Friday, June 18, 2010

خالد قتيل الإسكندرية.. وليس كترمايا

لا يحتاج المصري إلى السفر، كي يلقى مصير خالد سعيد. الموت في مصر مجاني أحياناً، ومتوفر بأشكال متعددة، أبرزها: حوادث السيارات، وأيضاً.. التعذيب على أيدي رجال من الشرطة!
الأقلام التي نعت قتيل كترمايا المصري محمد مسلم، لم تجد ما تقوله تعليقاً على الموت الوحشي للمسكين خالد، الذي خرج ذات مساء إلى «كافيه إنترنت»، يتسلى مع أصدقائه، فلم يعد أبداً.
أحد أصدقاء القتيل هو ـ بالصدفة ـ زميل لي في الجريدة التي أعمل فيها. حكى لي أن والدة خالد صدّقت خبر مقتله حين سمعته، لكنها حين ذهبت إلى المشرحة ارتفع صوتها فرحاً: «الحمد لله ليس ابني.. ليس ابني!». لم تتعرف الوالدة إلى وجه ابنها الذي «تدمّر» تماماً، ولم تعد معالمه واضحة، حتى بعد محاولات ترميمه. الأم الثكلى اعتقدت وقتاً طويلاً أن ابنها حيٌّ يرزق، وسيعود بالتأكيد. وبالكاد، وبصعوبة بالغة، اقتنعت بوفاته حين تم استدعاؤها أكثر من مرة لتحقيقات النيابة.
لم تفلح أي محاولات رسمية معلنة لتفادي الغضب الشعبي حول ما جرى. ولم تنجح البيانات الرسمية في منع مظاهرات حاشدة للمطالبة بفتح تحقيق، بل إن شباباً شاركوا في الاحتجاج ألقي القبض عليهم، وتعرضوا لضربٍ مبرح. لكن النتيجة النهائية جاءت إيجابية، حيث قرر النائب العام إعادة فتح التحقيق في وفاة شاب الإسكندرية القتيل.
صديق خالد أخبرني أنه الوحيد من مجموعة أصدقائه الذي قرّر البقاء في الإسكندرية. رفض تماماً فكرة الهجرة وترك مصر، أو السفر للعمل والعودة بعد حين. كان يرى أن مصر وطن يستحق أن نعيش فيه، وأن لا حياة خارجه!
كلّ جريمة خالد أنه نشر على شبكة الإنترنت تسجيلاً قيل أنه لأحد أقسام الشرطة في الإسكندرية، يظهر الضباط وهم يتقاسمون فيما بينهم مجموعة من المواد المخدرة، تم ضبطها بصحبة أحد المقبوض عليهم، وكان الانتقام بإرسال أمناء شرطة للشاب «لتأديبه». تقول الرواية السائدة أنه قاومهم فانهالوا عليه بوحشية، وتم سحبه على السلالم الرخامية للبناية التي كان فيها، فتهشمت جمجمته.
الاهتمام الرسمي ليس بسبب الغضب الشعبي وحسب، وإنما بسبب مطالبة منظمة العفو الدولية بفتح التحقيق في الجريمة، بل حتى أن متحدثاً باسم وزارة الخارجية الأميركية قال إن واشنطن قلقة بسبب العنف الذي تسبب في وفاة الشاب. الموضوع سيتخذ أبعاداً أكبر إذن، بينما سجّل العنف تجاه المواطنين يزداد، ما يجعل موقف الحكومة المصرية سيئاً أمام الهيئات الدولية فيما يخص احترام حقوق الإنسان.
المنظمات الحقوقية المصرية مستمرّة في التصعيد، وتطالب بمحاكمة المسؤولين عن مقتل الشاب، والوقفات الاحتجاجية تتوالى، برغم موسم الامتحانات وكأس العالم، بـ«تحريض» من المدونين. والشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي يهدي الفقيد قصيدته الشهيرة «المتهم»:
«عشب الربيع مهما اندهس بالقدم
أو انتنى في الريح
بيشب تاني لفوق
يغني للخضرة وطعم الألم
حبيبتي وإن يسألوكي
قولي مسافر بعيد
رايح يقابل العيد
...
القاضي يستغبي
والمتهم بيصر
شمس الحقيقة تحرّ
والمتهم صامد
كل القضاة زايلين
والمتهم.. خالد».
والقتيل خالد، برغم محاولات تشويه صورته أمام الرأي العام.
(القاهرة)

No comments: