Friday, June 11, 2010

فضائيات تبث من تحت التنورة

ان تستقيل خمس مذيعات مرة واحدة لهن الباع الطويل في الحضور والثقافة والكاريزما والإطلالة في فضائية الجزيرة ، تحمل عدة تفسيرات ، وقد قيل أنهن اعترضن على التدخل في طريقة لباسهن من قبل الإدارة التي طلبت منهن الاحتشام ، مع العلم ان لباسهن لم يكن فيه الاغراء والاغواء ولم يلاحظ احدنا ان هناك من تغازل الكاميرا لتستقطب الاعجاب ، بل فرضن حضورهن على المشاهد الذي يستمع الى تحليلاتهن والى قدراتهن على ادارة الحوار الجريء ، وطرح الاسئلة والنقاش الهادىء الواعي دون ان يجذبه ثوب او تسريحة او مكياج .
نعترف ان فضائية " الجزيرة " كانت سباقة في احداث تغير في الصورة النمطية للمرأة ، وقد أبرزت المرأة العربية كمحاورة سياسية تنافس الرجل ، وأتاحت الفرصة أيضاً لتألق المرأة وأطلقت نجمات في المجال الاعلامي ، حتى اصبحت هذه الفضائية مدرسة في دعم المرأة الاعلامية ، لتقلدها بعد ذلك فضائيات عربية اخرى .
على مر قرون عديدة هناك من حشر المرأة في صورة الاغراء والجسد وتناسى حضورها الابداعي في كل المجالات حتى اتت الثورة الاعلامية الفضائية الحديثة ، وبدأت تكشف عن القدرات النسوية وتحدد الوجه النسوي المختلف ، او الوجه الآخر للمرأة الذي هو من يحدد شخصيتها.
كان ارسطو يقول لتلاميذه – تكلم كي اراك – أي ان الكلام هو الذي يحدد هوية الشخص الحقيقية وليس ثيابه .
قد يكون هناك أسباب أخرى للاستقالة ، مثل الغيرة الرجالية من نجاح المرأة ؟ او تقليص مساحة الوجوه النسائية ؟ مهما يكن الأمر فان خروج هذا الكم النسائي مرة واحدة له اسبابه التي لانعرفها ، والتي يجب على فضائية الجزيرة التي تفتخر( بالرأي والرأي الآخر ) ، كشف عن (الحقيقة ) وتسعى دائماً لكشف المستور ان توضح الاسباب حتى لا نبقى في حالة خداع في قناة فضائية تبث من( قطر ) هذه الدولة التي تحيط بها الاسئلة ولكن مجرد وجود فضائية (الجزيرة ) يغفر المشاهد لها هذه الاسئلة والشبهات .

في كل ذلك الوقت الذي تفتح الفضائيات العربية ابوابها على عالم العري المخادع ، المعجون بعمليات التجميل الفاضحة ، وتبث برامجها ليل نهار بأسلوب الترسيخ المهين والمذل للمرأة ، لخلق اجيال تنظر الى المرأة بدونية واستخفاف وخلع المراة عن عرش الثقافة وغرسها في تربة الاغواء ، فتعاملوا مع وجودها ككيس من الحلوى الملونة ، وامسكوا بالانوثة ومرمغوها في الوحل . وعاهدوا الاجيال على البقاء في نثر رسالة الاستخفاف بها .
كيف نصدق ان (الوليد بن طلال ) الملياردير ابن العائلة الحاكمة في السعودية التي لها جيش جرار من رجال هيئة الأمر بالمعروف ، التي تصادر حريات الانسان وخاصة المراة التي تعيش تحت سيطرة فتاوى رجال الدين والعلماء الذين يسوقون التاريخ والدين حسب درجة حرارة القمع والكبت ، هذا الوليد قد حول شبكة قنواته الفضائية " روتانا " الى نهج غنائي افقد الغناء صوابه عبر تسويق واحتكار حناجر واجساد تذكرنا باسواق النخاسة ، ولم يرحم الاجواء الشبابية العربية المحبطة والظروف السياسية التي يجب ان يكون التوجه في هذه الفضائيات مساعداً لرفع قيمة الانسان العربي.
هذه عينة بسيط عن رجل متخم بالمال ومثله الكثيرون من يفتحون فضائيات لا تعالج مشاكل المجتمع بل تزيد من ازماته ولا نجد من يحاسبها بل يكون مرضيا عنها عند القادة والحكومات .
ان اكثر الفضائيات العربية تعيش الان تحت التنورة الانثوية ، والقضايا العربية الملحة الحازمة ، لم يعد لها وجود سوى في نشرات الاخبار وبعض البرامج العابرة ، وان اصغر مطرب له حضور اكبر من قائد سياسي .
الخوف ليس من استقالة (مذيعات الجزيرة ) انهن يستطعن اثبات وجودهن في أي مكان ، لكن الخوف من الجو العام الذي يوجه سهام فشله السياسي والعسكري وتواطئه مع اعدائه نحو المراة ، ذلك الكائن الضعيف الذي يواجه فشل المجتمع وفشل القيادة السياسية باحكام القبضة عليها وانسياقها في طريق الخضوع اكثر واكثر ، حيث تتحول الضحية الى مشروع تنهال عليه القرارات والاهانات ولعنات التخويف والملاحقة والقتل ، لتفريغ عقد البطولات الوهمية، المفقودة في الواقع .
يقال ان عملية قرصنة (اسطول الحرية ) التي قامت بها اسرائيل وما جرى بعدها من نقاش اعلامي ،انقذ فضائية " الجزيرة "من فتح ابواب معركة (الصدق )حول استقالة المذيعات ، لمعرفة الاسباب التي ادت الى تقديم استقالتهن ، اذا كانت الاسباب حول اللباس ، فنحن لن نصدق هذه الفضائية التي لا تتحمل راي مذيعاتها ولم تدافع عنهن ، ان الاشياء الصغيرة تدل على اشياء كبيرة .

شوقية عروق منصور
best_of_star@maktoob.com
الحوار المتمدن

No comments: