نحن مفلسون علي كل صعيد تقريباً من السياسة الي العلم مروراً بالمجتمع والاقتصاد والفكر ،
وبسبب ضآلة عقلنا، يبدو هذا الافلاس بلا حدود.
يعجز عقلنا اليوم عن إدراك ما يعرفه الناس ويمارسونه في كل مكان تقريباً إلا في قليل من البلاد التي تشبهنا.
ومما يظهر هذا العجز واضحاً فيه مسألة الانتماء الذي أخذ يضيق علي نحو يهدد المجتمع الذي يفترض ان يجمعنا، وتلاشي الوطن الذي ينبغي أن يكون هو المناط النهائي لانتماء كل منا.
لقد أدي تضاؤل عقلنا الي تقزيم البيئة التي يندمج فيها معظمنا، فصار لكل منا مجاله الضيق المغلق المحصور في مجتمعه الصغير جغرافيا أو عائلياً وعشائرياً أو دينياً أومذهبياً، وليست البيئة الأوسع والأعم المتمثلة في المجتمع العام.
والمجتمع العام والمجتمع الصغير ليسا بديلين، لأن الانتماء الوطني لا يلغي الانتماءات الأخري، ولكن اذا كان الفرد مستغرقاً في مجتمعه الصغير أو مكتفياً به أو معتمداً عليه في توفير حاجاته، نكون إزاء بيئة اجتماعية لا تساعد علي الاندماج الاجتماعي، في الوقت الذي تهالكت المؤسسات المدنية التي يفترض ان تساهم في تحقيق هذا الاندماج او في الحد من تفكك أوصال المجتمع.
ويتواكب ذلك مع عجز نظام الحكم، الذي يتعرض بدوره للتفكك، عن القيام بدوره في وضع سياسات رشيدة تنطوي علي آليات للاندماج من أعلي تساهم في خلق مقومات الاندماج من أسفل عبر توسع تدريجي في المشاركة في إدارة الشأن العام، وتدعيم دور المؤسسات الوسيطة.
فالإنسان يشارك في أمور وطنه العامة من خلال هذه المؤسسات سواء السياسية كالأحزاب أوالنقابية أو الاجتماعية بأنواعها المختلفة. ومن الطبيعي أن يتسع نطاق المشاركة كلما ازدادت هذه المؤسسات وانتشرت وتنوعت بحيث تستطيع اجتذاب اكبر عدد ممكن من المواطنين اليها، فمن خلال هذه المشاركة يشعر الفرد بمواطنته ويدخل في علاقة مع غيره علي أساس المواطنة،
فالحزب السياسي، مثلاً، يجمع أعضاء من أديان وأعراق ومناطق جغرافية مختلفة، ما لم يكن مغلقاً علي فئة بعينها من فئات المجتمع، وكذلك الحال بالنسبة الي النقابة التي تضم أبناء المهنة الواحدة من مختلف هذه الفئات.
وبدون أحزاب متحررة من القيود، ونقابات فاعلة بمنأي عن الضغوط، يظل خطر تفكك المجتمع وتلاشي قيمة الوطن ماثلاً أمامنا.
بقلم / وحيد عبد المجيد
نقلا عن الوفد المصرية
No comments:
Post a Comment