ليست دويلة حزب الله بالدويلة الوحيدة التي عرفها لبنان في تاريخه الحديث، بل هي أحدث هذه الدويلات وربما أخطرها علي الكيان اللبناني، فقبلها كانت هناك دويلات كثيرة ظهرت في بعض مراحل الفوضي اللبنانية من أشهرها دويلة القوات اللبنانية التي كان يترأسها سمير جعجع، ومن علاماتها الفارقة حاجز البربارة و حالات حتما أي ذاك المطار الذي كان في نية القوات اقامته في قرية حالات الكسروانية، ومن هذه الدويلات الادارة المدنية التي انشأها كمال جنبلاط في وقت من الأوقات ثم ورثها عنه نجله وليد جنبلاط، ولا ننسي الدويلات الفلسطينية في العرقوب، والجنوب، وبيروت الغربية والتي كان من رموزها أبوعمار وأبوجهاد وأبواياد، وهي دويلات أسهم في القضاء عليها الإسرائيليون والسوريون معاً.
ويمكن أن يضاف إلي هذه الدويلات دويلة الجنرال ميشال عون التي قامت مناوشات وحروب بينها وبين دويلة القوات ، والتي وضع السوريون حداً لها عندما قصفوا مقر عون من الجو قبل أن يحتلوه، ويضطر عون للجوء إلي حرم السفارة الفرنسية في الحازمية حيث أنقذه الفرنسيون من موت محتم.
وإذا كانت دويلة حزب الله أحدث هذه الدويلات، فهي أخطرها في آن، ذلك إن هذه الدويلة تتعاون عدة عوامل شديدة الأهمية في تكوينها واستمرارها، هي العقيدة والمال والسلاح وطريق الامداد والتموين.
وهي عوامل تكفل لها الحياة المديدة، وبخاصة في ظل ضعف الدولة اللبنانية القديم والمتمادي، فإذا بدأنا بالعقيدة قلنا أنها عقيدة سماوية لا أرضية، وهذه العقيدة عند أعضاء الحزب قوية متينة لدرجة أن الحزبي لا يتردد في الهجوم علي الموت تحية لها، وطلبا للجنة الموعودة التي وعد بها، والمال يتدفق علي الحزب كما يتدفق الماء في النهر، فكيف إذا وقر في الذهن أنه مال حلال نظيف مجلوب من الحوزات المقدسة ومقامات الأولياء؟
والسلاح بعدد رمل البحر ومنه الصواريخ التي تكون في يوم عشرين ألفاً، فتصبح في اليوم التالي علي خير أوفر.. وطريق الامدادات والتموينات سالك علي خطين، فلا رقيب ولا حسيب، فكيف إذا كانت نواطير لبنان قد نامت، وفقد لبنان كل منعة أو عصبية له عند أبنائه؟
وهي دويلة لا تفتقر إلي العصبية التي جعلها ابن خلدون، في مقدمته أساس الدولة، كما هي دويلة متعصبة مبثوث في جيناتها عبء التاريخ الإسلامي القديم، ولا تجيز لغير شيعة علي كرم الله وجهه الاطلاع علي شيفراتها ورموزها، فعلي الرغم من كل ما قيل مرة من أن حزب الله فتح أو يفتح أبواب المقاومة لغير الشيعة، إلا أن أبوابه بقيت موصدة في وجه هؤلاء، وكل ما ظفر به أنصار حزب الله من غير الشيعة، هو اسم المؤلفة قلوبهم ، وهم فئة كان المسلمون الأول، رغبة بتحييدهم، أو كسباً لولائهم، يدفعون لهم المال، ولاشك أن المؤلفة قلوبهم الجدد ينعمون بما نعم به المؤلفة قلوبهم الأول، فالمال وفير، والحاجة إلي تأمين التغطية الداخلية ماسة كسباً للمشروعية، وخوفا من الوقوع في العزلة، ومنعاً من اتحاد الطوائف الأخري بوجه الحزب والطائفة.
وهي دويلة تبسط نفوذها اليوم علي ما لا يقل عن ثلث الأراضي اللبنانية: العاصمة هي بيروت الغربية، أو بعضها علي الأقل، بينما الضاحية الجنوبية، ثم الجنوب بدءاً من صيداً أو حارة صيداً حتي الحدود الدولية مع إسرائيل.
وفي البقاع تمتد أراضي هذه الدويلة في البقاع الغربي كما في الشرقي علي السواء. ومن الطبيعي ألاّ تسمح هذه الدويلة بالدخول لموظفي الدولة وقوي الشرطة والدرك والأمن العام فيها الا تحت المراقبة الشديدة إنها تعمل تحت شعار ما لنا لنا وحدنا، وما لكم لنا ولكم ، أي أن لها سيادتها الكاملة علي أرضها، ولكنها تطالب بحصتها في نفوذ الآخرين وفي حصصهم، لأنها تمثل الشيعة وهم طائفة لبنانية كأية طائفة لبنانية أخري لها ما سواها من الحصص والمغانم!
وإذا كانت الدويلات اللبنانية السابقة قد ظلت في اطار اللاسلكي من حيث الاتصالات، فإن دويلة حزب الله قد وضع بتصرفها أحدث أنواع الاتصالات المعمول بها اليوم. كما أنه بات لها شبكة اتصالات مرئية خاصة بها، ممدودة علي أعمدة الهاتف العام، سواء في بيروت، أو في الضاحية أو في سواهما، ولم تجرؤ الدولة أو الحكومة علي أن تمد يدها بعد إلي أعمدة الهاتف لنزع أي سلك خاص بسواها.
استناداً إلي الباطن، يمكن القول أن أبرز ما يميز هذه الدويلة هو انطواؤها علي فكر لا رحابة ولا انفراج ولا اجتهاد ولا تأويل فيه، فكر أحادي مغلق علي ذاته، متمحور حول فقيه الطاعة له واجبة، ولا لزوم لمناقشته في أوامره ونواهيه، ولكن كلمة السر واضحة في هذه العقيدة. إنها الثأر في يوم قريب أو بعيد من يوم قديم، أو أيام قديمة ولا بأس بالتقية، أو بالدبلوماسية بالتعبير المعاصر وصولاً إلي تحقيق الغاية، والكتمان خبر وسيلة لقضاء الحاجات.
أما استناداً إلي الظاهر، فإن من الممكن الاستدلال علي مواصفات هذه الدويلة وتجلياتها من مظاهر مختلفة في طليعتها شيوع ثقافة خاصة قوامها كتب الولاء القديم التي تبقي العقيدة مستعرة متأججة في النفس، عشرات دور النشر وبيع الكتب تناسلت أو تألفت خلال ربع القرن الماضي وعمدت إلي طبع مالا يحصي من الكتب المذهبية والتراثية، علي المرء أن يعكف علي قراءتها بلا انقطاع، وعليه ألا يقرأ سواها أيضا.
وإلي جانب حضور هذه الكتب، ثمة غياب لجوانب من الثقافة السائدة في عالم الحضارة، فلا مقاه ولا مطاعم في عالم المربعات الأمنية يختلط فيها الرجال بالنساء، ولا موسيقي ولا غناء في أي مكان بما فيه المنازل.
ولا مجال بالطبع للنقد والمنهج النقدي، ولكن المجال كله هو للثناء ومباركة كل ما يقوم به الفقيه أو وكيله، وعندما يظهر أحدهما علي الشاشة، أو علي المنبر، فالأذان مصغية، والنفوس غارقة في الصمت الرهيب، والاستعداد للتضحية بالذات في أوج استنفاره.
لايشك أحد، بمن فيهم الأمريكان والإسرائيليون، في قوة ومناعة هذه الدويلة وكونها الجبهة الأمامية للمواجهة المفتوحة بين ايران وسوريا ربما واعدائها، ولكنها دويلة تشكو من نقاط ضعف كثيرة ومن كونها تواجه أفدح الأخطار والتحديات، بإمكانها بالطبع أن تمطر إسرائيل بما لا يحصي من الصواريخ، ولكن باستطاعة اسرائيل أن تلحق بها أفدح الخسائر أيضا، وهذه الخسائر لن تصيب حزب الله وحده، بل ستصيب لبنان أيضا، ونتابع في عدد قادم
ويمكن أن يضاف إلي هذه الدويلات دويلة الجنرال ميشال عون التي قامت مناوشات وحروب بينها وبين دويلة القوات ، والتي وضع السوريون حداً لها عندما قصفوا مقر عون من الجو قبل أن يحتلوه، ويضطر عون للجوء إلي حرم السفارة الفرنسية في الحازمية حيث أنقذه الفرنسيون من موت محتم.
وإذا كانت دويلة حزب الله أحدث هذه الدويلات، فهي أخطرها في آن، ذلك إن هذه الدويلة تتعاون عدة عوامل شديدة الأهمية في تكوينها واستمرارها، هي العقيدة والمال والسلاح وطريق الامداد والتموين.
وهي عوامل تكفل لها الحياة المديدة، وبخاصة في ظل ضعف الدولة اللبنانية القديم والمتمادي، فإذا بدأنا بالعقيدة قلنا أنها عقيدة سماوية لا أرضية، وهذه العقيدة عند أعضاء الحزب قوية متينة لدرجة أن الحزبي لا يتردد في الهجوم علي الموت تحية لها، وطلبا للجنة الموعودة التي وعد بها، والمال يتدفق علي الحزب كما يتدفق الماء في النهر، فكيف إذا وقر في الذهن أنه مال حلال نظيف مجلوب من الحوزات المقدسة ومقامات الأولياء؟
والسلاح بعدد رمل البحر ومنه الصواريخ التي تكون في يوم عشرين ألفاً، فتصبح في اليوم التالي علي خير أوفر.. وطريق الامدادات والتموينات سالك علي خطين، فلا رقيب ولا حسيب، فكيف إذا كانت نواطير لبنان قد نامت، وفقد لبنان كل منعة أو عصبية له عند أبنائه؟
وهي دويلة لا تفتقر إلي العصبية التي جعلها ابن خلدون، في مقدمته أساس الدولة، كما هي دويلة متعصبة مبثوث في جيناتها عبء التاريخ الإسلامي القديم، ولا تجيز لغير شيعة علي كرم الله وجهه الاطلاع علي شيفراتها ورموزها، فعلي الرغم من كل ما قيل مرة من أن حزب الله فتح أو يفتح أبواب المقاومة لغير الشيعة، إلا أن أبوابه بقيت موصدة في وجه هؤلاء، وكل ما ظفر به أنصار حزب الله من غير الشيعة، هو اسم المؤلفة قلوبهم ، وهم فئة كان المسلمون الأول، رغبة بتحييدهم، أو كسباً لولائهم، يدفعون لهم المال، ولاشك أن المؤلفة قلوبهم الجدد ينعمون بما نعم به المؤلفة قلوبهم الأول، فالمال وفير، والحاجة إلي تأمين التغطية الداخلية ماسة كسباً للمشروعية، وخوفا من الوقوع في العزلة، ومنعاً من اتحاد الطوائف الأخري بوجه الحزب والطائفة.
وهي دويلة تبسط نفوذها اليوم علي ما لا يقل عن ثلث الأراضي اللبنانية: العاصمة هي بيروت الغربية، أو بعضها علي الأقل، بينما الضاحية الجنوبية، ثم الجنوب بدءاً من صيداً أو حارة صيداً حتي الحدود الدولية مع إسرائيل.
وفي البقاع تمتد أراضي هذه الدويلة في البقاع الغربي كما في الشرقي علي السواء. ومن الطبيعي ألاّ تسمح هذه الدويلة بالدخول لموظفي الدولة وقوي الشرطة والدرك والأمن العام فيها الا تحت المراقبة الشديدة إنها تعمل تحت شعار ما لنا لنا وحدنا، وما لكم لنا ولكم ، أي أن لها سيادتها الكاملة علي أرضها، ولكنها تطالب بحصتها في نفوذ الآخرين وفي حصصهم، لأنها تمثل الشيعة وهم طائفة لبنانية كأية طائفة لبنانية أخري لها ما سواها من الحصص والمغانم!
وإذا كانت الدويلات اللبنانية السابقة قد ظلت في اطار اللاسلكي من حيث الاتصالات، فإن دويلة حزب الله قد وضع بتصرفها أحدث أنواع الاتصالات المعمول بها اليوم. كما أنه بات لها شبكة اتصالات مرئية خاصة بها، ممدودة علي أعمدة الهاتف العام، سواء في بيروت، أو في الضاحية أو في سواهما، ولم تجرؤ الدولة أو الحكومة علي أن تمد يدها بعد إلي أعمدة الهاتف لنزع أي سلك خاص بسواها.
استناداً إلي الباطن، يمكن القول أن أبرز ما يميز هذه الدويلة هو انطواؤها علي فكر لا رحابة ولا انفراج ولا اجتهاد ولا تأويل فيه، فكر أحادي مغلق علي ذاته، متمحور حول فقيه الطاعة له واجبة، ولا لزوم لمناقشته في أوامره ونواهيه، ولكن كلمة السر واضحة في هذه العقيدة. إنها الثأر في يوم قريب أو بعيد من يوم قديم، أو أيام قديمة ولا بأس بالتقية، أو بالدبلوماسية بالتعبير المعاصر وصولاً إلي تحقيق الغاية، والكتمان خبر وسيلة لقضاء الحاجات.
أما استناداً إلي الظاهر، فإن من الممكن الاستدلال علي مواصفات هذه الدويلة وتجلياتها من مظاهر مختلفة في طليعتها شيوع ثقافة خاصة قوامها كتب الولاء القديم التي تبقي العقيدة مستعرة متأججة في النفس، عشرات دور النشر وبيع الكتب تناسلت أو تألفت خلال ربع القرن الماضي وعمدت إلي طبع مالا يحصي من الكتب المذهبية والتراثية، علي المرء أن يعكف علي قراءتها بلا انقطاع، وعليه ألا يقرأ سواها أيضا.
وإلي جانب حضور هذه الكتب، ثمة غياب لجوانب من الثقافة السائدة في عالم الحضارة، فلا مقاه ولا مطاعم في عالم المربعات الأمنية يختلط فيها الرجال بالنساء، ولا موسيقي ولا غناء في أي مكان بما فيه المنازل.
ولا مجال بالطبع للنقد والمنهج النقدي، ولكن المجال كله هو للثناء ومباركة كل ما يقوم به الفقيه أو وكيله، وعندما يظهر أحدهما علي الشاشة، أو علي المنبر، فالأذان مصغية، والنفوس غارقة في الصمت الرهيب، والاستعداد للتضحية بالذات في أوج استنفاره.
لايشك أحد، بمن فيهم الأمريكان والإسرائيليون، في قوة ومناعة هذه الدويلة وكونها الجبهة الأمامية للمواجهة المفتوحة بين ايران وسوريا ربما واعدائها، ولكنها دويلة تشكو من نقاط ضعف كثيرة ومن كونها تواجه أفدح الأخطار والتحديات، بإمكانها بالطبع أن تمطر إسرائيل بما لا يحصي من الصواريخ، ولكن باستطاعة اسرائيل أن تلحق بها أفدح الخسائر أيضا، وهذه الخسائر لن تصيب حزب الله وحده، بل ستصيب لبنان أيضا، ونتابع في عدد قادم
جهاد فاضل - كاتب لبناني
الراية القطرية
No comments:
Post a Comment