Saturday, December 15, 2007

العلمانية والمواطنة

دعا الكاتب النيجيري «وول سوينكا» الحائز علي جائزة نوبل للآداب إلي الاعتماد علي مبادئ الديمقراطية العلمانية في مواجهة التشدد الديني الذي انتشر في كثير من البلدان الإفريقية، وذلك في مؤتمر الديمقراطية وحقوق الإنسان في إفريقيا الذي نظمه المجلس القومي لحقوق الإنسان في القاهرة،
وطرح «سوينكا» بذلك أم القضايا الذي يدور بشأنها الصراع علي الصعيدين الفكري والحقوقي بين القديم والجديد.وتبرز الحاجة لمبادئ الديمقراطية والعلمانية بصورة ملحة لأن انتشار الأصولية في الديانات كافة أصبح ظاهرة عالمية معقدة ارتبطت بالعولمة الرأسمالية ونزوعها لتنميط العالم واخضاعه روحيا لنسق واحد مهيمن.
وانبعثت من الفكر الإسلامي مجددا مسألة الدولة الدينية حيث يجري الصراع بين اتجاهين منذ بداية النهضة : الديني والعلماني.
وكان نشوء الدولة الحديثة يحمل في طياته بذور هذا الصراع منذ ما قبل سقوط دولة الخلافة الإسلامية مطلع القرن الماضي.
والدولة الدينية التي يدعو لها مشروع البرنامج الأخير للإخوان المسلمين في بلادنا هي نقيض الدولة الديمقراطية لأن كل السلطات تتداخل فيها ويجري ممارستها جميعا باسم المقدس المتعالي وغير البشري والذي لا تمكن مناقشته أو رده، وتنشأ المفارقة هنا من أن الذين يحددون هذا المقدس المتعالي هم بشر يضعون أنفسهم بقوة السلطة والثروة والدين فوق البشر الآخرين، وهنا يتولد استبداد مركب كان تاريخيا أشد عنفا من الاستبداد الذي لا يخلع علي نفسه القداسة
.تنزع الدولة الدينية السلطة عن المجتمع وتحيلها إلي الدين، وتحول الفقه الذي هو اجتهاد بشري وعقلي محض إلي مقدس يحكم علاقات البشر بعد مئات السنين من موت صناعه تغيرت فيها الأحوال ونشأت احتياجات وعلاقات جديدة.أي أن الدولة الدينية تضع حبالا حول المجتمع ساعية لجره إلي الخلف، ولأن قانون التطور يأبي الانصياع تنشأ صراعات مشوهة طائفية وعرقية تدفع بالصراع الاجتماعي الأصلي إلي الوراء.
وتخاصم الدولة الدينية الحريات العامة من حرية الفكر والتعبير والتنظيم والاعتقاد وبخاصة حرية المرأة، وتزنها جميعا بميزان الدين، وهي لا تعرف مفهوم المواطنة ولا تعترف به لأن المواطن في نظرها هو المؤمن، وفي حالتنا هو المؤمن المسلم الذكر أي أن أصحاب الديانات الأخري أوغير المؤمنين أوالنساء ليسوا جميعا مواطنين، بل إن كل المواطنين هم رعايا للسلطان أو الخليفة مشدودة مصائرهم وحرياتهم إليه بخيوط القداسة وبامتلاكه هو للحقيقة المطلقة التي يستمدها من وضعه باعتباره مفوضا من الله
.والدولة الدينية لا تعرف الفرد ولا تعترف به، وإنما هي تتعامل مع جماعة المؤمنين، وقد كانت مثل هذه الدولة وما تزال مفرخة لكل أشكال التسلط والاستبداد والعقوبات البدنية الوحشية ومصادرة الحرية ومعاداة الفن والفكر،
ولنا في أفغانستان تحت حكم طالبان وفي السعودية والسودان تحت حكم الإسلاميين نماذج بالغة الدلالة.وفي ظل مثل هذه الدولة تنتعش كل الروابط الإثنية والطائفية والمذهبية أي ما يمكن أن نسميه بالما تحت قومية علي حد تعبير السياسي الفلسطيني عزمي بشارة.
والدولة العلمانية نقيض الدولة الدينية لا تناطح المسلمات الدينية ولا تلغيها فضلا عن أنها لا تستطيع ولا تدعو للالحاد، علي العكس مما يدعي خصومها من أصحاب المصالح في الاستبداد باسم الدين، ولكنها تفصل الدين عن الدولة والسياسة ، وهي ليست فلسفة إنما أداة لتسيير العلاقات في الدولة علي أساس المواطنة فلا يكون من حق أحد أن يقتحم باسم الدين الحقوق المدنية والأمور الدنيوية المتغيرة، فالسياسة متغيرة والدين ثابت، وترجمة ذلك في العلاقة بين الدولة ومواطنيها ألا يكون للدولة دين فهي لا تصوم ولا تصلي علي حد تعبير نصر حامد أبو زيد،
والدين لابد أن يظل علاقة بين الإنسان وربه لأن خلاص النفوس من شأن الله وحده الذي لم يفوض أحدا في أن يفرض علي أي إنسان دينا معينا، لذا تشترط العلمانية والديمقراطية حرية الاعتقاد.
قال مهاتير محمد رئيس ماليزيا السابق إنني مسلم علماني ولا أري تناقضا في ذلك معبرا عن مستوي التطور في الإسلام الأسيوي، ومع ذلك فقد كان سؤال هل يمكن علمنة الإسلام وما يزال سؤالا شائكا اخترق فكر النهضة ولم يتوصل المفكرون والمجتمع العربي كله إلي إجابة شافية، بل وصلت كل محاولات التفكير من داخل الدين في قضايا العلمانية والمواطنة وحقوق الأقباط والنساء إلي طرق مسدودة، وأودت بحياة البعض وتهديد آخرين بالقتل وتهميش الانتاج الفكري للباحثين وعزلهم، وهو ما يعني لا فحسب أن المؤسسة التقليدية السلفية والأصولية التي انتعشت ماتزال قوية وراسخة، ولكنه يعني أيضا أن هناك مشاكل قوية في كل من الفقه والفكر الديني.
أن الحل العلماني الديمقراطي لمسألة السياسة والدين يقوم علي احترام الدين وعدم تلطيخه بالسياسة ، وإعادته معززا مكرما إلي المسجد والكنيسة وتلك رحلة طويلة مازلنا - رغم كل شيء- في أولها. لكن علينا أن ننجزها بشجاعة.
بقلم : فريدة النقاش
جريدة الأهالي

No comments: