهاد عودة قال إن نظامنا السياسي المصري «فرعوني» لا يعرف المؤسسات، وإن الفرعون يحكم مصر منذ سنوات، وإن بداية التحول عن نمط حكم «الفرعون» كانت في عام 2002 في إشارة تربط بين ظهور جمال وبداية انقشاع شبح الحكم الفرعوني!!
.. وأحسب أن اختزال الدكتور عودة للتحولات المحلية والدولية التي قادت لهامش ضيق ونسبي وتقلص شكلي للطبيعة الاستبدادية المطلقة للحكم في مصر، وحصر هذه التحولات في خانة إنجازات جمال، هو أمر يشوبه الالتباس وليّ واجتزاء للحقائق لصالح شخص جمال الذي وصفه «أحمد عز» ـ في مؤتمر الحزب الحاكم ـ بمفجر ثورة التغيير!! وألبسه الدكتور عودة ثوب محرر العبيد من حكم الفرعون «والده»!!
.. مفاجأة مسكونة بالمفارقة المدهشة فجرها معتز مطر عندما حاول في نهاية الحوار أن يتثبت من مقصد الدكتور جهاد، منبهاً إياه أنه قد يغضب مبارك «الأب» أن توصف «21 سنة» من سنوات حكمه من «1981 ـ 2002»بأنها سنوات حكم «الفرعون»!! إلا أن الدكتور عودة رد باقتضاب وعبارة واحدة شديدة الوضوح والشجاعة قائلاً: «وماذا يغضبه في أن أصفه بـ «الفرعون»؟!
.. ربما يقصد الدكتور عودة أن وصف الفرعون ليس سباً؛ فهناك فراعنة أحسنوا وكانت سنوات حكمهم سنوات «ماعت».. ومعني الكلمة الهيروغليفية الخير والعدل والحرية.. وهناك فراعنة كانت سنواتهم الطويلة «إزفت» أي «زفت» وظلم وفقر وانهيار في كل شيء!!
.. وبغض النظر إذا كان الدكتور جهاد عودة يقصد أن سنوات مبارك من «1981 ـ 2002» هي سنوات لحكم فرعون «ماعت» أو «إزفت» فإشارته لحدوث مغايرة بداية من «2002 ـ 2010» تعني إما إدانته هذه المرحلة أو تلك!! وإزاء ذلك صار بوسعي ـ رغم الخلاف السياسي الدائم مع الدكتور عودة أن أحير شجاعته في التعبير عن موقفه، ولو كان هذا الموقف هو الانحياز الكامل لمشروع مبارك «الابن» ومحاولة غسل يديه من كل ما اقترفه نظام والده قبل 2002.
.. لكن تبدو المشكلة الحقيقية في أن الدكتور «عودة» لم يقدم لنا غير أدلة شكلية وظاهرية محدودة للمغايرة بين نظام الفرعون مبارك «1981 ـ 2002» و«الملاك» جمال مبارك «2002 ـ 2010».
.. صحيح «جهاد عودة» لم يقل إن مصر تحولت لواحة ديمقراطية منذ 2002، بل أشار لإرهاصات وبدايات تحول ديمقراطي منذ 2002، لم نجد ما يساندها في حديث عودة غير حرية القول بعيداً عن الفعل والتأثير وكل ضمانات النزاهة والشفافية والتداول السلمي المرن للسلطة!!
.. لا نغفل ولا ننكر أن حراكاً قد حدث، لكننا نسأل عن الدور المباشر لجمال مبارك في هذا الحراك؟! ونشير للدور العكسي «الردة» علي كل إشارات الإصلاح من «2002 ـ 2005» في المرحلة من «2006 ـ 2010» لصالح تعميق فرصه منفرداً لاحتكار السلطة؟!
.. عندما دخل جمال مبارك بشبابه وفكره المختلف ـ شأنه شأن جيله ـ إلي ساحة العمل السياسي تصور البعض ـ ومنهم الدكتور جهاد ـ أن جمال الحل للعديد من المشكلات والأزمات العتيقة والمزمنة في النظام السياسي السلطوي والاستبدادي لوالده، إلا أن هؤلاء يغمضون أعينهم عن حقيقة كشفتها السنوات الأخيرة هي أن «الحل» الذي توهموه بات هو المشكلة الأكبر بعد أن صارت الأمور في مصر تساق في اتجاه واحد هو: «من أجلك أنت»!! أي من أجل جمال وحده!!
.. مصر لم تعد تحتمل فرعوناً كبيراً أو صغيراً قديماً أو جديداً!! مصر تريد أن يكون مبارك هو الفرعون الأخير
د. أيمن نور -الدستور
No comments:
Post a Comment