Thursday, May 15, 2008

نهاية تجربة حزب الله

لم يتوقف كثيرون أمام مفارقة دخول حزب الله في معركة مفتوحة ضد إسرائيل، منذ ما يقرب من عامين، سقط فيها ما يقرب من ألف شهيد، ودمر كثير من الممتلكات العامة والخاصة، رغم أنه البلد العربي الوحيد غير المحتلة أرضه، بل نال شرف تحريرها بالمقاومة، في الوقت الذي مازالت هناك نظم عربية أخري لا تطلق رصاصة واحدة علي إسرائيل، رغم أنها تحتل أرضها منذ ما يزيد علي أربعة عقود.
والواضح أن الحرب التي دخلها حزب الله في يوليو ٢٠٠٦ لم تكن بريئة تماماً، أو لوجه الله والوطن (يمكن مراجعة ما كتبناه في هذا الإطار في «المصري اليوم»، وفي صحيفة «لوبوان» الفرنسية بتاريخ ٢٧ يوليو ٢٠٠٦) وأنه كان من أهدافها الرئيسية تغيير ميزان القوي الداخلي، وفتح الباب أمام حزب الله للهيمنة علي النظام السياسي اللبناني، مستغلا صموده أمام آلة الحرب الإسرائيلية، وعدم توقعه - كما قال زعيمه - عنف الرد الإسرائيلي.
والمؤكد أن تجربة حزب الله «ما بعد المقاومة» لا تختلف كثيرا عن تجارب نظم وتنظيمات سياسية وعقائدية كان لديها، في فترة من الفترات، حلم ونقاء ثوري، وبعضها ناضل ضد نظم مستبدة، والبعض الآخر ناضل ضد احتلال أجنبي، وبعد وصولهم إلي السلطة تحولوا إلي نظم استبدادية بامتياز، ولنا في تجربة حزب البعث نموذج صارخ لهذا التحول، وكثير أيضا من تجارب التنظيمات الإسلامية والماركسية وغيرها.
صحيح أن حزب الله لم يصل إلي السلطة إنما شارك فيها، لأن لبنان لا توجد فيه سلطة بالمعني الذي نشهده في باقي البلدان العربية، فالدولة ضعيفة وهشّة، والطوائف والمذاهب أقوي من الأحزاب، ومؤسسات الدولة، ولكنه بالتأكيد مارس ما فعلته هذه النظم الثورية في الشارع ،وفي مواجهة الخصوم السياسيين. فهناك مرحلة المقاومة والصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وهناك مرحلة عقاب الشعب اللبناني بوقف عقارب الساعة عند مرحلة المقاومة، وتجاهل التحديات الجديدة بصلف واستعلاء.
فحين يطالب مواطن عربي أو لبناني، أحب حزب الله، بالديمقراطية والسلم الأهلي، يقال له: اصمت لأننا نقاوم العدو الصهيوني، وحين يرغب آخر أن يعيش اللبنانيون مثل باقي شعوب الأرض بسلام يقال له: اخرس أنت عميل لأمريكا وإسرائيل. تماما مثلما فعلت نظم الاستبداد العربي حين لم تسمح لأحد بأن يتنفس، علي اعتبار أنها نظم صامدة تخوض معارك تحرير وهمية بالشعارات وليس في الواقع.
والمؤكد أن حزب الله كان حزبا عقائديا جادا، ناضل ضد الاحتلال الإسرائيلي، ونجح بمشاركة قوي من كل الطوائف والتيارات السياسية في دحر الاحتلال في عام ٢٠٠٠، ثم توقفت عقارب الساعة عند هذا التاريخ، ووصل غرور قادة الحزب إلي حد الصلف، لأن لديه أقوي ميليشيا في لبنان، وليس لأنه قاوم الاحتلال منذ عقد من الزمان، لأن المقاوم الحقيقي لا يتحدث بتلك اللغة.
لقد تناسي حزب الله أن مقاومة إسرائيل الحقيقية ستأتي حين يصبح لبنان نموذجاً للتعايش المذهبي والازدهار الاقتصادي والديمقراطية السياسية، ويصبح بالتالي، أو النتيجة، هو الطرف الذي يجب أن يكون الأكثر إصرارا علي خلق هذا النموذج، وأن يقدم أكبر تنازل ممكن تجاه الأطراف الأخري، لأنه هو الوحيد الذي احتفظ بسلاحه بعد التحرير، ولكنه فعل العكس تماما، وتجاهل أن قبول معظم اللبنانيين استثناءه كان راجعاً لوجود دولة عدوانية مجاورة، اسمها إسرائيل تمثل، استثناء آخر من كل القوانين والأعراف الدولية، وليس من أجل قتل خصومه السياسيين والاعتداء علي ممتلكاتهم كما، جري طوال هذا الأسبوع.
لقد قامت ميليشيا حزب الله والعناصر الحليفة لها بممارسات شديدة الهمجية والعنف بحق أهالي بيروت، وحرقت مؤسسات إعلامية ليس بها سلاح، ووصل التبجح بإحدي مذيعات قناة «المنار» أن أعلنت: «الآن سكت صوت قناة...»، وكالت لها الشتائم والاتهامات في مشهد مخز في التعامل مع الإعلام والخصوم السياسيين مهما كان الرأي فيهم، ومهما كان الاتفاق والاختلاف معهم.
لقد أخرج حزب الله طاقة من الكراهية والتعصب تجاه كل الطوائف اللبنانية، وتحوّل سلاحه - كما جري مع نظم عربية كثيرة - إلي سلاح ضد الشعب، وعلي كل من يتوهم أن حزب الله قادر، بعد ماجري في بيروت، علي أن يطلق طلقة واحدة علي إسرائيل أن يراجع حساباته، فقد تحول إلي نموذج مكرر لكل نظم الصمود والتصدي التي عرفناها في العالم العربي علي مدار العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي، واجتهدت جميعها في محاربة بعضها البعض، رغم أن هدفها كان محاربة إسرائيل، ولم تطلق عليها طلقة واحدة.
صحيح أن حزب الله حارب إسرائيل، وصحيح أيضا أنه أكثر جدية من هذه النظم، ولكنه اختار أن يتمسك بنفس منطقها وليس بالضرورة كل طريقتها، وتناسي كيف قام النظام السوري بهدم مدن بكاملها علي رؤوس من فيها، لأن هناك تنظيماً مسلحاً خرج عن طوع الدولة، ومع ذلك حرص معظم اللبنانيين علي أن يحتفظ حزب الله بسلاحه، اعترافا بدوره التاريخي، قبل أن يحوله إلي صدورهم، ويختطف بالإكراه طائفة بأكملها خلف خطابه ومقولاته في مشهد لا نجد له مثيلاً مع باقي الطوائف الأخري،
فالسنة في لبنان منقسمون سياسيا ًرغم أن جانباً كبيراً منهم خلف تيار المستقبل، والمسيحيون جانب منهم في الحكم وآخر في المعارضة، والدروز كذلك، إلا الشيعة الذين اختطفهم حزب الله، مستخدما أساليب أخري غير الإقناع الفكري والسياسي، لأنه أمر ضد الطبيعة الإنسانية نفسها أن يصبح هناك حزبان طائفيان (حزب الله وحركة أمل ) يحتكران تمثيل شيعة لبنان.
من المؤكد أن تجربة حزب الله في المقاومة كانت تجربة مشرقة، وأنه كان يمكن لحزب الله أن يبتكر أساليب أخري لتجديد خطاب المقاومة وممارساتها، ولكنه لم يفعل، لأن له أجندة أخري في الداخل والخارج ليس لها علاقة بنقاء مشروع المقاومة.
وقد يري الكثيرون أن حزب الله مازال أفضل من آخرين في لبنان، وقد يكون ذلك صحيحا، لكن التحول الذي حدث بعد غزو بيروت، وبعد هذا الخطاب الاستعلائي والمستفز لحسن نصر الله، جعله طرفا مثل الباقين (بصرف النظر عن الأفضلية النسبية) سقط عنه تماما تطهر المقاومة ونقاؤها، وأصبح هذا الماضي المشرق مجرد ورقة دعائية تستخدم في قهر الخصوم من أبناء الشعب اللبناني
بقلم د.عمرو الشوبكى ١٥/٥/٢٠٠٨
elshobaki@ahram.org.eg
المصرى اليوم

No comments: