Wednesday, July 21, 2010

لا يوجد نص في القرآن يدعو إلى قتل المرتد

الحرية الدينية مكفولة طبقاً للمصادر الأساسية للإسلام.. لكن العالم الإسلامي مكبل بقيود على درجة عالية من التعقيد

إن وثائق حقوق الإنسان، التي بدأت تأخذ شكلها منذ 1948 تطورت في أشكال مختلفة وقوانين مختلفة وقواعد مختلفة لحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل في جانب كبير منها، علي إعادة قراءة التراث الغربي، سواء التراث الديني، أو التراث القانوني، أو التراث السياسي، إن إعادة القراءة هنا، تمثل منظورا تأويليا للماضي، بهذا التأويل، تأويل الماضي، لابد من إعادة القراءة، قراءة بأثر رجعي، هذه القراءة بأثر رجعي مسألة بالغة الأهمية، لكنها لا يجب أن تجعلنا نزعم أن حقوق الإنسان موجودة في التاريخ، لا في تاريخ الغرب ولا في تاريخ الشرق ولا في تاريخ المسيحية ولا في تاريخ الإسلام، لا وجود لحقوق الإنسان بالمعني المعاصر، في أي دين من الأديان الثلاثة الكتابية المعروفة اليهودية والمسيحية والإسلام، ولا في الأديان الأخري، إن الأديان تتقبل حقوق الإنسان من خلال إعادة قراءتها مرة أخري، إذن نحن نحتاج لإعادة قراءة الشريعة وإعادة قراءة النصوص الدينية ونحن نعلم جيدا أن هذه مشكلة من مشكلات الفكر العربي والإسلامي المعاصر.

هذا سوف يؤدي إلي المقاومة لإعادة القراءة، هذه المقاومة لإعادة القراءة تتجلي، في قوانين في إيران، والسودان وأفغانستان التي لا تسمح بالحرية الدينية.

إذا سمحت أنا لنفسي، كباحث وكمفكر وكمتخصص في الدراسات الإسلامية أستطيع أن أقول، بكل بساطة، ليس هناك، لا في القرآن، ولا في الحديث، أي في النصوص الأساسية مانع قانوني ضد حرية الإنسان في تغيير دينه، لكن المانع القانوني تم وضعه، بعد ذلك، بواسطة الفقهاء.

استنادا إلي النصوص الأساسية ليس هناك مانع قانوني، إنك كمسلم يمكن أن تتحول وتخرج من الإسلام، لأن في تقديري كباحث أن عملية منع التحول تتعارض مع الحكمة الإلهية ذاتها، إذ إن الله يقول في القرآن «من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر» ويعطي الحرية المطلقة «ولا إكراه في الدين» إلي آخر النصوص المعروفة، يبقي إذن، ليس من المنطقي أن تكون حرا حينما تدخل هذا الدين، وإذا ما دخلت هذا الدين فأنت فاقد لحريتك، فلسفيا وثيولوجيا ولاهوتيا، هذا يشكل تناقضا لا يجب أن يقبله العقل المتدين، إن الحرية التي أعطاها الله البشر لا يمكن أن يسلبها منهم إذا ما اختار البشر طريقا معينا.

وبالنسبة لقتل «المرتد».. لا يوجد شيء كهذا في القرآن، يوجد في السنة «من غير دينه فاقتلوه» وهذا حديث عليه خلافات، لا يعرفها كثير من عامة المسلمين، يقال إنه حديث آحاد، وطبعا فإن حديث الآحاد، غير الحديث المتواتر، أو الحديث المشهور، لا يؤخذ في أصول الدين بأحاديث الآحاد، هذه قاعدة فقهية، إن أحاديث الآحاد لا تمثل مرجعا في أصول الدين ومع ذلك فالفقهاء يرفضون الأخذ به في أصول الدين، والبعض يرفضون حتي الأخذ به في فروعه، ومن أهم أصول الدين قضية قتل الإنسان، إذن لا يمكن الأخذ بأحاديث الآحاد في مسألة قتل الإنسان.

تفسير أبوزيد لموضوع «الردة»

عندي تفسير، متعلق بمعني الخروج علي الدين، ففي مجتمعات تعيش في مرحلة أشبه ما تكون بالقرون الوسطي، لأنه حتي في الفكر الإسلامي المعاصر تمت مساواة موضوع الخروج علي الدين، بالخيانة الوطنية، أعطيت معني سياسيا، وهذا معناه، أن الخروج علي الدين، يمثل خرقا علي الإجماع، تحديًا للإجماع، الخوف والخشية من تحدي الإجماع مرتبطان بمرحلة الضعف في المجتمعات الإسلامية.

ففي مرحلة الاستعمار في القرن الثامن عشر، الذي شمل العالم الإسلامي كله، كان المطلوب، رأيا واحدا لمجابهة الاستعمار، فالخروج علي هذا الرأي الواحد يعتبر خيانة وطنية، ونذكر جيدا أنه بعد هزيمة 1967 في مصر ظهر شعار «لا يعلو صوت علي صوت المعركة»، فهذه العقلية، عقلية البحث عن إجماع، إزاء خطر متصور، يحول الفرد، بالنسبة لهذه العقلية، إلي خطر، حينما يعلن الفرد عن اختيار فردي، لا يتسق مع رأي المجموع، هذا الخوف له أسباب سياسية واجتماعية، له أسباب في بنية المجتمع أكثر منه، في العقيدة أو الدين.

إذن، فالحرية الدينية في تقديري، حرية مكفولة، طبقا للمصادر الأساسية للإسلام، لأن وضع قيود علي هذه الحرية، ثم في سياقات تاريخية معروفة، في سياقات صراع، لا أريد أن أقول إنها كانت بين المسلمين وغير المسلمين، لكنها سياقات صراع معروفة، أصبح فيها التخلي عن الدين بمثابة التخلي عن الانتماء.

نلاحظ أنه، في عصر الحريات الفردية، وعصر عدم التخوف من أن شخصا يترك الإسلام، لا يهدد الإسلام، نجد أنه من الضروري علينا كمفكرين أن نخوض معركة، بل إن هناك من بدأ يخوضها الآن من المفكرين في إيران وفي السودان، وكذا في بعض المجتمعات الإسلامية، يخوضون هذه المعركة، من أجل ضمان حرية العقيدة، حرية اختيار الدين في العالم الإسلامي.

إن العالم الإسلامي - بشكل عام - مكبل بالقيود علي درجة عالية من التعقيد.

تعليق من الكاتب

إن تطور حقوق الإنسان في الغرب لم يأت من إعادة قراءة الدين المسيحي، إنما أتي نتيجة صراع مدني وقانوني طويل ودام، بعد تأسيس الدولة المدنية والمجتمع المدني وتزامن مع فصل الدين عن الدولة، المشكلة في الدول الإسلامية، هو أن الدين لا يزال جزءاً من العقيدة السياسية والقانونية للدولة، هذه الدول التي تختلف في معظمها عن الدول الغربية حيث يكون الوطن فسيفساء لأعراق وديانات لأقليات أخري غير عربية وغير مسلمة، لذا من المفترض أن تمثّل الدول «الإسلامية» جميع مواطنيها مسلمين أو غير مسلمين، فالمعروف أن الحقوق التي نالتها الأقليات العرقية والدينية وحتي الجماعات المسيحية التي لا تتبع المؤسسات الرسمية المسيحية في الغرب كانت ولا تزال تواجه معارضة قوية من المؤسسة الدينية المسيحية الرسمية وخاصة الفاتيكان، وكذا بالنسبة لحق الإجهاض، وحق النساء في تولي مناصب كهنوتية.. لكن امتثال الدولة لقوة المجتمع المدني وسيادة القانون المدني والدستور القائم علي قواعد لا علاقة لها بالدين كمؤسسة، خاصة أن شرعية الأنظمة الحاكمة تكون غالبا - عدا الديكتاتوريات العسكرية في بعض أمريكا اللاتينية وما كان قائما في إسبانيا - مستندة إلي نظم الانتخاب الديمقراطية.

حسم الموقف في معظم هذه الدول لصالح قوة القانون المدني الذي يكفل حرية الفرد طبقا للدستور باختيار ما يجده ملائما لنوازعه الجنسية، حتي لو تعارض هذا مع المفهوم الديني.

هذا لا يعني أن كل المجتمع الغربي لدولة ما قد وافق عن اقتناع طيب خاطر بما يقره القانون الذي يجده متعارضا مع مفهومه الديني عن قضية ما، فالدين المسيحي مثل الإسلامي لا يقر الإجهاض إلا في حالات نادرة، لكن الصراع والحوار المتواصل في المجتمعات الغربية توصل إلي أن تقر بعض الدول الإجهاض وتحمي عيادات الإجهاض وتحاكم وتعاقب جماعات وأفرادًا منعوا الإجهاض إذا ما تعدوا بالقول أو الفعل علي الآخرين.

ورغم أنه لا يوجد موقف ديني مسيحي من موضوع التبني، فإن الدولة الغربية المدنية تنظم التبني قانونيا، بعكس المجتمعات الإسلامية التي تنطلق من نص قرآني يمنع التبني.

أبوزيد:


الدين مرتبط بالدولة في العالم الإسلامي ومنفصل عنها في غالبية العالم الإسلامي أيضا، يعني أن الدولة كمجموعة من المؤسسات تستخدم الدين أحيانا، لكن في أحيان أخري لا تستخدمه، نستطيع القول بأن هناك فصلا بين الدين والدولة، وتستطيع أيضا القول بأنه لا يوجد فصل بين الدين والدولة المشكلة في رأيي أعمق، وأكثر تعقيدا، من العلاقة الدستورية، أو العلاقة المؤسساتية بين الدين والدولة، هي مرتبطة بشكل أعمق، لماذا؟ لأن فصل الدين عن الدولة، يتم علي مستوي البنية الثقافية العامة، وإذا لم يتم هذا الفصل علي مستوي الثقافة العامة، أي في وعي البشر، يظل المجتمع قوة ضاغطة ضد حرية العقيدة.

مثلا، في النماذج التي تظهر بالنسبة لاتهامات الردة والمحاكمات، في معظم الحالات نجد أن الدولة لم تقم بدور في تقديم المتهم للمحاكمة، المجتمع نفسه هو الذي يرفض أن شخصا يتحول عن دينه.

سؤال، أين يقع المشكل إذن؟ أبوزيد:

في علاقة الدين مع الدولة، ليس فقط علي مستوي المؤسسات، بل يجب إشاعة مناخ من الحرية، من حقوق الفرد، ومن العقلانية داخل مؤسسات المجتمع، بدءا من الأسرة، نجد داخل الأسرة في المجتمعات الإسلامية بشكل عام ليس مقبولا من الأولاد أن يكون لهم رأيهم الفردي، إن الفردية هنا والتركيز علي قيمة الفرد، وحقه في أن يكون مختلفا، مسألة أكثر عمقا مما يسمي فصل الدين عن الدولة.

إن فصل الدين عن الدولة مسألة مهمة دون شك، لكن الإدانة تتم من داخل المجتمعات داخل الأسرة، مثلا حينما تقرر بنت قبطية أن تتزوج مسلما، نحن نعرف أن الغضب هنا، لا يأتي من الدولة، هنا يتداخل الصراع والاحتقان الاجتماعي، هذا «الزواج» معناه توجيه إهانة للأسرة، وللجماعة وللعقيدة.. إلخ.

في حالة تواجد مناخ من الحريات، ومناخ من العقلانية، يقبل المجتمع، أن يمارس الفرد حقوقه في اختياراته، لكن هذا التطور لم يحدث بعد في المجتمعات الإسلامية، توجد علاقة متوترة، ما بين حرية الفرد وبين انتماءاته للقبيلة، حتي لو كانت هذه «القبيلة» قبيلة المفكرين والانتلجنسيا، نحن نعلم المصاعب التي يتعرض لها الفرد، في حالة خروجه عن الإجماع في أي موقف، حتي لو كان لا علاقة له بالدين وبالحرية الدينية.

لا وجود لحقوق الإنسان بالمعني المعاصر، في أي دين من الأديان الثلاثة الكتابية المعروفة «اليهودية والمسيحية والإسلام» ولا في الأديان الأخري، إن الأديان تتقبل حقوق الإنسان من خلال إعادة قراءتها مرة أخري، إذن نحن نحتاج لإعادة قراءة الشريعة وإعادة قراءة النصوص الدينية ونحن نعلم جيدا أن هذه مشكلة من مشكلات الفكر العربي والإسلامي المعاصر.

إن المعوق لتحقيق حقوق إنسان مثالية، ليس هو الدين، بل المجتمع، تستطيع نظريا أن تعطي امرأة مصرية في أسيوط كل الحقوق التي تتمتع بها امرأة في السويد، لكن قبل هذا لابد أن يقوم المجتمع بإعطائها هذه الحقوق ولست أنا أو أنت أو مفكر ما، المجتمع هنا يمثل «حاضنة الحقوق» أو معوق لها، أنا لا أقدم تبريرا.

تعليق الكاتب


لكننا ننسي أن للدولة هنا واجباً اجتماعياً وقانونياً، هو الحفاظ علي حقوق الأفراد في اختيارهم أو رفضهم لعقيدة ما، أن تترك الدولة شيوع هذا الاختيار أو عدمه بيد المجتمع فهذه نقيصة تُحسب علي الدولة لا لها، والمثال علي ذلك هو ما يحدث للمسلم حينما يرغب في التحول عن الدين الإسلامي! إنه يواجه تهمة «الردة» وبالتالي القتل، وإذ لم يواجهها بشكل علني من الدولة سيقوم أفراد من المجتمع بتنفيذ العقاب بأيديهم مثلما حدث مع أبي زيد بعد قرار محكمة الاستئناف واضطراره أن يترك مصر خوفا علي حياته!

لكني أريد القول، إن الدولة الديمقراطية وهي غير موجودة في البلاد الإسلامية، هذه الدولة يجب أن تعبّر عن حركة المجتمع.. بل ومن المطلوب أحيانا أن تسبقه، فإذا كانت معظم الدول الغربية تحرّم قيام حزب نازي، نتيجة لمآسي النازية والحرب العالمية الثانية، فإنها تعبر عن المجتمع، لكن حينما يقرر غالبية الناخبين الغربيين انتخاب حزب يميني يقترب في برنامجه من الأحزاب النازية وخاصة في تضييقه علي الأقليات العرقية والدينية والجنسية، فإن الدولة تخضع لهم.

وفي الأيام الأخيرة «من عالم 2002» نجد أن الدولة في إنجلترا شرّعت قانونا وافق عليه النواب وهو قانون جديد ضد التفرقة الدينية، أي أن الدولة سبقت المجتمع ووافق نواب الشعب عليه، بعد أن اكتشفوا أن القوانين الموجودة التي تناهض التفرقة الدينية غير كافية.

وهكذا نجد أنه، حتي لو أن المجتمع غير قابل لتطور كهذا، فالقانون يلزم أفراده به، لابد من وجود قانون، حتي لو أن المجتمع غير قابل، أو غير قادر أن يعلن رغبته لهذا التطور.

أبوزيد:

لست ضد هذا «تدخل الدولة» هناك مجالان ثقافيان مختلفان، فالفرد «الذي» يعرف حقوقه، مستوي تعليمه «يكون مرتفعا» حينما يصدر قانون ما «نجده» يعرف أن هذا القانون يساعده في التقاضي.

لكن المرأة في مجتمع أسيوط، لن تذهب إلي المحكمة ضد زوجها، أنا أتحدث هنا عن تقاليد لها سطوة أقوي من القانون، إذن فمهمة الإصلاح هي تغيير هذه القواعد الاجتماعية.

أعطيك مثالا، كانت هناك معركة في المغرب العربي، بين مؤيدي قانون لصالح المرأة، وبين المناهضين له باسم الإسلام، قضيتان تعرض لهما القانون، الأولي هي تعمد الزوجات، الثانية هي تحديد حد أدني لسن الزواج بالنسبة للفتاة بثمانية عشر عاماً، الإسلاميون رأوا أن إلغاء تعدد الزوجات ضد الإسلام، وأن تحديد سن الزواج بثمانية عشر عاما سيساعد علي شيوع الزني.

مؤكد أن موقفي مع تغيير القانون لكن - أيضا - مع خلق حركة توعية، تجعل فاعلية للقانون، فالقانون دون توعية، يظل نصوصا مجهولة من عامة الناس.

كانت هناك مناقشة في مصر حول الخلع خلقت وعيا عاما، هذا هو المطلوب، لا يكفي تغيير مواد القانون، ولا يكفي تأليف الكتب.

لكن الإصلاح الفكري والقانوني يجب أن يرافقه مشروع اجتماعي كامل، سياسي واقتصادي.. مشروع نهضة كامل.

سؤال: كيف عادت إلي الظهور نظرية ومطلب الحكم الإسلامي في العالم الإسلامي المعاصر بعد أزمان طويلة من انتهاء الخلافة؟

أبوزيد:

«عادت إلي الظهور» بسب غيبة السياق في النص، لأن ترتيبه الحالي مخالف لترتيبه نزوله التاريخي، تزداد درجات الاحتمالية في لغة هي بطبيعتها احتمالية من حيث هي لغة دينية، هذا يسهل فرصة تأويل النص وتفسيره خارج سياقه، وهذه ظاهرة موجودة في تاريخ الأديان بشكل عام، في تاريخ الفكر الإسلامي الحديث كان من السهل صياغة نظرية «الحاكمية» التي صاغها المفكر الهندي «أبو الأعلي المودودي» ولكي نفهم نظرية «الحاكمية» لابد من فهم وضع المسلمين في الهند في سياق محاولة الاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وما أدي إليه هذا الوضع من محاولة تأسيس دولة إسلامية عن طريق فصل المسلمين عن الهندوس، اعتمادا علي تأويل كلمة «يحكم» في آيات القرآن في سورة المائدة «السورة الخامسة: الآيات 44 -47».

«ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.. «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون».. «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون».

«هذه الآيات» يفسرها البعض، بمعني الحكم السياسي، هذا الاستناد إلي قاعدة «عموم اللفظ» ورفض «خصوص السبب» «أدي» أفضي إلي ظاهرة «التلاعب الدلالي» دون أن يعني ذلك الحكم بسوء القصد أو النية، لكن عن طريق عملية «التلاعب الدلالي» تلك يصبح معني الفعل «يحكم» هو معني الحكم السياسي، أي إقامة «حكومة إسلامية».

سؤال: أين هي المشكلة إذن؟ في النص، أم في تأويله؟

أبوزيد :

المشكلة في عزل النص عن التاريخ من ناحية، وفي تصور التاريخ الإسلامي باعتباره تجسيدا للنص من ناحية أخري، مقولتان متناقضتان، وهنا يتم اختيار فترات من التاريخ، فبينما تجد شخصا يمتدح العصر التركي في تاريخ الإسلام، نجد آخر يهاجمه.

ثمة كتاب قرأته مؤخرا يقول إن التاريخ الاسمي كله انحراف عن النص!

عندي مشكلتان متعارضتان: النص مقدس، لكنه في التاريخ، ومستحيل عزله عن التاريخ.

في الوقت نفسه، لا أستطيع تجاهل التجربة الإسلامية في مجملها.

سؤال

لماذا لا نقول إذن: إن النص جاء ليحدد علاقة الخالق بالمخلوق، من ناحية تطبيق الشعائر الدينية والالتزام الأخلاقي في الدنيا، ومن ثم، الثواب - العقاب في الآخرة، أي أنه في الأساس نص ديني يهتم بالآخرة وليس بالدنيا، وما حدث بعد موت الرسول «صلي الله عليه وسلم» من تأسيس دولة والصراع علي السلطة كان لابد من «تطويع» النص ليصبح دستورا دنيويا أيضا؟


أبوزيد:

أعتقد أن هذه المشكلة بدأت، منذ اعتبار النص مرجعية عليا، لا يمكن الحركة خارجها، وبالتالي ظهرت الحاجة للتأويل والتأويل المضاد، أعتقد في لحظة تاريخية معينة وهي بالتحديد الصراع في «صفين» الصراع الهاشمي - الهاشمي.

بالنسبة لـ«التحكيم» سوف نجد شخصا مثل «علي» يقول «القرآن بين دفتي المصحف لا ينطق، وإنما ينطق به الرجال» معناه أن النص، يفهم بشكل إنساني فالنص لا يتكلم، فكيف يتم تحكيم النص ونحن سننتهي إلي تحكيم البشر؟ ما أريد قوله، إن الصراع السياسي العسكري هو صراع علي السلطة بين فئات مهمشة، أدي إلي طرح القرآن كمعيار، ومنذ هذه اللحظة أصبح وبدرجات متفاوتة، وجدنا أنفسنا في وضع أنك لا تستطيع الإجابة علي سؤال خارج هذه المرجعية فاختفت حدود كانت في عصر النبي «صلي الله عليه وسلم» حينما يسأل «أهو الوحي أم الرأي والمشورة؟» هذا السؤال ينبئ بوجود مجالين.

فإذا قال «بل هو الرأي والمشورة» يمكنهم أن يقولوا «لا لكن لنا رأي آخر» وحينما يقول «الوحي» فإنهم يتبعونه دون نقاش، هذه وقائع معروفة، هكذا كانت توجد مساحة تقول إنه يوجد مجال للوحي، ومجال دنيوي.

تتضاءل هذه المساحة، خاصة أن قيام الدولة الأموية علي غير رضا المسلمين، كان لابد أن يولد أيديولوجية دينية، الأيديولوجية الدينية بدأت واضحة في فكرة الخلافة في قريش في مقابل الوراثة التي هي قانون قبلي.

بعد ذلك تم تطور أيديولوجيات سنة وشيعة وتم استغلال النص هنا، وأعتقد إذا تتبعت تاريخ الدول الإسلامية: الإمبراطورية بولايتها المحلية، سنجد صيغتين دائما، لاعتقادي بعدم وجود قانون يحكم الإمبراطورية الإسلامية، لكن كان يتم استخدام القوانين المحلية، والفتاوي المحلية، وقاضي المنطقة، الذي كان يستند للفتاوي وللنص.

مع دخول التقاليد والأعراف المحلية، كجزء من بنية الشريعة، فالقانون آنذاك كانت له بنية رجراجة، لعدم وجود بنية قانونية، وهكذا يظل الفقيه أو رجل الدين هو المرجعية.

وهكذا في ظل غياب دساتير وغيبة قوانين يتحول النص إلي ملاذ للجماعة.. فالنص في نظر المسلم العادي، الذي ليست له طموحات سياسية، المسلم العادي الذي يحلم بالعدل وبمستوي إنساني من الحياة اليومية، يصبح القرآن عنده، مخزن العدل، وهنا يتماثل القرآن مع حياة الناس، هذا موقف مفهوم، هذا أساس لأيديولوجية استخدام النص، ليس فقط بواسطة الجماعات المناهضة، بل بواسطة السلطة السياسية أيضا، فالقرآن موجود في الحياة اليومية، كمرجع لا يمكن تحقيق العدل والمساواة إلا من خلاله.

في عصر الاحتقانات السياسية والثورات، نجد أن هذه الثورات والهبّات اعتمدت جميعها علي النص، فالشيعة اعتمدوا علي النص، ووضعوا فيه فكرة أحقيتهم في الخلافة.

إن الاشتباك ما بين النص والحياة اليومية للمسلم، والاشتباك بين النص والأيديولوجيات، والاشتباك بين النص والدولة وهذا في مرحلة متأخرة، بالإضافة لغياب مرجعية أخري هي مرجعية الناس، مرجعية الجماعة نفسها.

نجد أن مفهوم الإجماع تم اختصاره لإجماع أهل الحل والعقد أي الفقهاء.

كان الإجماع في بداية الإسلام، هو إجماع المسلمين كلهم، كانوا حفنة بسيطة لكن فكرة الإجماع نفسها تقلصت لإجماع فقهاء السلطان

د. نصر حامد أبو زيد

صر حامد أبوزيدنصر حامد أبوزيدنصر حامد أبوزيدبوزيد نصر حامد أبوزيدنصر حامد أبوزيد نننبهلتهىلنببنىلاتنبحخخه

No comments: