Friday, July 02, 2010

ملف دولة أم أمن دولة

بعد أن تقرأ مطالب مشايخ قبائل سيناء من الحكومة (المصرية).. ستصاب بالدهشة عندما تعرف أن من مطالبهم أن تسمح لهم الدولة بتملك الأراضي وتنمية القري البدوية.. وأن يكون لشباب سيناء نصيب في العمل بالمصانع المقامة في سيناء.. وإلغاء جميع الأحكام الغيابية الصادرة ضدهم.. مع محاكمة ضباط الشرطة المتورطين في قتل بعض السيناويين.

سوف تظن أن المطالب السابقة هي لأبناء إحدي الجاليات المقيمة في بلادنا.. والتي تحمل جنسية دولة أخري ومن ثم وجب رفعها إلي الحكومة المصرية.. فهل يعقل أن يطلب المصري من حكومته المصرية السماح له بتملك قطعة أرض.. أو أن يتطلب عمله في المصانع المقامة علي أرض مصرية موافقة حكومية.

المعني المباشر لمطالب بدو سيناء أنهم مواطنون درجة ثالثة، وهو شعور بغيض يدفع صاحبه إلي فقد الانتماء.. فهل هذا هو الهدف الذي تسعي إليه الحكومة بسياستها الحالية مع أهل سيناء؟!.. هناك قصور في الرؤية أعقبه خطأ في طريقة التعامل.

الملف السيناوي- كبقية ملفاتنا- أصبح أمنياً منذ زمن بعيد.. بينما كان يجب علي الحكومة أن تتعامل معه بدرجة أعلي من النضج والفهم.. لأنه ملف دولة وليس ملف أمن دولة.

ماجري في سيناء من بطش أمني ضد أهالي سيناء واتباع سياسات أمنية عقيمة تمثلت في القبض العشوائي علي قري بأكملها.. ثم اعتقال العشرات دون محاكمة.. وإطلاق الرصاص الحي علي قري سيناوية.. وإفساد خزانات مياه الشرب الخاصة بهم، والمداهمات المستمرة لمساكن بدو سيناء ذات الطبيعة الخاصة كمجتمع قبلي.. كل ذلك يكشف عن قصور شديد في التعامل مع قضية شديدة الحساسية والتعقيد.. فلا يعقل أن يحتجز الأمن كل سيناوي بالساعات أثناء عبوره نفق الشهيد أحمد حمدي في طريق عودته إلي قريته بسيناء.. بينما يعبر بقية المواطنين غير السيناويين النفق بسهولة.. مما يعطي للبدوي شعورا بأنه منبوذ.

كان الظن بعد عودة سيناء أنها سوف تصبح مشروعاً قومياً- للدولة وللمصريين-يتم التخطيط له بعناية تحت إشراف ورقابة ومتابعة من رئيس الدولة.. فلا يكفي أن تكون سيناء مجرد مقصد سياحي في بعض مناطقها.. بل كان الأمل في إقامة مجتمع عمراني جديد يستوعب هجرة ملايين المصريين من شريط الوادي الضيق إلي أرض سيناء الواسعة مع توفير سبل العيش بها.. لكنها تحولت إلي منفي للمغضوب عليهم بدلا من أن تكون مقصداً للاستقرار بها.

أخطاء فادحة ارتكبتها الدولة تجاه سيناء عندما اختزلت المسألة في شقها الأمني والذي له طريقته المعتادة في التعامل افتقدت الحس السياسي.. تمثل في تجاهل مشايخ القبائل الذين لهم هيبتهم وسط الأهالي.. كما لم يقدروا طبيعة المجتمع السيناوي القبلي.. كما أن ظروف وطبيعة المناخ فرضت علي أهل سيناء أنشطة اقتصادية معينة تمثلت في الزراعة والتجارة.. وكان معبر رفح منفذاً تجارياً مهماً لبدو سيناء شكل جانباً كبيراً من اقتصادهم عن طريق تصدير المواد الغذائية وغيرها إلي سكان غزة.. وساهم غلق المعبر فترات طويلة إلي تضييق خناق الرزق علي بدو سيناء.. ويرتبط سكان غزة بعلاقات مصاهرة مع بدو سيناء.. كل ذلك كان يفرض طبيعة خاصة في تعامل الأمن مع الملف السيناوي.. والذي يجب أن يذهب إلي أجهزة سيادية أخري مثلما طالب بدو سيناء.. بعد اتهامهم للأمن بسوء التعامل وعدم تنفيذ اتفاقاته معهم.

لكن حتي تلك اللحظة لم نر وجوداً للدولة يكشف عن نيتها تغيير طريقة التعامل ونقل الملف إلي جهات أخري.. غياب الدولة في هذا الملف ستكون تكلفته باهظة

- الدستور

No comments: