بعد خمس سنوات وأكثر من تجربة رجال الأعمال في الحكومة
أصبح من الضروري تقييم التجربة وتحديد جوانب النجاح فيها وجوانب القصور.. أن خمس سنوات من حيث الزمن فترة كافية لتقييم أي تجربة.. كما أن هذه السنوات شهدت تطورات وأحداث كثيرة نستطيع من خلالها أن نحدد المسئوليات والأدوار وماذا أضافت التجربة وماذا أخذت من رصيد العمل الوزاري في مصر..
منذ خمس سنوات كان تكليف خمسة من رجال الأعمال في التشكيل الوزاري خطوة غير مسبوقة في تاريخ الحكومات المصرية.. لم يحدث طوال تاريخ ثورة يوليو أن أسندت الدولة لرجل أعمال عملا وزاريا.. كما أن ذلك لم يحدث قبل ثورة يوليو.. ومن هنا كانت التجربة جريئة وجديدة في نفس الوقت.. ومع غرابة التجربة كانت أيضا خطورة المواقع الوزارية التي تولاها الوزراء الخمسة وهي الإسكان والسياحة والزراعة والصناعة والنقل والمواصلات.. وهذه الوزارت الخمس تمثل العمود الفقري لمعظم الأنشطة الاقتصادية للدولة المصرية..
كانت هناك مخاوف كثيرة ومحاذير شديدة من اختلاط النشاط الخاص للوزراء مع العمل العام خاصة أن إدارة شركة أو مؤسسة أمر يختلف تماما عن إدارة شئون دولة..
وبجانب هذا فإن الخبرة في العمل الخاص تختلف تماما عن خبرات العمل العام.. إن الخبرة في العمل الخاص لا تتجاوز حدود الشخص وأمواله والعاملين معه في حين أن برامج العمل العام تحتاج إلي نظرة شمولية أكثر اتساعا قد لا تتوافر في أحيان كثيرة في ظروف وطبيعة العمل الخاص..
وعلي امتداد السنوات الخمس الماضية ومن خلال تجربة رجال الأعمال في إدارة شئون اقتصاد الدولة المصرية يمكن أن نضع أمامنا بعض النتائج الواضحة:
أولا: أن التجربة في جوانبها الإيجابية أضافت بعدا جديدا للعمل الوزاري في مصر من حيث القضاء نسبيا علي أمراض قديمة كان يعاني منها الجهاز الإداري وفي مقدمتها البيروقراطية وطول الإجراءات.. ولاشك أن أسلوب عمل القطاع الخاص انعكس علي أداء الجهاز الإداري من حيث سرعة الأداء وتسهيل الإجراءات خاصة في مجالات الاستثمار والتعامل مع الأجانب ونشاط البورصة والبنوك وشركات الاتصالات..
ثانيا: أن رصيد العلاقات الخارجية والداخلية لرجال الأعمال ساعد بكل تأكيد علي مواجهة الكثير من المشاكل والأزمات خاصة مع ظهور الأزمة الاقتصادية وما تركته من أثار علي اقتصاديات العالم الخارجي..
ثالثـا: أن هذا الفريق من الوزراء دفع بالاقتصاد المصري إلي ما يسمي بالفعل اقتصاد السوق من حيث تحرير الأسعار وتحرير سعر صرف الجنيه المصري وربط حركة السوق المصرية بالأسواق العالمية بجانب زيادة حصيلة الضرائب والجمارك وبيع مساحات كبيرة من الأراضي والمشروعات..
لاشك أن هذه الجوانب شملت إيجابيات كثيرة لا يمكن لنا أن نتجاهلها خاصة أن من بين أعضاء هذه الكتيبة من حقق نتائج طيبة للغاية.. وهناك أيضا من أخفق..
علي الجانب الأخر تبدو سلبيات التجربة وهي للأسف الشديد كانت خطيرة ومؤثرة..
أولي هذه السلبيات أن هذا الفريق من رجال الأعمال الوزراء رغم أنه كان الأقل عددا في تشكيل الوزارة إلا أنه وضع يده علي أهم وأخطر الأنشطة الاقتصادية للدولة وهي الزراعة والصناعة والمواصلات والإسكان والسياحة واستطاع أن يفرض فكره وأسلوب عمله علي سياسة الحكومة كلها وليس فقط مجموعة الوزارات التي أدارها هذا الفريق.. لقد طغي فكر رجال الأعمال علي الأداء الحكومي فوجدنا بقية الوزارات تعمل بنفس الأسلوب وبنفس طريقة التفكير رغم أن بقية الوزراء لم يكونوا من رجال الأعمال..
طغي هذا الأسلوب علي نشاط قطاع المالية فأصبحت أكثر انحيازا لمنطق الجباية من أجل الحصول علي المزيد من الأموال من خلال الرسوم والضرائب والجمارك كما أنها انحازت كثيرا إلي جانب الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال..
طغي هذا الأسلوب علي استخدام أموال الدولة في المزيد من المنشآت والمباني والمكاتب والمؤسسات رغم أن طبيعة الأعمال والأنشطة لا تتطلب ذلك فلا توجد وزارة إلا وأقامت المزيد من المباني والمنشآت العقارية..
طغي هذا الأسلوب علي مجالات أقرب للفكر والعقل والإبداع كما حدث في تحويل النشاط الثقافي إلي عمل استثماري تجاري وإخضاع الثقافة لمبدأ العرض والطلب وتحويل مواكب المثقفين إلي مضاربين وسماسرة.. ولم يتوقف ذلك علي الثقافة ولكن هذه الأساليب اخترقت منظومة مصر الإعلامية حيث تحول الإعلام إلي نشاط تجاري وليس استثماريا.. وتم بيع تراث مصر الفني والغنائي والسينمائي من خلال هذا المنظور الخاطيء..
طغي هذا الأسلوب علي نظرة الحكومة بصفة عامة للواقع الاجتماعي المصري حيث انقسم المجتمع إلي فريقين لا ثالث بينهما.. فريق يملك كل شيء وتسانده الحكومة وفريق لا يمتلك أي شيء ولا تعرفه الحكومة.. كان غياب البعد الاجتماعي في قرارات وسياسات حكومة رجال الأعمال من أخطر الجوانب السلبية في هذه التجربة طوال السنوات الخمس الماضية..
في هذه السنوات الخمس زاد حجم الدين علي الدولة المصرية بنسبة100% ففي عام2004 كانت ديون مصر435 مليار جنيه ارتفعت إلي637 مليار جنيه في عام2007 ثم وصلت إلي أكثر من850 مليار جنيه في عام2009 وهذا يعني أن حكومة رجال الأعمال كانت تقترض سنويا ما يقرب من100 مليار جنيه..
من أخطر النتائج التي حدثت في هذه السنوات الخمس هو حجم الأراضي التي تم بيعها أو تخصيصها أو توزيعها علي أصحاب النفوذ والسلطان ومشروعات القطاع العام التي بيعت في برنامج الخصخصة خاصة مصانع الحديد والاسمنت والأسمدة وشركات الاتصالات والفنادق والشواطيء والمحالج ومصانع الغزل والنسيج والسيارات.. هذه المشروعات التي تم بيعها وهي تمثل أهم أصول وممتلكات الشعب المصري لا أحد يعرف أين ذهبت حصيلة بيعها وكم تبلغ هذه الحصيلة وهل لقيت مصير280 مليار جنيه هي أموال التأمينات الاجتماعية التي لا أحد يعرف عنها شيئـا خاصة أن أرقام الديون تجاوزت كل حدود الأمان.. ولاشك أن ذلك كله فتح أبوابا كثيرة للاحتكارات وسيطرة مجموعة من رجال الأعمال علي ثروة مصر..
علي جانب آخر فإن من أخطر وأسوأ سلبيات التجربة هو تداخل المال العام بالمال الخاص للسادة الوزراء.. وفي تقرير خطير للجهاز المركزي للمحاسبات أصدره د.جودت الملط أخيرا حول جزيرة آمون في أسوان وارض ميدان التحرير حقائق تتطلب مساءلة الحكومة وليس فقط لوزير أو اثنين فيها لأن قرارات البيع والموافقات كانت قرارات للحكومة بكامل هيئتها..
يقول التقرير الأول عن جزيرة آمون أن الجهاز المركزي اعترض علي صفقة بيع الجزيرة مرتين.. الأولي حين تم بيعها لشركة تحت التأسيس وهذا منطق غريب أن تباع جزيرة لشركة لم تتأسس بعد.. وليست لها أي صفة قانونية.. كيف تباع جزيرة مساحتها238 فدانـا وفيها قرية سياحية خمس نجوم بسعة248 غرفة و5 فيلات و26 غرفة ثلاث نجوم وتطل الجزيرة علي بحيرة ناصر مباشرة أمام السد العالي وبالقرب من معبد كلابشة وبيت الوالي.. كل ذلك يباع بسعر84 مليون جنيه لشركة يملكها اثنين من الوزراء أي أقل من15 مليون دولار هي ثمن ثلاث شقق علي نيل القاهرة.. والأغرب من ذلك أن يتم تسجيل عقد بيع الجزيرة قبل سداد ثمنها حيث لم تدفع شركة بالم هيلز غير12 مليون جنيه من الثمن.. هنا تظهر مخاطر الجمع بين سلطة القرار الوزاري والمال العام وسلطة القطاع الخاص وضروراته لأن مثل هذه التجاوزات لا تحدث إلا في ظل علاقة مريبة بين سلطة المال وسلطة القرار..
في صفقة بيع أرض ميدان التحرير قال الجهاز أن الدولة ضاعت عليها مبالغ وصلت إلي56 مليون جنيه وأن سعر متر الأرض في ميدان التحرير لا يمكن أن يباع بعشرة آلاف جنيه.. يضاف لذلك أن أرض ميدان التحرير تضم أساسات مؤهلة لحمل مبني بارتفاع108 متر وهي عبارة عن خوازيق أسمنتية وستائر معدنية تكلفت ملايين الجنيهات كما أن التعاقد المعيب حدد قيمة الأرض المبيعة علي أساس2600 متر مخصصة للمباني وأسقط تماما ثمن بقية المساحة الإجمالية وهي5867 مترا وكأن سعر الأرض أقتصر فقط علي مساحة المباني دون بقية المنشآت الخدمية والترفيهية وكأنه اعتبر ذلك كله هدية للشركة..
من هنا كان قرار الرئيس مبارك بإلغاء الصفقتين وإعادة بحث القضية كلها مرة أخري وقد وصل الأمر الآن إلي أجهزة رقابية وقضائية مسئولة..
كان الخلط بين أموال السادة الوزراء الخاصة والمال العام أخطر نتائج التجربة وكانت السرعة في بيع أصول الدولة وسيطرة رجال الأعمال علي سلطة القرار وسلطة المال أخطر ما واجهت مصر في الأعوام الأخيرة..
من هنا ينبغي أن نتوقف قليلا عند هذه التجربة لإعادة تقييمها..
لقد كان زواجا باطلا ذلك الذي جمع الثروة مع سلطة القرار وجعل رجال الأعمال وزراء في الحكومة ورؤساء لجان في مجلس الشعب وزعماء حزب الأغلبية وملاك أهم مؤسسات الدولة..
كان زواجا باطلا وينبغي أن نجد له نهاية..
.. ويبقي الشعر
مت صامدا
مت فوق هذي الأرض لا ترحل
وإن صلبوك فيها كالمسيح
فغدا سينبت ألف صبح
في ثـري الوطن الذبيح
وغدا يطل الفجر نورا
من مآذننا يصيح
وغدا يكون الثأر
من كـهان هذا العصر
والزمن القـبيح
فانثر رفاتـك فوق هذي الأرض
تنفض حزنـها
ويطل من أشلائها الحلم الجريح
أطلق نشيدك في الدروب لعله
يوما يعيد النبض
للجسد الكسيح..
مت صامدا
ماذا تريد الآن من هذي الحياه
مجد وسلطان وتيجان وجاه ؟!
ماذا تقول
وأنت تكـبر كلما لاحت
أمام القدس أطواق النجاه
ماذا تقول
وأنت ترفع أمة سقطت
وضاعت تحت أقدام الطغاه
ماذا تقول
وأنت تبقي في ضمير الناس حيا
كلما نادي المؤذن للصلاه
ماذا تقول
وأنت أقوي من زمانك
أنت أكبر من جراحك
أنت معجزة الإله..
أي الوجوه سيذكر التاريخ..
جلاد حقير
أم شهيد عطـر الدنيا ثراه.. ؟
فرق كبير
بين من سلب الحياة من الشعوب
ومن أعاد لها الحياه..
مت صامدا
والعن زمان العجز..
والمجد المدنس تحت أقدام الغزاه
فلكل طاغية مدي..
ولكل ظـلم منتهاه
من قصيدة إلي آخر شهداء الانتفاضة سنة2003
بقلم/ فاروق جويدة-الأهرام
No comments:
Post a Comment