Monday, April 20, 2009

يا قُوى الخلاص تعالوا إلى كلمة سواء


الذى يقرأ الصحافة المصرية حكومية وغير حكومية يخرج بإحساس كامل أن كلاً من الفريقين يتكلم عن بلد غير البلد الذى يتكلم عنه الآخر ويخاطب شعباً غير الذى يخاطبه الفريق الآخر
مجموعة الصحف الحكومية - أو ما يقال لها تجاوزاً القومية - تتحدث عن أن كل شىء وردى، وأن التقدم يسير بخطوات متسارعة، وأن التنمية تسابق الزمن، وأن الناس فى رخاء سخاء دار عدن وسائر بلاد المؤمنين على حد تعبير المشايخ يوم الجمعة، وأن المصانع الجديدة تفتح كل يوم، وأن البطالة تتناقص، ذلك فضلاً عن أن الديمقراطية تزدهر، وأن الأحزاب تتنافس وأن كل شىء تمام التمام.
وكذلك فى السياسة الخارجية يبدو واضحاً أن «إيران» هى العدو الأكبر، وأن حزب الله إرهابى، وأن إسرائيل حريصة على علاقتها مع مصر «كأن هذا شرف كبير».
هذا فريق من الصحف يردد هذا الكلام كل يوم بنغمات متفاوتة فى ورديتها، ولكنها جميعاً تصب فى هذا الاتجاه، ولا مانع يمنع أحياناً من عمود أو مقال صغير يتحدث عن جانب من جوانب الحياة السلبية أو يقترح اقتراحاً يوحى بأن هناك بعض القصور فى بعض نواحى الحياة.
والفريق الآخر - فريق الصحف المستقلة وبعض الصحف الحزبية - يعزف نغماً آخر مختلفاً، وهنا أيضاً تتفاوت حرارة النغم من صحيفة إلى أخرى.
هناك من يرى كل شىء حالك الظلام، وأن الدولة تهاوت وتركت وظيفتها لمجموعة من الفاسدين وقطاع الطرق وعتاة الرأسماليين، وأن الأمور تنذر بكارثة قريبة على الأبواب.
ومن هذا الفريق من الصحف من يتمتع بنظرة وطنية موضوعية، وأزعم أن هذه الصحيفة تأتى فى مقدمة هذا الاتجاه وقد تعد أبرز ممثليه.
ونوع من الدراسة المستأنية لصفحة الرأى فى «المصرى اليوم» تجعلنا ندرك مدى الإحساس بالمسؤولية لدى الغالبية الكبرى من كتابها وتجعلنا نحس أيضاً بالخوف فى مواجهة مستقبل مجهول لا تعرف له استراتيجية محددة ولا «بوصلة» تقوده فى أعاصير المحيطات.
ولست أقول هذا الكلام لأنى من كتاب هذه الصحيفة - وإن رأى البعض ذلك - ولكن أقول ما أسمعه من عديد من أطياف القراء فى الشعب المصرى على تعدد مستوياتهم الثقافية وانتماءاتهم الفكرية.
وقد يحسب للنظام الحاكم فى مصر أنه يترك باب حرية التعبير مفتوحاً لكل هذه التيارات، ولعل هذا الأمر هو إحدى علامات الذكاء النادرة فى توجهات هذا النظام الذى بلغ به العقم والترهل مداه.
ومع ذلك فإننى من الذين يحسنون الظن بالشعب المصرى، وأنا أقول دائماً عنه شعب فرّاز، يدرك الغث من السمين وإن كان يمتاز بنوع من طول البال بل السلبية القاتلة فى كثير من الأحيان.
وقراء هذا الشعب - وقد لا يكونون كثيرين - يدركون الكلمة الصادقة ويحترمونها ويقدرون أصحابها.
وإلى جوار أن هذا الشعب «فرّاز» فإننى أكاد أجزم أن المخلصين له ولقضيته ومن أسميهم قوى الخلاص يوجدون أو يوجد عدد منهم - قل أو كثر - فى كل التجمعات وكل الفئات وكل الأحزاب حتى الحزب الوطنى نفسه لا يخلو من عدد من هؤلاء.
كل التيارات فى هذا البلد فيها المخلص وفيها الانتهازى وفيها من يمكن شراؤه بثمن بخس، ومنهم من يعز شراؤه حتى بثروات الأرض كلها.
ولا شبهة فى أن المعدن النفيس نادر وإلا ما كان نفيساً.
وإلى هؤلاء المخلصين فى كل موقع، إلى قوى الخلاص حيث كانوا، إلى كل كتائب التنوير أوجه هذا المقال أدعوهم فيه جميعاً إلى كلمة سواء من أجل هذا البلد الذى أعطانا جميعاً الحياة نفسها، وتحاول الكثرة منا للأسف المر أن تحرمه من الحق فى الحياة الكريمة وتتعمد إهانته كل صباح وكل مساء، أهان الله من يهينون هذا البلد الكريم.
ماذا أقول لهؤلاء الإخوة الذين أدعوهم إلى كلمة سواء من أجل مصر؟
أتصور أننا جميعاً نلتقى على تشخيص الأحوال المتردية التى تعيشها مصر فى كل المجالات السياسية والاجتماعية والإدارية والتعليمية والصحية وغيرها من مجالات الحياة ولكننا بعد التقارب فى تشخيص الحال نقف فرقاء متعددين لا ندرى كيف نتحرك.
لماذا؟
لأننا لم نعط أنفسنا فرصة للقاء والحوار والاتفاق على الحدود الدنيا والمطلوبة والضرورية.
بدأت حركة نحو هذا التجميع بقيادة الراحل الدكتور عزيز صدقى، ولكنها انفرط عقدها بمرضه ثم تفرقت شذر مذر بوفاته، وأظننا الآن فى أمس الحاجة إلى إعادة بناء هذه الحركة بل إلى توسيعها.
وقد طرح البعض منا وثيقة للنقاش بعنوان «من أجل مصر» وأتصور أن مشروع هذه الوثيقة مازال فى خطوطه العريضة صالحاً لأن نجتمع حوله، نضيف ونعدل ونحذف ونغيّر، المهم أن نلتقى على الحد الأدنى كخطوة أولى، ثم كلما تقدم المسار أمكن الالتقاء على نقاط أخرى
وأظن أن كلنا يلتقى على أن مصر فى حاجة إلى عقد اجتماعى جديد يبيح تداول السلطة ويسمح بإقامة الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدنى ويؤكد سيادة القانون واستقلال القضاء ويسعى إلى تعديل سلم القيم الاجتماعية الذى اختل بحيث تدنت قيمة العمل وارتفعت قيمة النهب والفساد والخطف، وهذه بعض جوانب الإصلاح السياسى الضرورية واللازمة.
كذلك أظن أننا جمعياً - أو أكثرنا على الأقل - نؤمن بأن يكون للدولة دور فاعل فى إعادة التوازن الاجتماعى الذى اختل بحكم سيطرة قلة من الأفراد على السلطة والثروة، وأقصت المصريين جميعاً عن كل شىء.
وهذا يدخل فى باب الإصلاح السياسى والإصلاح الاقتصادى معاً.
وما أظن أن أحداً من قوى الإخلاص والخلاص يرضيه حال التعليم على كل مستوياته فى بلادنا فهو حال لا يسر، حتى إن كثيرين من القوى العاقلة فى مجموعة الحكم يرون هذا الرأى ويجاهرون به أحياناً علانية وأحياناً على حذر، والتعليم الذى ينمى العقل الناقد المتطلع هو مفتاح تقدم الشعوب وإذا غاب هذا المفتاح فلا تقدم ولا فلاح.
كذلك أظن أن الجميع يلتقى على أن الأمن هو أمن مصر وليس أمن حفنة من الناس، ومن هنا فإن قوى القمع يجب ألا تستعمل لكبت الناس وإكراههم على ما لا يحبون.
وأتصور أن قوى الخلاص جميعاً تؤمن بمبدأ المواطنة، فالمصريون جميعاً سواسية، لا فرق بين مسلم ومسيحى، بل من ابتدع لنفسه ديناً كالبهائية أو غيرها، الكل مواطن والكل يتمتع بنفس الحقوق وعليه نفس الواجبات.
وأظن أن هذه الأمور تمثل الحد الأدنى الذى يمكن الالتقاء عليه إذا حسنت النوايا، وأظن أنها لابد أن تكون حسنة من أجل هذا البلد.
وقد تكررت الدعوات لإقامة مثل هذا التجمع ولكنها توقفت عند حدود توجيه النداء ولم تتقدم خطوة واحدة للأمام.
ترى لماذا؟ وما الحل؟
أما لماذا، فالأسباب عديدة منها عوامل اليأس والإحباط التى أخذت بتلابيب الكثيرين منا وأفقدتهم الأمل فى كل شىء، ومنها الرغبة فى أن يكون لكلٍ قصب السبق وينتهى الأمر بأن يقف الجميع لا يتحركون قيد أنملة.
والحل فى تقديرى أنه لابد من مؤتمر أو اجتماع فى مكان عام يدعى إليه كل قوى الخلاص فى الأحزاب والتيارات الدينية المستنيرة وجمعيات المجتمع المدنى والأفراد الراغبون ليجلسوا معاً يناقشون ويحاورون ويخرجون بميثاق الحد الأدنى ثم ينطلقون بعد ذلك إلى كل الوسائل السلمية من أجل الضغط على جماعة الحكم لكى تستجيب لمطالب الناس أو ترحل غير مأسوف عليها تاركة مكانها لمن يختارهم شعب مصر العظيم
بقلم د. يحيى الجمل ٢٠/ ٤/ ٢٠٠٩
المصرى اليوم

No comments: