فى أحد أيام شتاء دبى قبل أربعة أعوام سافر الدكتور، أحمد نظيف رئيس الوزراء ومعه لفيف من أعضاء حكومته للكويت والإمارات وكنت ضمن الوفد بوصفى الصحفى المكلف بتغطية أخبار مجلس الوزراء، وعندها تلخصت فعاليات اللقاءات فى عرض فرص استثمارية لرجال الأعمال الكويتيين والإماراتيين، وكان على رأسها أراض فى الساحل الشمالى والبحر الأحمر، وفى المؤتمر الصحفى الذى عقده نظيف مع السيجوانى رئيس واحدة من كبريات الشركات العقارية فى المنطقة، جرى الإعلان عن توقيع اتفاقيات استهدفت شراء أراض واستغلال مناطق بعينها، وبعد المؤتمر زار الوفد المصرى مشروع «نخيل» واستقل نظيف ومرافقوه اللنشات للدخول إلى مياه الخليج العربى حيث توجد الفيللات والقصور.
لم يخف يومها نظيف انبهاره وإعجابه الشديد بما رآه، ووقع اتفاقية لاستغلال أراض فى البحر الأحمر، وتم تخصيص ملايين المترات المربعة للمشروع مع استغلال كامل للمنطقة المحيطة، وبعد العودة اعترضت إحدى الجهات السيادية وتوقف المشروع.
الاعتراض الذى يفتح علامات استفهام بعدد إخفاقات الحكومة خلال ٥ سنوات، جاء ليفضح توجهات الحكومة فى قضية تخصيص الأراضى الذى لا يستند إلى معايير، فمصر لدى البعض فى الحكومة مثل الشركة التى يبحث القائمون عليها عن الربح و«التنصيص» دون النظر إلى قيمة الأوطان وفضيلة التفانى لخدمة آخرين هم أفراد الشعب.
هذه الواقعة مدخل للقضيتين اللتين تفجرتا مؤخرا، قرية «جزيرة آمون» السياحية ومشروع أرض التحرير، وفى الاثنتين هناك حكايات لن نخوض فى الأسماء الواردة فيهما، بل نشير إلى إجراءات تعطينا مؤشرا إلى «كيف تسير الأمور داخل أروقة الحكومة» فالخواطر والمصالح والصراعات هى المحرك، فمثلا مسؤول ما ورد اسمه فى القضية عمل لفترة فى الشركة المشترية، وآخر بدا لأول وهلة أنه يحارب من أجل الصالح العام لديه صلة قرابة بأحد الأطراف المتنازعة.
عندما تتحدث عن الحيل والألاعيب فعليك أن تنظر إلى الشق القانونى فهناك من هم أقوى من «الترزية»، أشخاص حملوا راية القانون لكنهم أبعد ما يكونون عن شرفه وتقاليده، فأحدهم أصبح منذ زمن مهندس جميع الصفقات المشبوهة، يخلق من الباطل صوابا ومن الصواب باطلا، ولديه الحجج الجاهزة الكافية للتبرير وإسكات المخالفين والمعارضين.
هؤلاء الأشخاص الذين نحتاج إلى تعريف جديد لهم بعد أن تجاوزوا «ترزية القوانين»، نطلب من القارئ الكريم أن يرسل مقترحات لوصفهم.
فى قضيتى أرض التحرير وجزيرة آمون، حكايات عن التربيطات والتدليس والخداع، كشفها الجهاز المركزى للمحاسبات بقيادة الشريف «جودت الملط» الذى نعتقد أنه يقدم خدمات للنظام والشعب سيذكرها الجميع وستدون فى تاريخ مرحلة حساسة فى عمر مصر.
عندما تعبر بمفردات عن الفساد فى مصر، لابد أن تحتاط لأن الكلمات قد تذهب بك إلى نقطة اللاعودة فى أخلاقيات الكتابة، فحجم ما تتذكره من وقائع وتنشره الصحف يوميا يسد عين الشمس، ورغم ذلك لم تسد جيوب الفاسدين الطامعين.
لكن ما لن تنساه فى زحام السخط والغضب أن للفساد فى مصر نسقاً مختلفاً، فهنا فى المحروسة يحصل الفاسد على حماية وحصانة أكثر قوة من الحصانة البرلمانية التى يحصل عليها نواب الشعب، وملفات تخصيص الأراضى جزء من سيمفونية الفساد التى تعزفها فرقة الفاسدين داخل الحكومة وخارجها، وإذا كان هذا الملف يعتبره البعض يكفى لإقالة حكومات، فإننا نحسبه يحتاج إلى مقصلة لقطع رقاب الفاسدين فيها، لأنهم حرمونى وحرموك من أبسط حقوق المواطنة وهى المساواة.
علاء الغطريفى - Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment