Wednesday, July 07, 2010

انتصار نصر

الفيروس الإندونيسي اختار نصر أبوزيد.

تسرب إلي خلايا المخ وراهن علي انتصار لم تحققه فيروسات التخلف والتفكير..وقناصة يصطادون المختلفين ويعلقون لهم المشانق في الجامعة وعلي صفحات المصاحف.

انتصر نصر أبوزيد، بعد أن أصبح رمزاً في معركة بين التجديد والتخلف في الجامعة.

بين عبادة النص والتفكير فيه وفهمه.

لم يكن نصر أبو زيد خارجاً عن الاسلام كما اتهمه قناصة التفكير، لكنه لم يرتد أقنعة، ولم يدخل عش الدبابير بملابس تنكرية.

دخل نصر أبو زيد العش بملابس حديثة، ونافس الكهنة بالعدة الحديثة، فانقلبوا عليه وهاجموه وقالوا « مرتد..مرتد»،

لم يكن اختلافاً.

كان محاولة قتل معنوي، وتحريض علي القتل الفعلي بيد مجنون مهووس بالدفاع عن الدين.

أفلت نصر من القتل الأول، وفي التاسعة والنصف مساء 23 (يوليو) 1995 خرج نصر حامد أبو زيد من بيته في الحي المتميز بمدينة 6 أكتوبر إلي مطار القاهرة ومنه إلي أمستردام، لتبدأ رحلة الغربة التي كانت أقرب إلي «منفي ثقافي» بعد أن اتفقت جميع الأطراف: الحكومة والمثقفون والإسلاميون علي أن خروجه من مصر كان الحل المثالي حتي لا يتورط أحد في الصراع وتستمر اتفاقات التوازن الهشة.

ويسخر نصر من أن خروجه كان في ذكري الاحتفال بثورة الضباط الأحرار. فهو ابن جيل تربي وعيه علي التناقض بين الإخلاص للمشروع السياسي وبين الحرية... وبين فتح الطريق أمام أحلام الإنسان العادي لتجاوز واقعه وبين تحكم السلطة في كل المقدرات الشخصية لمواطن عادي.

وبنفسية مقاتل لازمته في مراحل حياته كانت محطة هولندا (أصبح أستاذاً في جامعة ليدن) مرحلة انطلاق جديدة للتفكير، والانفتاح علي أفكار عالم صاخب بالأفكار والحيوية المدهشة (له الآن في جامعة برلين كرسي خاص اسمه علي اسم فيلسوف آخر مضطهد هو ابن رشد).

في قريته «قحافة» عرف نصر أبو زيد المسئولية في سن مبكرة بعد موت الأب، حيث أصبح المسئول عن العائلة. اكتفي وقتها بنصيب متوسط من التعليم وبدأ في البحث عن عمل (كانت مطافئ طنطا هي أكثر هذه الأعمال استقراراً). تعرف إلي الإخوان المسلمين وبدأ يخطب الجمعة وظل يُعرف هناك حتي وقت قريب باسم: «الشيخ نصر».

الجامعة كانت بالنسبة له ملعباً من ملاعب انتصاره في الحياة والحرية. فهو دخلها في سن متقدمة، حيث كان في الخامسة والعشرين عاماً عندما بدأ الدراسة بها، وفي 1968 تفوّق وتخرج بامتياز ومرتبة الشرف وكاد يضيع حقه في التعيين بالسلك الجامعي (بسبب أحلام رشاد رشدي في بسط هيمنة قسم الإنجليزي علي الجامعة) لكنه قابل رئيس الجامعة وظل يلح في الدفاع عن حقه حتي ناله هو وزملاء دفعته.. ثم عندما اختار فرع الدراسات الإسلامية ليكون محور دراساته العليا. اعترض مجلس القسم (كانت بداية سيطرة الوعاظ وعمائم ضيق الأفق)... وخرج نصر من المعارك باحثاً متميزاً... يؤمن بحرية البحث العلمي... ورغم أنه لم يخرج عن حدود الإيمان... إلي درجة أنه وُصف أحياناً بأنه أصولي... و«شيخ...»، فإن تصديقه فكرة الجامعة وانحيازه إلي قيمة التفكير.. جعلاه يتجاوز الخطوط الحمراء في عصر لا تهتم فيه الجامعة إلا بتخريج جيوش من الجهلة الحاملين شهادات علمية.

سيرة انتهت بالفيروس الإندونيسي، الذي لم يكن في حسبان الهارب من مصائد التفكير أبداً

No comments: