Saturday, December 08, 2007

دعـــاة الـنـقــاب اختاروا أن يتنازلوا عن حرية العقل

إن إثارة قضية الممرضات المنتقبات، وما نتج عنها من خلافات فى الرأى إلى الحد الذى تحولت فيه إلى قضية رأى عام، قد أفضت إلى فتح ملف نقاب الأطفال الذى بدوره كشف عن انتشار ظاهرة انتقاب بنات تتراوح أعمارهن ما بين سبع وعشر سنوات.
وفى هذا الإطار برز اتجاهان:
الاتجاه الأول يدعى أن ارتداء النقاب، سواء فى أوساط الممرضات أو غيرها، هو من قبيل «الحرية الشخصية» التى لا يجب أن تخضع لأى نوع من الوصاية،
أما الاتجاه الثانى فيزعم أن النقاب هو الحجاب الحقيقى، فإذا كان الحجاب فريضة إسلامية فالحجاب يعنى النقاب، وقد عبر عن هذا الفهم للحجاب على أنه النقاب، فى إطار هذا الفهم للحجاب الذى يعنى الحجب التام للمرأة عن الآخر، فإن الطفلة من حيث هى مشروع امرأة عليها أن تنشأ وتنمو فى هذا الإطار،
القضية إذن تدور حول الحرية والفهم، أو بالأدق حرية الفهم، أى حرية فهم مسألة حجاب المرأة أو انتقابها من حيث هو فريضة من فرائض الإيمان.
والسؤال الذى يطرح نفسه هو: ما العلاقة بين الحرية والفهم بوجه عام، وحرية فهم فرائض الإيمان بوجه خاص؟ إلا أن هذا التساؤل يسبقه سؤال آخر: ما المقصود بالفهم؟ الفهم قدرة من قدرات العقل تناولها الفلاسفة بالبحث والتحليل فى إطار ما يعرف بنظرية المعرفة، وهى تدور حول مدى قدرة العقل على إدراك الواقع أى معرفته، هل نعرف الواقع المحيط بنا بالحواس أم بالعقل أم بالاثنين معاً؟!
وقد ربط الفلاسفة بين المعرفة الحسية والعقلية من جهة، والإيمان من جهة أخرى وتساءلوا: هل الإيمان يخضع للمعرفة أم العكس؟ وقد حسم الفيلسوف الألمانى «كانط» هذه الإشكالية بمقولته الشهيرة: «كان على أن أرفع المعرفة حتى يجد الإيمان له مكاناً»، والمقصود هنا بالرفع هو مجاوزة العقل للمعرفة، وهذا يعنى أن العقل بطبيعته يمتلك حرية الاختيار بين المعرفة والإيمان، حيث إن الاثنين لا يجتمعان، إما معرفة عقلية نسبية أو إيمان مطلق بلا معرفة، حيث إن ما لا يستطيع العقل أن يعرفه إما بالحواس أو بالبرهان العقلى فإن الإيمان يقبله بلا معرفة.
وإذا انتقلنا إلى قضية النقاب يتضح لنا أن دعاة النقاب قد اختاروا أن يتنازلوا عن حرية العقل لصالح ما يتصورون أنه الإيمان الحق، أى إيمان بلا حرية أو إيمان العقل فيه قليل، أى إيمان يغتال حرية العقل، وحيث إن الأصل فى الإيمان هو الحرية، أى الإيمان القائم على إعمال العقل، فإن هذا الفهم للإيمان الذى يرادف بين الحجاب والنقاب يعتبر إيماناً مكبلاً وليس إيماناً حراً، كما أنه ضرب من ضروب التعصب الذى يغتال حرية العقل، التى هى جوهر حرية الإنسان، كإنسان أولا وكإنسان مؤمن ثانيا. وبناء عليه فنقاب المرأة ونقاب الأطفال وجهان لعملة واحدة بمعنى أن النقاب هو التطور الطبيعى والحتمى لفهم مسألة حجاب المرأة، من حيث هو فريضة إيمانية لاتخضع للمعرفة العقلية.
وعندما أثيرت مسألة حجاب المرأة كفريضة فى بداية السبعينيات من القرن الماضى، كان أول من أثارها هو الشيخ متولى الشعراوى من خلال حديثه الأسبوعى يوم الجمعة. ولم يكن المجتمع المصرى آنذاك قد سمع عن مسألة حجاب المرأة باعتباره فريضة من فرائض الإسلام. بل لم نشاهد امرأة مصرية مسلمة ترتدى الحجاب. وفى غضون ما يقل عن ربع قرن، وهى الفترة التى تعارف عليها علماء الاجتماع أنها لازمة لكى يفرز خلالها المجتمع جيلا جديدا، ساد حجاب المرأة، بحيث بدا وكأنه الزى القومى للمرأة المصرية بعد أن اصطلح على تسميته بالزى الإسلامى.. وبذلك أصبح حجاب المرأة المسلمة وضعا قائما فى مصر.
ومن يومها لم يطرح أى اجتهاد بشرى آخر مضاد لاجتهاد الشعراوى فاستقر فى وعى الجماهير أن حجاب المرأة جزء لايتجزأ من العقيدة وتاهت المعرفة أى أن ما قال به الشعراوى من اجتهاد بشرى نسبى تحول إلى إيمان مطلق خضع له الشعب المصرى برمته. إن هذا الخضوع يتناقض مع جوهر الإيمان الذى يشترط حرية الفهم أى حرية إعمال العقل فى النص الدينى بلا وصاية وطبقا للبرهان العقلى والشرعى والذى دعا إليه الفقيه والفيلسوف ابن رشد والذى يستند إلى مبدأ السببية كما عبر عنه فى مقولته الشهيرة: «فمن رفع الأسباب فقد رفع العقل». وإذا كان من الممكن حسم قضية نقاب الممرضات بالقوانين، فإن قضية نقاب الأطفال لاتحسم إلا بإحياء حرية العقل فى تأويل الإيمان وفى تأويل كل أمور الحياة والمجتمع. وهذا لايتحقق إلا بإطلاق حرية العقل فى معرفة العالم طبقا لشروط الفهم عن طريق الحواس والبرهان العقلى. وعندما نحققه تكون لدينا آراء متعددة فى فهم وتأويل الواقع استنادا إلى المنهج العلمى والمعرفة العلمية من جهة، وإلى الإيمان القائم على العقل من جهة أخرى، وعلى الإنسان المؤمن الحر أن يختار متى وكيف يتجاوز المعرفة حتى يفسح مكانا للإيمان فى عقله ومتى تبقى المعرفة هى الشاغلة لحيز العقل برمته؟!.
خلاصة الأمر أن قضية النقاب عامة ونقاب الأطفال خاصة، يجب أن تطرح على أنها قضية أساسية من قضايا الإصلاح الثقافى فى مصر، ولا أقول الإصلاح الاجتماعى، حيث إن الإصلاح الثقافى ينطوى على الإصلاح الاجتماعى ولاداعى للفصل بين الاثنين. فنكتفى بالإصلاح الثقافى. وتأتى فى مقدمة قضايا الإصلاح الثقافى قضية إصلاح العقل الذى فسد بسبب نزع الحرية منه وتكبيله بتفسيرات وفتاوى تساوى بين الاجتهادات البشرية والإيمان فتنزع الحرية من الإيمان وعندما تنتزع الحرية من الإيمان يصبح إيمانا موجها من قبل من يفرضون أنفسهم أوصياء على البشر والمجتمع سواء كان هؤلاء الأوصياء من رجال الدين أو من رجال التعليم أو من رجال الإعلام... إلخ. وهذه مسئولية وزارة التعليم ووزارة الإعلام ووزارة الثقافة مجتمعين.
وإذا هيمن الأوصياء فاعرف أن هذه الوزارات إما تخلت عن مسئوليتها أو أنها ليست على وعى بها.
وفى هذه الحالة علينا أن نتوقع رؤية كل نساء مصر منتقبات بعد خمسة وعشرين عاما أو أقل
بقلم / د. مني أبو سنة
روز اليوسف

1 comment:

Anonymous said...

oh , what a painful article , though it includes nothing but the truth , yes we have a falling educational system , bad health policy , opportunistic press leaders , ruling dictatorship ......... what else could we fail in ?????????????????
is there any chance for reform on political and social levels ? who might be the inspirersof such change ?
who might risk supporting this revolution