Saturday, February 21, 2009

نزع الشرعية عن الإرهاب

ترقد تسع جثث، جميعها جثث رجال، داخل مشرحة تابعة لأحد مستشفيات مدينة مومباي منذ 29 نوفمبر (تشرين الثاني). وقد تبقى هذه الجثث لمدة، حيث لا ترغب أي مؤسسة خيرية إسلامية محلية في دفنهم داخل المقابر التابعة لها. والجثث التسع هي لإرهابيين مسلمين باكستانيين قاموا بعمليات قتل في مومباي في 26 نوفمبر (تشرين الثاني)، في هجوم قيل إنه يشبه هجمات 11 سبتمبر (أيلول).
بلغ عدد من قُتل وجُرح على أيدي الإرهابيين أكثر من 170 شخصا، وكان من بينهم 33 مسلما والعشرات من الهندوس، بالإضافة إلى مسيحيين ويهود. كانت عملية قتل من أجل القتل وفقط.
الجثث التسع ما زلت داخل المشرحة لأن قيادات المسلمين في الهند أطلقوا على هؤلاء اسمهم الحقيقي، فقالوا إنهم «قتلة» وليسوا «شهداء»، ويرفضون السماح بدفنهم في المقابر الرئيسة للمسلمين في مومباي، وهي مقابر تمتد على مساحة 7.5 فدان في بادا كابرستان، وتديرها مؤسسة «جامع مسجد» الإسلامية.
قال حنيف نالخاند، المتحدث باسم المؤسسة، لصحيفة «التايمز» في لندن: «لا يمكن القول بأن من ارتكب هذه الجريمة الشنيعة مسلمون». وفي النهاية يفترض أنه سيتعين دفنهم، ولكن ما زال مسلمو مومباي على إصرارهم.
ويقول إم جاي أكبر، المحرر المسلم الهندي لجريدة «كوفرت» الهندية: «يشعر المسلمون الهنود بالفخر لكونهم هنودا ومسلمين، والإرهاب الذي وقع في مومباي كان حربا ضد الهند والإسلام.
لا يوجد مكان للإرهاب في العقيدة الإسلامية، ويصف القرآن قتل المدنيين بأنه (فساد).
الإرهابيون فاسدون، وليسوا جهاديين.
وفي آية رائعة يقول القرآن إن قتل مدني واحد كأنه قتل لمجتمع كامل.
وحيث إن الإرهابيين ليسوا هنودا وليسوا مسلمين حقا، فلا حق لهم في الدفن بطريقة إسلامية في مقابر المسلمين في الهند».
من المؤكد أن المسلمين في مومباي عبارة عن أقلية معرضة للمخاطر في دولة غالبيتها من الهندوس، ومع ذلك موقفهم المتحدي بصورة جلية للإرهابيين الإسلاميين جدير بالملاحظة.
يتجلى هذا الموقف معاكسا لمشهد كئيب لقتلة انتحاريين غالبيتهم من المسلمين السنّة ، يهاجمون المدنيين في المساجد والأسواق، بدءا من العراق إلى باكستان إلى أفغانستان، ومع ذلك تتعامل معهم وسائل الإعلام العربية السائدة، مثل «الجزيرة» أو القيادات الروحية الإسلامية المتطرفة والمواقع الإلكترونية، على أنهم «شهداء» يستحق فعلهم الثناء.
لم يفضِ تمجيد أو تبرير ما يقوم به المسلحون الانتحاريون ووصفهم بأنهم «شهداء» إلا إلى هذه الظاهرة المخيفة، ظاهرة تجنيد النساء والرجال المسلمين لقتل أنفسهم مع آخرين، تلك الظاهرة التي تزداد يوما بعد آخر.
وما بدأ بطريقة مستهدفة في لبنان وإسرائيل انتشر في الوقت الحالي ليصبح حدثا أسبوعيا تقريبا في العراق وأفغانستان وباكستان
. إنه تهديد في مجتمع مفتوح، لأنه حين يحوّل الناس أنفسهم إلى قنابل لا يمكن ردعهم، وتتطلب الجهود اللازمة لمنعهم الشك وتفتيش كل شخص يشارك في أي فاعلية عامة.
ويمثل ذلك تهديدا، خصوصا للأقليات المسلمة، فلا يمكن بناء مجتمع سليم على أساس من الانتحاريين، هدفهم الوحيد هو نشر الدمار بقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين دون تمييز.
وإذا ما نظر إلى القتل الانتحاري على أنه شيء مشروع في مجتمع ما، عند مهاجمة «أعدائه» في الخارج، فإنه سوف يستخدم في نهاية المطاف كوسيلة ضد «الأعداء» في الداخل، وهذا بالضبط ما حدث في العراق وأفغانستان وباكستان.
والطريقة الوحيدة الفعالة لوقف هذا الاتجاه بالنسبة للمجتمع المسلم نفسه هي قول «كفى»، فعندما تقوم الثقافة المجتمع وعقيدته بنزع الشرعية عن هذا السلوك، بصورة واضحة متساوقة، فإن ذلك أكثر أهمية من أجهزة الكشف المعدنية وتعبئة عدد أكبر من الشرطة.
الدين والثقافة هما العنصران الأكثر أهمية من فرض قيود داخل المجتمع، وهذا ما يجعل المسلمين في الهند، الذين يمثلون ثاني أكبر تجمع للمسلمين في العالم بعد مسلمي إندونيسيا، وهو تجمع ذو نسق ديمقراطي عميق، يقدّمون خدمة كبيرة للإسلام بنزع الشرعية عن القتلة الانتحاريين، عندما رفضوا دفن جثثهم.
لن يوقف ذلك هذه الظاهرة بين عشية وضحاها، ولكنه يمكن أن يفيد بمرور الوقت.
قال راشد ألفي، وهو عضو مسلم في البرلمان الهندي عن حزب المؤتمر الهندي: «يستحق مسلمو مومباي التهنئة لاتخاذهم هذا القرار الهام، فالإسلام يقول إنه إذا قمت بالانتحار فإنك سوف تعاقب بعد الموت».
وبصورة جزئية وقف المسلمون الهنود بهذه الطريقة لأنهم عاشوا في مجتمع تعددي ديمقراطي وكانوا ثمرة هذا المجتمع، كما أنهم يستقون به.
لم تجبرهم قيادات دينية متطرفة، ولا يخشون الحديث ضد التطرف الديني
. لم ينضم سوى عدد قليل من المسلمين الهنود إلى تنظيم القاعدة، هذا إن كان هناك من قام بذلك فعلا، ولذا فإنه على الرغم من التكلفة الباهظة والنتيجة غير المؤكدة للسعي من أجل بناء مجتمعات تعددية جديرة بالاحترام في أماكن مثل العراق، فإن هذه ليست خطوة مجنونة كما يبدو، حيث إنه دون مجتمعات عربية مسلمة يشعر فيها الأفراد بأنهم يملكون حياتهم، وأنهم قادرون على الأخذ على يد التطرف داخل المجتمع، سواء عسكريا أم فكريا، لن يمكن القضاء على هذه الظاهرة
نقلا عن الشرق الاوسط

No comments: