Friday, June 25, 2010

إبراهيم عيسى يحاور د. محمد البرادعي.. الجزء الثالث


ذهبت إلي الدكتور محمد البرادعي وأنا أبحث عن درجة تفاؤله وقوة تصميمه وقدرة تحمله كنت أقيس درجة تفاؤله لأنني أعرف أن الواقع في مصر مصاص للتفاؤل طواويس الحكم تقدر علي إصابتك بالإحباط وتبطش بأي أمل وتقهرك بالتشاؤم الجلود -عندهم - سميكة والعقول مغلقة والقلوب مقفلة والمشاعر معتمة ... والسيوف مشرعة وجماعات المعارضة تعطب سريعا وتتعطل كثيرا وتيأس قبل أن تأمل وتذبل فور أن تنبت وتتفتت بمجرد أن تتجمع وكنت أحسب قوة تصميمه لأن الرجل بدا متعففا ومترفعا عن أن يسعي لمقعد الرئاسة ولا يجده إغراءً يجذبه ولا غواية تناديه فهو يتحدث بلغة الداعية وأداء المدرس الذي يفيض في الشرح بدون اهتمام بأنهم نصبوا خيم الامتحان بينما يواصل هو الشرح فاعتقدت أن قوة تصميمه تتسرب وتخفت وأن اشتباكات الساحة السياسية وجمود وركود القيادة السياسية سوف يسحب حماسه فينسحب تصميمه وكنت أريد أن أزن قدرة تحمله فالهجوم ثم التهجم من الحكومة ومحسوبيها ومحاسبيها والنقد ثم التهكم من شخصيات معارضة ومتعارضة مع الاتهامات المبثوثة -كعادتنا- والتوجسات المتناثرة -كطبيعتنا- قد تدفع الرجل إن فتر حماسه وتفكك تصميمه إلي أن يفقد تحمله لهذا ذهبت للدكتور محمد البرادعي

> إذا كان ذلك حقا فلتدخل الانتخابات القادمة وهذه الأغلبية ستجلب لك الفوز.. ما رأيك؟

- كأنك بهذا تنقذ النظام؛ فهو الآن في حاجة إلي شيء واحد يملكه الشعب وهو السلاح الأقوي الذي يتمثل في الشرعية، نزولي سيعطيه الشرعية، وكثير من أقطاب الحزب الوطني يطالبونني بخوض الانتخابات واللعب من نفس الملعب ويتمنون هذا.

> هم يطالبونك بالنزول إلي الانتخابات وفقا لقواعد اللعبة التي يضعونها هم، لكن سوف يؤدي مجرد نزولك إلي كسر قواعد هذه اللعبة؟

- لقد أعلنت عن رغبتي في خوض الانتخابات ولكن بعد كسر قواعد اللعبة لذلك فإنني أود كسر قواعد هذه اللعبة وإذا لم تنكسر حتي عام 2011 فهناك وضع آخر، فأنا أود أن أدخل الانتخابات، وأفتح الباب لغيري.

> إذن لن تدخل الانتخابات إلا بتغيير الدستور أو علي الأقل طريقة الترشح، وهو أمر لن يحدث، إذن يبقي أمر دخولك الانتخابات معلقا؟

- ما زال هناك أكثر من عام من الممكن أن يحدث فيه الكثير.

> ما الذي يمكن أن يحدث خلال هذا العام؟

- هناك الكثير من البدائل لا أريد الخوض فيها الآن.

> هل هذا غموض بنَّاء أم هناك غمامة في الرؤية؟

- نعم، هو غموض بنَّاء.

> الذين التفوا حولك بعضهم يري أنك رغم ما قيل من مديح عنك غامض، فما تعليقك علي ذلك؟

- هو فعلا الغموض البناء، ليس لأنني لا أستطيع أن أصارحك بالبدائل، ولكن لا أريد الحديث فيها لأنها بدائل بها الكثير من الحساسية الشخصية ولها بعد أمني ولا أود أن أناقشها.

> لا يعرفون ماذا تريد بالضبط، وبالنسبة لهم الغاطس من البرادعي أكثر من الظاهر؟

- هذا رأيهم، فأنا أري أن الظاهر مني أكثر من الغاطس بل إنني لا أري أن هناك جزءا غاطسا أصلا.

> يعتقدون أن هذه البراءة الحالمة تخفي وراءها خبثا سياسيا يخفي خلفه ما وراءه؟هل تعتقد أن هذا نوع من التقدير؟

- سأعتبره تقديرا وسأعتد به علي هذا النحو ولن أعاتبهم، فأي شخص يعمل بالعمل العام له رؤيته وخبراته. لقد عملت لمدة 12 عاماً في قضايا سياسية من أعقد المسائل السياسية في العالم، وأعلم جيدا ما يصلح تطبيقه من عدمه.

> اسمح لي، فحصيلة العمل كانت أن العراق انتهي بالغزو وإيران مقدمة علي منعطف خطير؟

- أتابع قضية إيران جيدا وعلي اتصال بوزيري الخارجية البرازيلي والتركي، وفرض أي عقوبات علي إيران الآن خطر كبير، وعلي الشعب المصري أن يدرك أهمية ارتباطه وعلاقته بإيران وتركيا.

> ما المقصود بالارتباط لأنها كلمة من السهل تأويلها؟

- أقصد بها أنه يجب أن يكون لنا علاقة بإيران؟ لقد مر علينا أكثر من 30 عاما ليس لنا علاقات دبلوماسية بإيران.

> أنت تتحدث عن علاقة مصر بإيران لكنني أريد أن أعرف علاقة البرادعي بإيران؟

- علاقتي بحكم عملي وما زال هناك رؤساء وزارات يتصلون بي لأخذ وجهة نظري وطرح حلول وتبادل الأفكار، وأعتقد أنه لا يوجد إلا حل سلمي للملف النووي الإيراني عن طريق التفاوض، هناك مجال للعواطف وهناك مجال للعقل يجب ألا نخلط بينهما والتوقيت شئ مهم، لابد أن ندرك أن هناك تدريجاً، كل شخص له رؤي وأعرف أن هناك رؤي مختلفة وأنا بطبيعتي شخص متأن ولست غامضا، أركز علي النتيجة قبل الوسيلة.

> البعض يري أن ما تقدمه حالة حالمة ورومانسية ولن يتم جمع ملايين التوقيعات ومن ثم لن تتمكن من ترشيح نفسك ولهذا يظنون أن هناك شيئاً ما لا نعرفه، وفي مصر ما لا نفهمه هو شيء غامض يخفي وراءه شيئاً ما؟

- لو كانت رؤية حالمة لما التف حولي الشعب المصري، ولكن الشعب المصري شعب ذكي.

> التف الناس حول الدكتور البرادعي لكنه لم يغير من أدواته ومن منطقه؟

- لأن أدواتي محدودة في هذا الإطار الحديدي الذي يفرضه قانون الطوارئ، وإنما قوتي مستمدة من دعم الشعب المصري لي، فعلي الشعب المصري ألا يتخلي عن مسئوليته ويلزم المنزل ويقول أنا مع الدكتور البرادعي لكني لن أوقع علي البيان ولن أقوم بحركة من أي نوع وسيتم التغيير.. إن ما أقوله أنا معكم في المقدمة وفي النهاية وأريد التغيير لضميري الوطني والقومي، ولكن لا تنتظر مني أن أصنع المعجزات فهذه نظرة حالمة.

> من ناحية أخري، الشعب المصري لا يثق في أن مجرد التوقيع وكتابة اسمه علي ورقة سيأتي بالتغيير، ولكنه يفكر في أنه لو وجدك مرشحا للرئاسة سيؤيدك في مؤتمر، سينظم من أجلك مظاهرة، يساعد في دعايتك الانتخابية، يقاتل من أجلك في صناديق الاقتراع، يصوت لك، في حين أنك لم تطلب منه أكثر من توقيع علي ورقة لا يعرفها ولا يفهمها؟

- هناك شقان في هذا الأمر، أولهما أنني أحتاج التوقيعات لكي أشعر بأن الشعب المصري بجانبي ويريد التغيير لأنني في حاجة لهذا الزخم، حيث إنه بحصولي علي هذا التأييد الشعبي الجارف سنغير النظام، الشق الثاني هو أن الشعب المصري لابد أن يستخدم كل الأدوات المتاحة له.

> خلال الفترة الماضية وبالتحديد الشهران الماضيان كانت هناك مظاهرات بالآلاف هناك كل يوم مظاهرات وبيانات ووقفات احتجاجية وشباب تم اعتقالهم، ومظاهرات أمام مجلس الشعب واعتداءات مستمرة، لم يتوقف المصريون خلال هذه الفترة عن المطالبة بالتغيير فالمطالبة بالتغيير لم تأت فقط اليوم، ألا تعلم ذلك؟

- لم يتوقفوا عن المطالبة ولكن كانت مطالبتهم دائما قاصرة، هدفها الدائم الضغط علي النظام فقط بما فيها مطالبات كفاية و6 أبريل.

> لكن هذا ما تفعله، أنت لاتريد منافسة النظام ولا مواجهته أنت أيضا تريد فقط، من خلال جمع التوقيعات، الضغط علي النظام؟

- عددهم القليل لن يضغط، هذا لا يعتبر ضغطا علي النظام.

> الإخوان يستطيعون النزول بـ50 ألفاً بدل من 50 فرداً وبهذا ربما يقودون التغيير فهل تعتقد هذا؟

- لن يحدث ذلك، فلن ينزل الإخوان بمفردهم فستشاركهم أطياف أخري.

> هل البرادعي علي دراية جيدة بالإخوان كحركة؟

- لم أدرسهم، أول واحد قابلته في حياتي من الإخوان هو سعد الكتاتني، واتفقنا علي أن ننتقل إلي دولة الديمقراطية، واختلفنا في العديد من المسائل، فأنا أقول وسأظل أتمني أن تصل المرأة لرئاسة الجمهورية في مصر، وأن يصل قبطي كذلك إلي المنصب، هناك اختلافات لكن في هذه المرحلة، وهي مرحلة وفاق وطني، فنحن معا في دائرة واحدة حتي نصل إلي محطة الديمقراطية ومن ثم يبدأ كل منا يسير في طريقه للاختلاف.

> ذكرت في حوارات كثيرة لك أن الإخوان حزب شرعي وحركة سلمية وأظهرت في تصريحات إيجابية تقييمك الشديد لهم ثم أعقبت ذلك بزيارة للكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين كأول زيارة لك لتجمع سياسي وهو ما اعتبره البعض نوعاً من الغزل السياسي العفيف وتم اعتباره كذلك نوعاً من الاتفاق والتحالف بينك وبين الإخوان، ومن ثم أعلنوا أنهم سيشاركون في جمع التوقيعات؟

- أولا الإخوان المسلمين - وقد ذكرت هذا للرئيس مبارك منذ أعوام- يجب أن يشاركوا في العملية السياسية، وعلي حسب ما نعرفه أنهم لم يشاركوا في أي أعمال عنف منذ عهود، هم علي الأقل 10 % من الشعب المصري، ولا يمكن لي أن أكتفي بتصنيفهم كجماعة محظورة، لابد إذا ما كنا نبحث عن السلام الاجتماعي أن نشركهم في العملية السياسية، ففي مقابلتي لسعد الكتاتني تحدث معي عن موافقتهم علي مبدأ الدولة المدنية وأن الجماعة ضد إنشاء أي حزب ديني، أري أنه لابد من تقنين ذلك في الدستور، إذا استطعنا أن نكسب هذا القطاع من الشعب المصري(الإخوان ) ويعمل معنا في إطار الدولة المدنية، وأنه ليس هناك قابلية لإنشاء أحزاب دينية، يجب أن يكون معك الجميع، أقباطاً واشتراكيين ويساريين وشيوعيين، لابد أن نعمل مع الجميع.

> لكن فيما يخص الإخوان المسلمين فهذا تكتل سياسي،أما الأقباط فهم كتلة عقائدية وليست سياسية كالإخوان؟

- لا، الأقباط يجب أن يكون لهم كتلة سياسية وليست عقائدية فقط. يجب أن يتم دعم مبدأ المواطنة وأن يكون تعريفي كمصري ولا يقال، قبطي أو مسلم.

> لِمَ ذهبت للإخوان، وهل تثق في قدراتهم علي التحالف؟

- لقد ذهبت للإخوان ردا علي زيارة سعد الكتاتني، وما أعرفه أنهم سيساعدون علي جمع التوقيعات، قائلين إن هذا أمر ليس له علاقة بالترشح لرئاسة الجمهورية وإنهم حين يتم الترشح فسينظرون إلي جميع البرامج ويختارون الأصلح.

> ألا تعتقد أنه من الممكن في هذه اللحظة أن يعطوك ظهرهم ويعقدوا صفقة مع النظام؟

- قد يكون أو لايكون، أنا منتظر أن يوفوا بعهدهم، وبشكل عام سأذهب لزيارة مختلف التيارات السياسية، فلقد اتفقت مع الدكتور أسامة الغزالي حرب علي زيارة حزب الجبهة في 20 من يونيو الجاري، فلقد جاء اليسار المصري إليَّ وذهبت لزيارة اليسار المصري.ووجدت رموزا جيدة وهناك ما أتفق معه وهناك ما أختلف معه، ولديهم أفكار جيدة عن الدولة المدنية، وتصورات عن مستقبل مصر وعن تطبيق مبدأ المواطنة.

> لا أجد مشكلة في الانشقاق فقد انشق رفقاء سعد زغلول الستة من حوله،لكن ما تفسيرك أنت لالتفاف أعضاء الجمعية حولك ثم التفكك السريع أيضا بعد ذلك خاصة أن الإعلام المصري يتعامل مع غيابهم عنك علي أنه نوع من الضعف والتفتت المبكر وضياع الهدف؟

- لم أدع إلي إنشاء هذه الجمعية ، الجمعية الوطنية للتغيير مجموعة أعضاء جاءوا إليَّ يمثلون أطياف المعارضة المختلفة، لم أكن أعرف أحدا منهم، جاءوا جميعا من ممثل الإخوان المسلمين إلي ممثل الحزب الشيوعي المصري تجمعهم الرغبة في التغيير، والنقلة الديمقراطية، وقالوا إن إنشاء الجمعية قد تكون خطوة جيدة خاصة من الناحية الإعلامية، لكني كما قلت لك أركز علي النتيجة أكثر من الوسيلة، فوافقت علي أن أكون راعيا لهذه الجمعية وليس علي أن أكون رئيسا لها، وهي تتفق جميعا في نقل البلد إلي الديمقراطية، وإحداث تعديل بسيط في الدستور لإتاحة الفرصة أمام جميع الأشخاص للترشح ، وأي شخص من الـ70 ألف شخص الذين قاموا بالتوقيع وامتلكوا الشجاعة لذلك هم أعضاء في الجمعية الوطنية للتغيير، وكذلك فإن أي شخص يقوم الآن بالتوقيع هو عضو في الجمعية الوطنية للتغيير، فالجمعية الوطنية ليست فقط قيادات الجمعية، فلم تتم إلي الآن الانتخابات، وإنما كذلك ستستقبل أي شخص له رؤي وأفكار مخالفة، وطبيعي من المتوقع أن تكون هناك رؤي مختلفة بين الإخوان أو الحزب الشيوعي المصري، وبالتالي فإن أي شخص من 70 ألفاً يملك رؤي مختلفة أنا أحترمه وأقدره، طالما اتفقنا علي هذا في البداية، علي الهدف ونسعي إلي الإصلاح.

> يتحجج البعض بأن الناس الذين كانوا قريبين منك منذ اللحظة الأولي ـ أياً كانت كواليس هذا الاقتراب ـ قد ابتعدوا عنك، وقد خرجوا وأعلنوا أنهم لايستطيعون أن يجتمعوا مع الدكتور البرادعي، ولايستطيعون أن يحاوروه، يعانون من سفرك للخارج، ويقولون إنهم يتخذون قرارات مختلفة دون مناقشة الأمر.. ألم تخش من أن يؤثر ذلك في الشعب المصري ويقولون هذا الرجل لايأخذ قراراته بديمقراطية، فكيف سيقود مصر إلي الديمقراطية؟

- الاختلاف في الرؤي أمر صحي، ويحدث في أي نظام ديمقراطي، وتم في كل مراحل التغيير، من أول يوم اجتمعنا مع هذه المجموعة والتي أحمل لها كل معاني التقدير والاحترام، أكدت لهم أنني لن أصدر أي قرار وسأعطيهم مطلق الحرية في اتخاذ أي قرار إلا فيما يتعلق بإصدار بيانات باسم الجمعية وقلت لهم إنني لا أود أن أدخل في أي هيكل تنظيمي، أطلق لكم الحرية كاملة في التنظيم وما تريدون تقريره فأنا موافق عليه، وهذا ذكرته من أول اجتماع ودعوتهم إلي تطبيق اللامركزية، الاختلاف قد يكون في توقيت النزول إلي الشارع فقط، توقيت الصدام مع النظام، فهي اختلافات تكتيكية وليست اختلافات في الهدف، ولي رؤيتي فأنا لم أغضب من هذه الاختلافات في الرؤي طالما أن الهدف واحد وهناك اتفاق علي تحقيقه، بل وهناك سعي للوصول إليه، وستسير الأمور.

> معني ذلك أنك ستقوم بالاطلاع علي البيان القادم الذي سيصدر عن الجمعية؟

- إذا أرادوا أن يطلعوني عليه فليكن، لقد ذكروا أنني الأب الروحي للجمعية، ورمز لها وسأظل هكذا أراعيها.

> معني ذلك أنك تعمل كمستقل في تحركاتك بعيدا عن الجمعية، ومن الممكن أن يفاجأوا غدا بك تذهب إلي المنصورة،الزقازيق،أو غيرها من جولاتك؟

- سأنزل إلي الشارع باعتباري محمد البرادعي، نستطيع أن نتحدث باسم الجمعية في المطالب الضيقة التي تتعلق بتحقيق النقلة الديمقراطية، أما فيما يتعلق بدخول انتخابات مجلس الشعب والشوري والنظام السياسي، فإن لأعضاء الجمعية التحرك وفقا لما يرون وأن يتحدثوا بلسان حالهم ولهم الحرية في ذلك.

> ألا يغضبك احتمالية وجود مشهد اختيار وترشيح رئيس غيرك للجمعية، ألا تعتقد أن ذلك سيسبب لك رتوشاً في اللوحة وربما وضوحاً أكثر لها؟

- الجمعية هي الشعب المصري وسأظل أعمل معهم ومع أي فرد، وسأركز علي الشباب والطبقة الوسطي، فقد كسرنا حاجز الخوف في هذه الشهور، وبدأ الشعب يعي السياسة جيدا، بل والعلاقة بينها وبين النواحي الاقتصادية.

> لماذا تتعامل وكأن الشعب المصري لم يكن يفهم سياسة وكأن جهد سابقيك في الدعوة للتغيير لم يؤثر؟

- لم أقل ذلك، فالشعب يدرك ما يحدث ولكنه ازداد فهما، ولا أود أن أنسب لنفسي فضلا، إذا كان يفهم ويعي ذلك فهذا أمر جيد، ما أريد أن أقوله هو أن حاجز الخوف حقيقة بدأ ينكسر، والشعب تعلم كيف يتحدث ويطالب بحقوقه في كل شيء بما في ذلك السياسة، وعلم أن أمامه بدائل متاحة للاختيار، وأنه لم يكن مضطرا للاختيار إما بين النظام أو الإخوان المسلمين، في الغرب يُسوِّقون الإخوان وكأنهم أحمدي نجاد، أحد أعضاء الحزب الحاكم، ذكر أن البديل الآخر هو إقامة نظام شبيه بالنظام الإيراني، ويعتبرون الاشتراكية كلمة قذرة، علي الرغم من أن المادة الأولي من دستور فرنسا الذي نشبه دستورنا به دائما تقول إنها دولة اشتراكية.

> وجود البرادعي كسر فكرة البديلين (القطبين) بعد أن خلق البديل الثالث، والآن جئت لتتخلي عن هذا البديل، وتتحدث عن جمع التوقيعات والضغط علي النظام من خلال التوقيعات، وكأنك لا تطرح نفسك كبديل وإنما كوسيط بين الشعب الذي لم يجد شخصية يعطيها هذه الرسالة، وما بين النظام الذي لايسمع صوت الشعب، فكيف تحول نفسك كبديل ثالث إلي ساعي بريد سياسي بين الشعب والحكومة؟

- البديل الثالث هو البديل الديمقراطي أي الذي يتجسد في البرادعي، وأنا لا أود أن أتحدث عن نفسي.

> ظهر البرادعي عند الشارع المصري والدولي والعالمي بوضوح وقد صاحبه صخب إعلامي مدوٍ وغير مسبوق، وحماس شعبي جارف أظهر حقيقة اسم البرادعي بوضوح في فبراير الماضي وعرفك جميع المصريين في أقل من أسبوع، ليتبادر إليهم وكأن مصر أصبح بها مرشح رئاسة ثالث بعيدا عن قطبية الإخوان المسلمين،وبعد ذلك كله، جئت وأدرت وجهك عن هذه الظاهرة علي مدي الشهور السابقة لتعود بنا مرة أخري الآن إلي التوقيعات؟......................

- ليس صحيحاً يا إبراهيم.

> إذن ما هو الصحيح لتشرحه لنا؟

- التوقيعات وسيلة وليست غاية، وسيلة للبديل الثالث البديل الديمقراطي الذي يحترم حرية الشعب،الذي يري أنه من المفترض أن تكون مصر دولة اشتراكية ديمقراطية،هذا هو الأسلوب المتاح لي في ظل قانون الطوارئ الحديدي، هو الأسلوب الوحيد الذي يمكن من خلاله لشخص مثلي كسر الجدار الذي وضعه له النظام، بل ويستطيع به أن يترشح من خلال فرصة متكافئة للنجاح، ويحقق لي هدفي في تغيير الدستور، فأول شيء سأقوم به هو تغيير الدستور؛ لأنه لايمت للديمقراطية بصلة.

> هذه فرصة عظيمة أن أتبني وجهة نظر النظام وأقول لك إنني لن أغير شيئا، لن تتغير المادة «76» ولن أسمح بأي تعديل بها،فماذا ستفعل يا دكتور البرادعي؟

- أتمني خلال هذا العام أن يعود النظام إلي قدر من العقلانية، ويدرك أن تغيير هذه المادة،وفتح الباب لبداية نظام ديمقراطي،هو مصلحة لكل مصري،بما فيه النظام المصري، وإذا لم يتم هذا، فأي شخص يدخل الانتخابات الرئاسية وفقا لهذه الظروف المعروفة فإن نتيجتها معلومة مسبقاً، وقد كانت انتخابات مجلس الشوري،خير دليل علي ذلك، ولقد كتبت عنها أنت ذلك، وكنت سعيدا بكتاباتك وكأنك تعترف لي بصحة وجهة نظري في عدم دخول انتخابات في ظل الوضع الحالي .

> لكن إذا دخل البرادعي،فلن تكون الانتخابات مسرحية أبدا،وهذا تصوري كمراقب... ألا تتفق معي؟

- أنا لا أغلق أي باب، نحن نعيش حالة الثقب الأسود ،التي لاتري مداخلها،نعيش اليوم لكننا لا نعرف ماذا سيحدث غداً، ولا بعد غدٍ، مازال هناك عام لا أستبعد وقوع أي شيء خلاله، ولا أستبعد أن تكون هناك مصالحة مع الوسائل،وليست مصالحة مع المبادئ،لا أستطيع أن أغير مبادئي ولن أغير منها في هذا،ولا غَيَّرتها في عمري كله،ربما هناك تغيير تكتيكي،لكن تغيير المبادئ مستحيل وغير موجود.

> معني ذلك أنه لو تغيرت الوسائل من الممكن حينها أن تقوم بترشيح نفسك بطريقة أخري؟

- نعم لو توفر الحد الأدني من الشرعية والمصداقية سأقوم بخوض الانتخابات.

> انتخابات مجلس الشعب القادمة أكاد أراها وأعلم أنها مسرحية تم إعدادها ولكن أيا كانت نتائج هذه الانتخابات فإن البرادعي قادرعلي جلب الأصوات اللازمة للترشح، لأن عدم قدرة البرادعي علي الترشح مستقلا سيكون ثقباً هائلاً ومدوياً في مصداقية النظام في الداخل أمام العالم، وستكون فضيحة تقريباً؟

- لدينا هذا الثقب اليوم بل إنني أري أنه يتسع بشكل كبير، هناك سؤال أساسي ومحوري لا يمكن الإجابة عنه اليوم وهو: هل سأستطيع كبرادعي الحصول علي هذه النسبة، وهل سأستطيع الحصول علي الفرصة المناسبة فإن توفر لي هذا سأترشح وإن لم أستطع فستكون رسالتي من اليوم وحتي الانتخابات: «لايجب لأي شخص أن يرشح نفسه سوي أعضاء الحزب الوطني، ويجب أن نقاطع انتخابات الرئاسة».

> معني ذلك أنك تقول إما أن تترشح للانتخابات الرئاسية القادمة وإما ستدعو جميع المصريين لمقاطعة الانتخابات؟

- بالضبط، سنثبت بالقطع أن هذا النظام كما هو نظام الحزب الواحد، وسنري التداعيات.

> لكن النظام سيصنع دائرة ضيقة لمرشحين يصنعهم هو ومنهم للأسف ناس محترمة؟

- مَنْ سيترشح في ظل هذه الظروف، هو يعمل ضد الإرادة الشعبية التي تتمثل في التغيير والإصلاح والديمقراطية.

> أي أنك لو ترشحت وفقاً لهذه الظروف فسيكون ذلك ضد الإرادة الشعبية؟

- نعم إلا إذا حصلت علي فرصة الترشح، فهذا واحد من المطالب السبعة التي طالبنا بها، التي منها الإشراف القضائي، والمصريون بالخارج، والرقابة الدولية.

> الرقابة الدولية أشرفت علي انتخابات السودان، وكانت مهزلة كما تعلم، وجاء جيمي كارتر وقال إنها نزيهة وجيدة، مَنْ أين جاءت الرقابة الدولية بمصداقيتها ونحن لدينا مئات الألوف من اللجان الانتخابية، ولدينا حيل مصرية رائعة في التزوير بعيداً عن اكتشاف الرقابة الدولية؟

- نحن دائماً ننظر للأجانب علي أنه من الممكن التحايل عليهم، وإذا كنت تريد أن تكون للرقابة الدولية مصداقيتها فلابد أن تنتقي نوعيتها.. والرقابة الدولية واحدة من سبعة مطالب، أحدها وأهمها اللجنة المستقلة للانتخابات، وهل سيكون لي وقتها القدر نفسه من المساحة الإعلامية في الصحافة الحكومية والإعلام الحكومي؟!.

> هجوم الإعلام الحكومي سيعطيك الشعبية بشكل أكبر؟

- بالطبع،أنت ستعطيني مساحة إعلامية لن يوفرها لي الإعلام الحكومي؛ فهو سيعطي للحزب الحاكم لأنه مصدر تمويله وإذا وجدت فرصة جادة لدخول الانتخابات سأدخل،وإذا لم أجد فسأقول إن أي شخص بمن فيهم أنا إذا ترشح للرئاسة في ظل هذه الظروف سيكون خائناً للإرادة الشعبية،وليظهر النظام كما هو،وسيكون من وجهة نظري الثقب أوسع داخلياً وخارجياً.

> مَنْ هم مستشاروالدكتور محمد البرادعي، وكيف يبني قراراته؟

- في إطار الهيكل التنظيمي الكامل فما زال لايوجد مستشارون.

> هل تلعب زوجتك وشقيقك دوراً في قراراتك؟

- دائماً،عندما كنت رئيساً للوكالة الدولية للطاقة الذرية،كانت زوجتي هي مستشاري، لأنني أثق بها وبتفكيرها، وأفكر معها بصوت عالٍ ومازالت تقوم بالدور نفسه اليوم، وكذلك أخي علي البرادعي.

> هذا بالفعل تأكيد ودليل علي أواصر أسرية أصيلة وعظيمة،لكن هل هذا يُقلق سياسياً أن تكون الأسرة هي المستشارون،؟

- لا أبالي ، عايدة وعلي وابنتي وابني مصطفي، هم أسرتي الصغيرة وأثق في آرائهم جدا.

> ألا تري أن آراءهم دائماً محل شك لأنها كما تعرف نابعة من عاطفة ومن أواصر وثيقة بك؟

- إطلاقا، هم يختلفون معي كثيراً، فابنتي محامية تعمل في لندن، وتختلف معي في كثير من المسائل.

> هل اختلافها معك يتمحور حول اعتقادها أنه لا فائدة لمحاولتك في هذا البلد، وأنه لا مجال لتحقيق شيء به؟

- إلي حد ما،هي تعتقد أنني أضحي،وليست هناك استجابة كافية،وهذه وجهة نظرها.

> يحظي المصريون في الخارج بكثير من اهتمامك، هل ذلك يعود إلي شعورهم بأنهم مهمشون في صناعة القرار في مصر؟

- أولاً، لم يلوثوا بالنظام السياسي المصري.

> أي أنك تري أن مَنْ يعيش داخل مصر فقد تلوث؟

- نعم،بالطبع.

> لماذا تلوثنا؟

- لغياب الديمقراطية.

> ما مظاهر هذه الملوثات في النخبة والصحافة والسياسة؟

- القيم التي كانت موجودة في مصر،عندما تركتها منذ ثلاثين عاماً، هي الآن ليست موجودة، كذلك السماحة والكرم والتفاهم والتقدير.

> هذا بالنسبة للمجتمع بأكمله،لكن ما أقصده هو معرفة ما الملوثات والمشاكل التي تنتابك من النخبة والصحافة وتعاملك معها؟

- المشكلة الأساسية هي أن جزءاً كبيراً منهم أصبح أبواقاً للنظام دون أن ينظروا إلي المرآة في الصباح.

> هذا عن الجناح المؤيد والمتوافق والمنافق لك،فماذا عن المعارضة وأنت تشاهدها عن قرب؟

- أشعر عند تعاملي معها عن قرب، بأننا لن نستطيع أن نعمل معاً كفريق، وهذا جزء من المشكلة في مصر والعالم العربي.

> أي أننا لم نتعلم العمل الجماعي،ولا العمل الجبهوي،وليس لنا أي نجاحات في هذا المجال،هل هذا ما تقصده؟

- نعم، ليس لدينا هذا النوع من العمل إطلاقا،وليس لدينا القدرة علي التفكير العقلاني،ودائما رد فعلنا عاطفي،فإيران ـ إذا أتيحت لي الفرصة لمثال ـ التي يقولون عنها حكم آيات الله تفكيرها استراتيجي، بعيد المدي،يتحدثون عن مائة عام أو أكثر من ذلك بكثير.

> لكنك تقول لا أحد يعرف ماذا سيحدث اليوم أو غداً، ألا تري أن قولك هذا مناقض للاستراتيجية والتصور المستقبلي الذي أعجبت به في إيران؟

- ليس هذا بالنسبة لي.

> معني ذلك أنك تعلم ماذا سيحدث العام المقبل؟

- لا،ليس معني ذلك أنني أعرف ماذا سيحدث العام المقبل، لكنني أعرف ماذا أريد.

> الجميع يريد أن يطمئن بأن هناك خطة عمل لديك،فهل تعرف ماذا تريد فعله للعام المقبل؟

- نعم،أريد نظاماً ديمقراطياً جيداً جدا.

> لكن هذه هي الأهداف،وليست الوسائل فما هي؟وهل هناك خطط (أ،ب،ومن ثم ج)؟

- مثلما تحدثنا سابقاً، نحن الآن في يونيو،وهذا بالطبع له حدثه،وبعده يوليو،ومن ثم أغسطس،ولكل حادث حديثه.

> معني ذلك أن لديك الحادث والحديث؟

- بالطبع، وأقوم بالإعداد له مع مجموعتي،ولا أتخذ خطوات بمفردي،طيلة سنوات عمري أتعامل بمفهوم الفريق، وأستمع لكل الآراء المختلفة معي، وفي نهاية المطاف كقائد وكرئيس يجب اتخاذ قرار.

> لم نسمع منك كلاماً واضحاً عن إدانة مرتكبي جريمة «أسطول الحرية» والعدوان الإسرائيلي، فلا يزال موقفك من إسرائيل محل تساؤل في حالة وجود مجتمع مصري ديمقراطي،ما الذي ستفعله مع إسرائيل وموازين العلاقات الدولية؟

- ليس صحيحاً أنني لم أهتم بما حدث بالنسبة لأسطول الحرية،فقد قمت بوضع فيديو علي تويتر وقلت إن ما حدث جريمة ضد الإنسانية ومخالفة لكل الأعراف الدولية، ولقد طالبت بفتح معبر رفح منذ 3 سنوات، وطرحت فكرة إقامة منطقة حرة في رفح لأنه لايمكن بأي حال من الأحوال حرمان مليون ونصف المليون إنسان من الغذاء، ورأيت بعدما أعلنته من شجب وإدانة أننا لن نغير شيئاً، وأن وضعنا في العالم العربي وضع هوان ومذلة، وأننا في وضع المتلقي وليس الشريك،ولذلك لن يدافع أحد عن مصالحنا إلا عندما ندافع نحن عنها،عندما يكون هناك توازن مصالح.

> ألا تري أن أمريكا حليفة للنظام المصري وداعم وضامن له،ومن ثم ألا تري أن مواجهة النظام المصري إنما هو مواجهة لأمريكا؟

- أنا لا أعرف موقف أمريكا الآن،وأعتقد أنها تقوم الآن بموقف المراقب،بالطبع أمريكا والغرب وكل دولة تبحث عن مصالحها في الاستقرار وفي البقاء في المنطقة وأن يستمر وجود البترول وتدفقه إلي أمريكا.

> وهل تتحقق مصالحها في الاستبداد أم الديمقراطية؟

- بالطبع هي تقول إنها تدافع عن الديمقراطية،لكن عندما تضعها في اختيار وحيد بين الاستبداد والإرهاب فأنت بذلك تضعها في موضع اختبار.

> هل بادر الأمريكان بمحادثتك؟

- إطلاقاً، علي الرغم من أن لي أصدقاء قريبين من الرئيس أوباما،وتجمعني به علاقات مودة.

> هل قام أي مسئول أمريكي آخر أو أي مسئول مصري سواء كان وزيراً حالياً أم سابقاً، أو أي أحد من أعضاء الحزب الوطني بمحادثتك؟

- لا، لم يحادثني أحد.

شاهد الفيديو الخاص بهذا الجزء من الحوار

الدستور

No comments: