أعلن الدكتور محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، عن استعداده للمشاركة فى وقفة صامتة تقام فى مدينة الإسكندرية عقب صلاة يوم الجمعة القادم (٢٥ يونيو)، احتجاجا على تعذيب المواطن السكندرى خالد سعيد حتى الموت على أيدى أفراد من أجهزة الأمن. ويمكن لهذا الحدث، فى تقديرى، أن يتحول إلى مناسبة وطنية تتيح لمصر «الأخرى» أن تعبر من خلاله عن أشواق تغيير تجتاحها فى هذه المرحلة المفصلية من تاريخها، وذلك لسببين، الأول: يتعلق بطبيعة ودلالة المناسبة نفسها، والثانى: يتعلق بمغزى مشاركة البرادعى فيها.
لم تكن جريمة الإسكندرية أكبر أو أخطر الجرائم التى ترتكبها أجهزة الأمن المصرية فى حق مواطنين أبرياء، ولن تكون آخرها بالطبع. لكن هذه الجريمة بالذات تعد كاشفة لطبيعة نظام أحال مصر إلى دولة بوليسية بامتياز. ولأنه نظام يعيش حالة خواء سياسى وفكرى لا نظير له فى تاريخ مصر المعاصر،
فقد كان من الطبيعى أن يعتمد فى أدائه لوظائفه الرئيسية على أجهزة أمن راح دورها فى إدارة شؤون الدولة والمجتمع يتمدد، وصلاحياتها وسلطاتها تتسع فى ظل حالة طوارئ دائمة إلى درجة أغرتها بالتصرف كدولة مستقلة. فلم تكن واقعة التعذيب فى حد ذاتها هى أكثر ما أزعج المصريين فى حادث مقتل خالد سعيد، لأن التعذيب يمارس فى مصر منذ عشرات السنين، ولكن إصرار وزارة الداخلية، دون أى مبرر، على التغطية على الجريمة رغم بشاعتها، ولجوئها المتعمد إلى الكذب وتلفيق واختلاق وقائع لا أساس لها، وعلى نحو كاشف لنمط معتاد من السلوك ينم عن استخفاف واضح بالشعب المصرى واستهانة به لا تليق.
ولأنها جريمة ارتكبت فى حق مواطن برىء لا علاقة له بالسياسة ولا يشكل خطرا على الأمن، ويمكن من ثم أن ترتكب فى حق أى شخص، فلا يجادل أحد فى أنها تستحق وقفة احتجاجية يشارك فيها الجميع، وتوجه رسالة إلى كل من يهمه الأمر تقول بوضوح: لن يقبل شعب مصر أن يهان بعد اليوم.
مشاركة الدكتور البرادعى فى وقفة احتجاجية من هذا النوع، ولأول مرة منذ نزوله إلى ساحة العمل السياسى المباشر، تضفى على الحدث أهمية خاصة وتفرض على مختلف القوى والتيارات السياسية أن تلقى بكل ثقلها لتحويله إلى مناسبة وطنية جامعة تؤكد الحاجة الماسة لتغيير نظام تجاوز عمره الافتراضى.
ولأنه يصعب على أى من القوى والتيارات التى ترفع شعارات التغيير أن تدعى أن زيارة البرادعى لمدينة الإسكندرية هى نمط متكرر من زيارات سابقة وجهت لها بعض الانتقادات، فلن يكون لديها أى حجة لتبرير تقاعسها عن المشاركة فى وقفة احتجاجية بالغة الأهمية نعتقد أنها ستكون بمثابة اختبار حقيقى لجميع الأطراف المطالبة بالتغيير.
فهى اختبار للبرادعى، من حيث المدى الذى يمكن أن يصل إليه تحديه للنظام وطرح نفسه كقائد لمعركة التغيير، وليس بالضرورة كمرشح للرئاسة، وهى اختبار للقوى والحركات السياسية المشاركة فى «الجمعية الوطنية للتغيير»، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، من حيث قدرتها على الحشد والتعبئة، بل واختبار للشعب المصرى كله، من حيث مدى قابليته للتخلص من عقدة الخوف التى تمسك بتلابيبه والتى تجعله ينتظر أن يأتيه أحد بالتغيير على طريقة «هاتوا لى حبيبى».
فهل يمكن لمصر «الأخرى» أن تتحدى خوفها المقيم، وتتمكن هذه المرة من حشد مئات الألوف فى وقفة صامتة، ترحما على شهيد الإسكندرية، ورفضا لجرائم أكبر يرتكبها النظام الحاكم كل يوم فى حق مصر وشعبها، كان آخرها جريمة تزوير إرادته فى انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى؟
حسن نافعة- Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment