كثيرة هى الدلائل على أن تباطؤ الإصلاح السياسى يُضيِّق نطاق حركة نظام الحكم وحكومته وحزبه. فالضرر الناجم عن هذا التباطؤ لا يصيب المعارضة وأنصار التغيير فقط. ولكن أصحاب النفوذ فى نظام الحكم لا يريدون أن يعوا ذلك، بالرغم من توالى المواقف الحرجة التى تواجههم، كما حدث عندما اضطروا إلى تعديل القانون الذى ينظم حالة الطوارئ.
فالقانون المعدل، الذى يبدأ العمل به الاثنين المقبل، ليس مجرد «نيولوك» وقع الاختيار عليه من بين بدائل مريحة كانت متاحة أمام حكومة تريد تعزيز ديكتاتوريتها، فلم يكن هناك بديل آخر إلا مد العمل بالقانون كما هو، بما يؤدى إليه من افتقاد الحكومة ما بقى لديها من مصداقية بعد أن تعهدت قبل أربعة أعوام بتمديده عامين فقط، ثم عادت والتزمت فى مايو ٢٠٠٨ بتمديده لمرة واحدة أخيرة هى التى تنتهى بعد غد.
كما لم يكن بين يدى الحكومة مشروع القانون الجديد لمكافحة الإرهاب الذى وعدت، حينئذ، بإصداره. وهنا، تحديداً، تكمن المعضلة. فقد اضطرت الحكومة إلى مد العمل بقانون الطوارئ نتيجة ضعف الأداء الرسمى وما ترتب عليه من عجز عن وضع مشروع قانون لمكافحة الإرهاب على مدى ما يقرب من أربع سنوات .. نعم أربعة أعوام وليست أربعة أشهر أو أسابيع!
فكان رئيس الوزراء قد أصدر قرار تشكيل اللجنة المكلفة بإعداد هذا المشروع عام ٢٠٠٦، وشرعت هذه اللجنة فى عملها فعلاً. ولكنها اصطدمت بصعوبة التوفيق بين سعيها إلى قانون يوفر للسلطة الأمنية أقصى مقدار ممكن من حرية الحركة لمواجهة الجريمة الإرهابية، ولا يجور كثيرا فى الوقت نفسه على الحريات الفردية والعامة حتى لا يبدو هذا القانون تكريساً لحالة الطوارئ.
ويدل المشهد على أن اللجنة عجزت عن التوفيق بين هذين الهدفين، وخصوصا فيما يتعلق بالإجراءات المتعلقة بمواجهة الجريمة الإرهابية قبل وقوعها، وبصفة أخص مسألة الاشتباه والضوابط اللازمة لها. فبدون ضوابط جدية، يمكن أن يكون كل مواطن معرَّضاً للاشتباه فيه وبالتالى اتخاذ إجراءات فى حقه لمجرد منع وقوع جريمة إرهابية قد لا يكون لها وجود إلا فى عقل من يتخذ هذه الإجراءات.
وبالرغم من أن هذه مهمة صعبة، فهى تنتمى إلى نوع من المعضلات تراكمت الخبرة بشأنه فى عملية التشريع فى مصر نفسها. ولكن تيسير مهمة صعبة من هذا النوع يتطلب انفتاحا على قانونيين أكفاء بغض النظر عن اتجاهاتهم.
وفى مصر قانونيون مستقلون قادرون على المساعدة فى تقديم صياغات توازن بين متطلبات الأمن ومقتضيات الحرية بشكل منضبط، ولكنهم قد لا يكونون موضع ثقة القائمين على هذا الأمر. أما أهل الثقة فقد ظهر عجزهم عن ذلك، ولكن يُحسب لبعضهم أنهم نبهوا إلى خطر إصدار تشريع يكرس حالة الطوارئ أو بالأحرى يجعلها قانونا عاديا.
ويعنى ذلك أن مد العمل بقانون الطوارئ مع تقليص نطاق تطبيقه جاء اضطراراً نتيجة ضعف فى الأداء أو خيبة قوية، وليس اختياراً يهدف إلى حماية ممارسات ديكتاتورية
Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment