لا تكتمل صورة ثورة 1919 بدون التذكير بدور فخري عبدالنور عضو لجنة الوفد المركزية خلالها وأحد أهم من سجلوا تفاصيلها وأرخوا لها. ولكن إذا كنا ندين له ولمذكراته بفضل كبير في معرفة بعض أهم وقائع ثورة 1919 فهذا دين قليل بالقياس الي دوره التاريخي في كثافة حضور أقباط مصر في هذه الثورة، وفي حزب الوفد خلال تلك المرحلة بشكل عام.
فكان هو أول من تحرك في هذا الاتجاه من خلال فتح نقاش مع أعيان الأقباط ومثقفيهم في نادي رمسيس فتم الاتفاق علي انتدابه ومعه ويصا واصف وتوفيق اندرواس لمقابلة سعد زغلول والتحدث معه في هذا الأمر.
كان فخري عبدالنور مؤمنا بأن الوطنية المصرية لا دين لها ولا عرق وأسفر ذلك التحرك عن اتفاق علي ضم واصف بطرس غالي الي الوفد ثم تبعه كل من سينوت حنا وجورج خياط.
وثمة مايدل علي أن رواية فخري عبدالنور هذه أكثر دقة مما جاء في الوثائق البريطانية وهو أن حنا وخياط سبقا الي عضوية الوفد وبغض النظر عن تدقيق الوقائع التي تفصل بينها أيام قليلة.
فقد قام بدور مشهود في فتح باب واسع أمام اندماج الأقباط في العمل الوطني وارتباطهم التاريخي بالوفد.
وكان عبدالنور من قادة الثورة الذين قاموا بدور مزدوج محلي في بلدته جرجا ومركزي علي المستوي الوطني وقد خرجت أول مظاهرة في جرجا في مارس 1919 من منزله وبقيادته شخصيا.
ولكن الدور الأكثر أهمية الذي قام به في المرحلة الثورية التي استمرت حتي إصدار دستور 1923 كان عبر مشاركته في تأليف الطبقة الثالثة للوفد أغسطس 1922 فكان سعد زغلول قد نظم الوفد منذ البداية في صورة طبقات سرية حتي تتولي الطبقة الثانية القيادة إذا اعتقلت الطبقة الأولي أو حيل بينها وبين أداء مسئوليتها ثم تحل محلها الطبقة الثالثة وهكذا
. ورافق عبدالنور في تلك المهمة التي أديت علي أكمل وجه في لحظة تاريخية عصيبة كان زعيم الأمة منفيا فيها زعماء وفديون أجلاء من بينهم نجيب الغرابلي والمصري السعدي وحسين القصبي ومصطفي القاياتي وسلامة ميخائيلي وكان ذلك بعد القبض علي حمد الباسل وواصف غالي وعلوي الجزار وويصا واصف ومراد الشريعي وجورج خياط ومرقص حنا.
وليتنا نلاحظ كثرة الأقباط بين هؤلاء القادة الذين سجل التاريخ أسماءهم بأحرف من نور عندما واجه بعضهم الحكم عليهم بالإعدام بشجاعة منقطعة النظيري قبل أن يتم تخفيضه الي السجن. وقد أعجب الزعيم الهندي المهاتما غاندي بفكرة الحزب المناضل الذي يقوم علي طبقات وقال انه أخذها عن سعد زغلول الذي عبر عنها أروع تعبير بقوله: »لقد توالي قيام الأبطال مقام الأبطال والسجن يفتح أبوابه لكل حر وعامل للحرية«.
أما الطبقة الثالثة فكان منها فخري عبدالنور والمصري السعدي وحسين القصبي ومصطفي القاياتي وسلامة ميخائيل ونجيب الغرابلي ومحمود حلمي إسماعيل وراغب اسكندر، ومن الطبقة الرابعة حسين حسيب وحسين هلال وعبدالحليم البيلي ومصطفي بكير وإبراهيم راتب وعطا عفيفي. وظلت هذه هي هيئة الوفد برئاسة سعد زغلول حتي رحيله في 23 أغسطس 1927 بالإضافة الي أحمد ماهر بعد تبرئته في قضية اغتيال السردار البريطاني وكانت هذه الهيئة هي التي قادت الوفد الي نصر كاسح في أول انتخابات برلمانية في 12 يناير 1924 وفاز فيها فخري عبدالنور في دائرته التي انتخب نائبا عنها في كل انتخابات حرة أجريت حتي رحيله في 9 ديسمبر 1942 وهو يؤدي واجبه الوطني تحت قبة البرلماني بعد أن أداه في الشارع مناضلا من أجل استقلال مصر وحريتها مرددا الشعار الذي آمن به طول حياته: عاشت مصر لأهلها وعاش الكل لها.
بقلم- د. وحيد عبد المجيد
نقلا عن الوفد
نقلا عن الوفد
No comments:
Post a Comment