Saturday, December 08, 2007

هستيريا الفيس بوك تجتاح مصر

موقع يجذب شباب العالم، عدد أعضائه خمسون مليوناً، وينضم إليه يومياً مائة ألف شخص.
الموقع مظاهرة كونية يهتف فيها الشباب " لا للزيف.. لا للأقنعة ".
طالب عمره 19 سنة يغير خريطة العلاقات البشرية فى العالم كله!.
(كثيراً ماأغالب الضحك وأنا أشاهد محامياً تنتفخ عروقه وهو يصرخ مطالباً بمنع أفيش فيلم أو مقطع رواية أو مشهد مسلسل، أو عضو مجلس شعب يهدد بالويل والثبور لقناة فضائية ويطالب بمنعها خوفاً على الشباب، وأتمنى لو قابلت هذا المحامى أو ذاك العضو لأهمس فى أذنه مانحاً إياه قرص مهدئ، طالباً منه الدخول على موقع فيس بوك والإطلاع على أكبر عالم إفتراضى بديل لهذه الكرة الأرضية التى مل الشباب وزهق من العيش عليها، لن أحدثه عن كليشيهات العولمة والعالم القرية الصغيرة، ولكنى سأحدثه عن أكبر جيتو عنكبوتى فى الكون إخترعه شاب جالس أمام كمبيوتر فى مدينة جامعية فى هارفارد بالولايات المتحدة، نفسى أقول لهم إنتم لسه بتتكلموا فى إيه؟!
، نحن فى غيبوبة نمارس حوار الطرشان، مثلنا مثل ضيف تليفزيونى يعتقد أن الجميع يسمعه برغم إنطفاء أنوار الأستوديو وقطع الكهرباء ومصادرة الكاميرا وتخريب الميكروفون، ولكن المصيبة أن هذا الضيف مازال واثقاً من أن الجماهير تسمعه لأنه مازال جالساً على كرسى الأستوديو!!، شباب الدنيا أصبح يتحدث بلغة خاصة وشفرة سرية مميزة، كفر بالآباء والأجداد وكل الأجيال التى خنقت إبداعه ورقدت على أنفاسه وبططته وسطحته وقتلته، ونحن مازلنا نعانى من الخرس ولانملك أى عقدة ذنب تجاههم، ونطلب من شبابنا أن يكون نسخة فوتوكوبى من أمراضنا وعقدنا وكلاكيعنا وعفن حياتنا المزمن.
(الفيس بوك هستيريا عنكبوتية إنترنتية تلبست أمخاخ وعقول شباب العالم وليس مصر وحدها، إدمان هذا الموقع المدهش الرهيب تفوق على إدمان كل مخدرات العالم، ولكنه ليس من هذه المخدرات على الإطلاق، بل على العكس فهو من المصحصحات!، لأنه لايعزلك عن المجموع بل يقحمك فى شبكة علاقات لانهائية مع العالم كله،
قصة البداية عام 2004 مع طالب فى هارفارد عمره 19 سنة إسمه ماك زوكربرج إخترع هذا الموقع على كمبيوتره فى المدينة الجامعية، أكرر ثانية 19 سنة!!
وتخيلوا نظيره المصرى فى المدينة الجامعية فى نفس السن، ستجدونه غارقاً فى كتب بن تيمية وعذاب القبر والثعبان الأقرع وفوائد بول الإبل
المهم أن هذا الطالب فكر فى موقع يربط طلبة هارفارد إجتماعياً، لكن طموحه البعيد أن يعيد ترتيب الخريطة البشرية للعالم، ويعيد خلق علاقات إجتماعية متشابكة يعود فها المنسى والساقط من جعبتك فى رحلة الحياة، فتلاقى شخصاً لم تقابله منذ عشرات السنين، يسكن آخر أطراف العالم!، تصنع مجموعتك الخاصة وتتبادل المشاعر والكلمات والصور والفيديوهات والآراء ومن الممكن أن تحتضنه وتمسح وتكفكف دموعه عبر الإنترنت أو حتى تضربه بوكس!!، فكرة رياضيه عبقرية أضاف لها مبتكرها مايسمى بالجدار WALL تدون فيه الملاحظات، جدارك الخاص الإنترنتى الذى تستند عليه بجد وصدق وليس جدارك الإجتماعى الأسرى المدرسى الهش الذى يسقط مع أول نفخة ريح!.
(بدأ الطموح بألف طالب أمريكى، وإنتهى هذا العام بخمسين مليون شخص فى العالم كله، ينضم إليهم كل يوم مائة ألف شخص!!، ويؤكد ماك صاحب الموقع أنه فى خلال خمس سنوات سينضم إليه العالم كله، زحف بشرى مقدس للبحث عن التواصل، ومظاهرة كونية تهتف فى صوت واحد وبحنجرة مشتركة " لا للزيف.. لا للأقنعة
ففى موقع "الفيس بوك " عليك أن تخلع كل الأقنعة وتتعرى من كل خرقك البالية، وتعيش مع الموقع وأصحابك العنكبوتيين بطبيعتك وكما أنت، محطماً كل خطوط بارليف التى تكبت مشاعرك، وتجعلك تمثل طوال الوقت فى مسرحية هزلية إسمها التوائم والقبول والإتيكيت الإجتماعى، برغم أنك فى معظم الوقت تكون كافراً بكل هذا الإتيكيت والنفاق، وتريد أن تختلى بنفسك ولو للحظة لكى تكون بشحمك ولحمك الحقيقى، وتخلع قناعك المهترئ، وتمسح ماكياجك البهلوانى، وتهرب من سيرك المجتمع وأراجوزاته إلى فضاء أرحب وأكثر صدقاً.
(حاول بيل جيتس وموقع ياهو التنافس على شراء هذا الموقع، وعرضوا على ماك أبو 19 سنة مليار دولار بالتمام والكمال، لكن المدهش أن الولد ماك رفض، حتقولوا شغل عيال بقى.. أما عيل صحيح!، ولكن المسألة مش شغل عيال ولا حاجة، ده البيزنس الجديد، نوع جديد من التفكير، وطموح بلاسقف، فكر جديد لايعتمد على قوة العضلات، وتجارة جديدة لاتحتاج إلى إيصالات وضريبة مبيعات وإعلانات محمد شومان ويامضبطنى وظرفنى تعرفنى وإنجز بالوينجز!!، تجارة تعتمد فقط على الفكر الجديد، على إبداع الشباب، على إبتكاره، مجرد فكرة، لكن هل من الممكن أن يفرز مجتمعنا ماك زوكربرج مصرى، بالطبع لايمكن، بالطبع مستحيل، ليس لأن شبابنا يفتقر إلى الذكاء، ولكن لأن مجتمعنا يفتقر إلى إكتشاف وتشجيع هذا الذكاء والإبداع، مجتمع ليست لديه علامات إستفهام، لايشجع على التساؤل والدهشة والإكتشاف، مجتمع يجعل شباب العشرينات يعيش بعقلية القرون الوسطى، مجتمع يغلب ثقافة الموت على ثقافة الحياة، لذلك لن يخرج من بيننا من يتمرد بضغطة زر الماوس على كل القوانين، ويقتحم الفضاء، ويطرح الأسئلة، ويناقش كل البديهيات، أنا لست متشائماً ولكن المدرس الذى يفرض على تلميذه الإلتزام بالمنهج، ويطرد الطفل الذى يتساءل ويصفه بالمشاغب، هذا المدرس لن يصنع ماك زوكربرج، والمدرسة التى تلغى الموسيقى وتمنع حصة الألعاب وتنقب البنات لايمكن إلا أن تفرز لنا طالبانى جديد، والمجتمع الذى مازال يناقش رضاع الكبير وحرمة نحت التماثيل لايمكن أن يقدم للحضارة إلا مراجعات جماعة الجهاد، وأقصى إحتفالاته هى الإحتفال بتصنيع الأستيكة!!!.
(قارئى العزيز ستجد من يهمس فى أذنك هذا الموقع شغل مخابرات أمريكانى، والإنترنت غزو ثقافى، والفضائيات إستعمار فكرى، والتواصل العنكبوتى وغرف الشات هجوم صليبى، والسينما العالمية والمسرح التجريبى والشعر الحديث والرسم والباليه مؤامرة صهيونية، والكل يتآمر علينا لغيرته الشديدة من ورعنا وتقوانا وحضارتنا،
إضحك مثلى وقهقه، وإخلع قناعك الجبس، وتخلى عن جاكيت النفاق الأسمنتى، وإدخل الفيس بوك سواء كنت مراهقاً أم شيخاً، وتوجه بالدعاء للعيل الصغير ماك زوكربرج، صحيح يعملوها العيال ويقعوا فيها الكبار!.
بقلم / خالد منتصر - 8/12/2007

No comments: