"السيد حسن نصر الله" كان بصوته الغاضب (هكذا أراد أن نقيّم حاله) يهاجم أم الدنيا "مصر"..
كان السيد يعاتب بلدا قدم خير أبنائه شهيداً في سبيل تحرير فلسطين وأرض العرب المحتلة.
ومثل سيد المقاومة مثل أولئك الذين علّمتهم مصر ألفباء النضال والمقاومة والتضحية.
مصر التي حققت النصر الوحيد في تاريخ الأمة المعاصرة. كان السيد حسن يريد أن يعلّمها المقاومة!!
"إنه عصر حزين، عصر العنتريات والشعارات الطنانة الفارغة، عصر العربدة وصواريخ شهاب والقسام".
لقد كان "بلوتارخ" المؤرخ اليوناني الشهير، هو اول من أشار في الفصل الأخير لـ"حياة الرجال المعروفة" إلى أن عصر العمالقة بات في نهايته بحيث (لا ترى رجالاً بمستوى "سيروس الأخميتي" و"مهرواد الأشكاني" و"الملك مهرداد شهريار بلاد البونت -الواقعة بين آرمينيا وجورجيا حينذاك- وجوليوس سيزار ورامسيس، بل ثمة قصيري قامة يتولون مصير الأمم.
خلال العقدين الخامس والسادس للقرن العشرين، كان العالم بحاجة إلى "بلوتارخ" جديد كي يكتب عن العمالقة ممن حددوا بحضورهم مصير الشعوب والفنون، الثقافة والغناء، الرياضة والموسيقى، السينما والمسرح والشعر والأدب.
ولنلق نظرة سريعة إلى العقدين المذكورين في منطقتنا فقط، في إيران، كان رجال السياسة من أمثال الدكتور محمد مصدق قائد ثورة تأميم النفط وأحمد قوام "قوام السلطنة" الذي أعاد آذربيجان وكردستان إلى أرض الوطن.
وعساكر إيران كانوا من أمثال الفريق حاجعلي زرم آرا والفريق شاه بختي واللواء قره ني، وفي الأدب والشعر كانت سماء الثقافة مليئة بنجوم مثل ملك الشعراء بهار وينما يوشيج وأحمد شاملو وفروغ فرخزاد.
وصحافة إيران كانت تتصدر صحافة الشرق بوجود صحفيين بارزين أمثال الدكتور حسين فاطمي (وزير خارجية مصدق) وعباس مسعودي مؤسس "اطلاعات" والدكتور مصباح زادة وعبد الرحمن فرامرزي مدير ورئيس تحرير "كيهان" وعباس بهلوان والدكتور محمود عنايت وغلام حسين صالحيار والدكتور سمارو... أبطال إيران في الرياضة كانوا من أمثال غلام رضا تختي البطل العالمي في المصارعة ومحمود نامجو بطل رفع الأثقال وبيوك جديكار نجم كرة القدم، وساحة الموسيقى والغناء كانت تعتز بوجود روح الله خالقي ومرضية ودلكش ومرتضى تجويدي وحسين وبرويز ياحقي وجواد معروفي والأستاذ عبادي و...
أما الحوزة الدينية فكان عدد عمالقتها يفوق العشرة من المرجع الأعلى المرحوم حسين علوي البروجردي وصدر الدين الصدر وحسن الطباطبائي القمي ورضا زنجاني إلى شريفة مداري وغولبايغاني وأرباب والسيد أحمد خونساري ومحمد بهبهاني والسيد أبو القاسم الكاشاني.
وفي العراق كانت درر القوافي تنتشر في ساحة الأدب بقصائد معروف الرصافي ونازك الملائكة والجواهري وعبد الوهاب البياتي، ورجال السياسة كانوا من أمثال نوري سعيد باشا وصالح جبر ومحمد الصدر، بينما ناظم الغزالي كان يحتل قلوب الملايين حين عبوره من جسر "المُصيّب" ووقوعه في حب "ميهانة".
رجال الدين في النجف كانوا يمثلون العراقة والتاريخ والأرستقراطية الشيعية، وها هو الحكيم سليل سلالة الحكماء، والأصفهاني صاحب فتوى التُنباك والنائيني صاحب الفتوى الشهيرة ضد الاستبداد وحماية الثورة الدستورية في إيران
. أما جنرالات الجيش فكانوا من طائفة عبد الكريم قاسم والشواف والجنرال الملا مصطفى البارزاني. وغرباً كنا نرى في الصحف صور شكري القوتلي وهو يعانق جمال عبد الناصر،
فيما قصائد نزار قباني، كانت بوابتنا نحو الحب والحماس الوطني. عبد الحميد سراج، يوسف زوعين، نور الدين الآتامي، إبراهيم ماخوس، ذهبوا جميعاً بمجيء الجنرال العلوي حافظ الأسد.
أما لبنان فقد عرفتنا على صوت الملائك بظهور السيدة فيروز فهي تغني "يا مرسال المراسيل"، علمتنا بيروت الصحافة والأدب بحيث ظل علم الشعر الذي رفعه جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي في الاغتراب مرفوعاً في أيدي سعيد عقل وميخائيل نعيمة ومجلة الشعر والجامعة الأمريكية.
ولم يكن للفجر أي طعم بلا افتتاحيات ميشال أبو جودة وكامل مرّوة وغسان التويني، لبنان كان عملاقاً بوجود كمال جنبلاط وكميل شمعون وبيير جميل وتقي الدين الصلح وصائب سلام ورشيد كرامي وأسرة الخليل والكاظم والأسعد. حينما غاب العلامة شرف الدين، حل مكانه الإمام موسى الصدر أقرب صديق لبطريارك معوشي وشيخ العقل أبو شقراء والمفتي حسن خالد.
وماذا أقول عن مصر، مصر صلاح عبد الصبور وهيكل والتوأمان أمين، مصر الضباط الأحرار وتأميم القناة، مصر في ليالي الخميس نهاية كل شهر وسيدة الغناء أم كلثوم فهي تغني: "سمعت صوتاً هاتفاً في السحر نادى من الغيب غفاة البشر "، وعمر الخيام النيسابوري يمتدح أحمد رامي بترجمته الأمينة لرباعياته.
ماذا أقول عن السودان، فها هو إسماعيل الأزهري وشرفاء وادي النيل والمهدي الذي هزم الاستعمار والخاتميين!
وانظروا اليوم إلى بلداننا، هيفا وهبي في لبنان حلت مكان فيروز وحسن نصر الله احتل كرسي الإمامين شرف الدين وموسى الصدر، فيما ممثل الولي الفقيه الشيخ نعيم قاسم يأمر بمصادرة بيت "الأمين" وسحب لقب مفتي صور وجبل عامل من "علي" بعد وصول الأوامر بتعيين هاشم صفي الدين مفتياً أعظم.
لقد ودّعنا أبو عمار وهو برفقة محمود درويش، يبكيان على أطفال غزة وسقوط مستوى القيادة إلى حد الأبوات "البطن" و"بزّون" و"المحتال" و"المشاعل"!
انظروا إلى فلسطين، إنه منظر حزين، في غياب الشعور وانتشار الشعار، في عهد دولارات الولي الفقيه التي تشتري الضمائر وتصنع صواريخ القسّام التي مقابل سقوط كل منها في المستوطنات اليهودية، يسقط 50 فلسطينياً قتيلاً أو جريحاً بصواريخ وقنابل إسرائيلية.
أبو مازن يبكي على شهداء غزة وخالد مشعل يوجه تبريكاته إلى ولي أمره في أم القرى (طهران) بمناسبة تجاوز عدد شهداء غزة 400 شهيد.
أنظروا إلى وطني إيران حيث لا يزال يتذكر الدبلوماسي السابق حسين موسويان، والمساعد السابق لوزير الخارجية هادي نجف آبادي ليلة وصول "روبرت مكفارلن" و"الكولونيل أوليفرنورت" ومسؤول الاستخبارات الإسرائيلية "الجنرال عميرا ونير" ومعهم كعكة عيد الميلاد ومسدس بعيار 40 ملي ومنظومة صواريخ "هوغ" وقطع غيار طائرات فانتوم، عائدة من مستودعات الجيش الإسرائيلي في صحراء النقب.
ذهب "مصدق" ليحل مكانه محمود أحمدي نجاد، وغاب السيد كاظم شريعة مداري كي يجلس على كرسي المرجع الأعلى، ناصر أبو المكارم صاحب مصانع السكر في ديزفول.
وضع القدر نقطة الختام على ذمة حياة الجنرال العملاق المشير فريدون جم، ومنح عصا قيادة العسكر إلى الطبيب البيطري حسن فيروز آبادي أسمن جنرالات العالم وأقلهم معرفة بفنون الحرب وآلات القتال. انتقل الشاعر العملاق أحمد شاملو إلى جوار ربه مثل نزار قباني ومحمود درويش، ليحل مكانه شاعر مدائح ولاية الفقيه أحمد عزيزي، وآصف شوكت ومحمود الزهار!
وماذا سيكتب مؤرخو جيلنا بعد عشرين عاماً عن العصر الذي يقود جيش الشعارات الإعلامية الثورية دول ذات علاقات جذرية، سرية وعلنية مع إسرائيل وتستضيف الأسطول والطائرات الأمريكية.
ماذا سيقول أبناؤنا عن الجيل الذي حارب إسرائيل عبر الفضائيات والإنترنت، وفي كل مواجهة مع "العدو الصهيوني" أطلق مليون قذيفة شتم ومليوني صاروخ لعن.
جيل ملأ الشوارع بطهران وتيمبوكتو والخرطوم وإسطنبول بتعليمات صادرة عن القصر الرئاسي بمملكة الولي الفقيه.
ولنفترض أن عبد الناصر وحسين الشافعي وعلي صبري والسادات وأم كلثوم وصلاح عبد الصبور وأسمهان وعبد الوهاب وعلي أمين والنحاس باشا ومحمد عبده والمشير أحمد إسماعيل يجلسون الآن أمام شاشات التلفاز ويستمعون إلى سيد المقاومة يهاجم مصر، البلد الذي قدم خير شبابه فداءاً لفلسطين، البلد الذي أغنية ابنته الثائرة، بكلمات خرجت من قلب وعروق نزار قباني، استطاعت إعادة الروح إلى جسد الأمة غداة الهزيمة "أصبح عندي الآن بندقية".
ماذا سيقول أحفادنا عن أمة مصابة بمرض النسيان التاريخي، أمة لا تُميّز ولا تفرّق بين المُعمّمين المحتالين والمُعلّمين المخلصين، بين الزيف والحقيقة والشعور والشعار، بين الإيمان والكفر، الحب والهوس.
إنه زمن غريب، مذهل ومخجل، مصر حرب رمضان، باتت اليوم مستهدفة من قبل زعيم حزب ولاية الفقيه بضاحية بيروت الجنوبية، ومحمود عباس بعد ستين عاماً من النضال، أصبح اليوم هدفاً لعنتريات أبو المشاعلة وأبو الزهر وأبو القسام.
هيهات يا ظلمة يا أحفادنا ممن لم تفتحوا عيونكم بعد، يُرجى قبول اعتذارنا، إننا أمة ساقطة، أمة وقعت في حب وهم التحرير ودخل صحفيوها التاريخ بحذاء منتظر الزيدي، أمة تعتبر جريمة بن لادن والظواهري في 11 سبتمبر/أيلول بقتل 3000 أو أكثر من الناس الأبرياء انتصاراً أكبر من فتح إسبانيا من قبل المسلمين الأوائل،
أمة تبكي يوم انتقال المجرم أبو مصعب الزرقاوي إلى الجحيم وتطلق صفة الشهيد على صدام حسين الذي قتل خمسة آلاف كردياً في حلبجة بكيماويات مزدوجة ناهيك عن مئة ألف شيعي وكردي وسني ومسيحي وصابئي وايزدي استشهدوا في عهده على أيدي علي الكيماوي وماهر عبد الرشيد والتكارتة البعثيين.
أمة لا يهمها تدمير نصف بيروت وحرق مكتبة الأشرفية ونسف دار الأوبرا وألف شهيد من أجل عيون أهالي ولاية الفقيه وولاية البعث ممن أصدروا الأوامر لخطف جنديين إسرائيليين.
نعتذر منكم يا أحفادنا قبل ولادتكم، نعتذر لجهلنا ولتخلفنا، نعتذر لأننا قتلنا العمالقة الواحد نحو الآخر ورفعنا صور المحتالين.
منعنا بث شريط نزار قباني وهو يقول: قتلناك يا آخر الأنبياء وكم من رسول ذبحناه وهو يصلي صلاة العشاء ... أمر قائد الأمة بمصادرة دواوين حافظ الشيرازي وعمر الخيام واسطوانات فيروز لا سيما "زهرة المدائن"، وأم كلثوم كما حظر صعود جمال الدين الأفغاني الأسد آبادي والشيخ محمد عبده والشيخ محمود شلتوت والمفتي حسن خالد وشيخ العقل أبو شقراء والإمام مومسى الصدر والكاردينال معوشي وآيات العظام محسن الحكيم وحسين البروجردي وكاظم شريعة مداري والشيخ أمجد الزهاوي إلى المنبر، بحيث بات بأمره منبر الخطابة وإمامة صلاة الجمعة ملكاً لحسن نصر الله ونعيم قاسم وأحمد حنبتي ومقتدى الصدر ومحمد نزال وأيمن الظواهري والملا عمر زعيم الطالبان.
بقلم: د. علي نوري زادة
نقلا عن العربية.نت
No comments:
Post a Comment