Saturday, August 25, 2007

دانـــات

هناك جدل محتدم في الواقع المصري اليوم حول بيع بنك القاهرة، وهناك آراء كثيرة تنطلق من منطلقات أيديولوجية، أجدها غير قادرة علي أن تأخذنا لأفضل الخيارات. وأعتقد أنه لابد من النظر لهذه الحالة بمعزل عن الأيديولوجيات.
كما أنني أعتقد أن دراسة حالة «البنك التجاري الدولي» ستكون مفيدة للغاية، ونحن نبحث عما ينبغي عمله بالنسبة لبنك القاهرة. فمنذ قرابة عشر سنوات كانت هناك نية لبيع هذا البنك لمستثمر عالمي، لكن وجهة نظر أخري تغلبت، ولم يتم بيع البنك لمستثمر دولي، وعهد بإدارة البنك لقيادة مصرية ذات خبرة دولية.
النتيجة اليوم أن قيمة البنك التي كانت تقدر عند التفكير في البيع بنصف مليار جنيه مصري قد تضاعفت خمس مرات. وهو ما يثبت أننا يجب أن ننظر لكل حالة علي حدة. وفي حالة بنك القاهرة، فإن أي بنك في العالم يحلم بشبكة مصرفية يضاهي عدد فروعها عدد فروع بنك القاهرة (أقل قليلاً من ثلاثمائة فرع).
وفي اعتقادي أن سيناريو الإبقاء علي بنك القاهرة كما هو الآن، وكذلك سيناريو تفتيت ملكيته لعدد كبير جداً من حملة الأسهم هما أسوأ السيناريوهات لأنهما يجعلان القيادة بمعزل عن الرقابة الحقيقية.
فكما أن القيادات السابقة للبنك لم تكن تحاسب بالمعني الحرفي الحقيقي، لأن الحكومات هي أسوأ الملاك! فإن سيناريو الملكيات المفتتة أيضاً يجعل القيادة مطلقة السلطة عديمة المسؤولية.
ولكن البيع لمستثمر دولي هو أيضاً حل قد يكون أحياناً حتمياً، ولكنه ليس كذلك في هذه الحالة، لأن أمامنا سيناريو أفضل
. والسيناريو الأفضل يتمثل في بيع أسهم البنك لكونسورتيوم (تجمع) مصري مع إبقاء «الربع» أو «الثلث» للمواطنين،
وهو سيناريو يجنبنا أن تذهب فوائد البيع لمستثمرين غير مصريين، ويجعلنا نستفيد من تجربة البنك التجاري الدولي. إن السيناريو الذي أقترحه يضمن ما يلي:
أولاً: أن تكون المصالح العليا للقرارات الكبري للبنك مصالح مصرية.
ثانياً: معالجة سوء القيادة والإدارة بأن يعهد بقيادة وإدارة البنك لقيادات مصرية ذات خبرة دولية، وهي متوافرة.
ثالثاً: تحقيق فكرة الرقابة الحقيقية من قبل حملة الأسهم وفي نفس الوقت إيجاد مناخ يسمح بأن تكون الإدارة العليا للبنك مسؤولة مسؤولية حقيقية أمام حملة الأسهم.
وقد يستغرب البعض أن تكون هذه وجهة نظري إذ كنت (منذ عشرين سنة) رئيساً لشركة بترول عالمية متعددة الجنسيات. ولكن هذا البعد حري بأن يجعل وجهة نظري ذات مصداقية، إذ إنني أؤكد (من موقع المعرفة والخبرة) خطورة أن تنطلق القرارات العليا لبنك كبير من مصالح استراتيجية غير مصرية (فالشركات متعددة الجنسيات قد تقدم مصالح أخري غير مصلحة بلد مكان النشاط عن مصلحة هذا البلد). وإذا قال البعض إن هذا يتنافي مع روح اقتصاد السوق ذكّرناه بأمرين:
أولهما: أنه كما لا توجد اشتراكية مطلقة (إلا في الأوهام) فإنه لايوجد اقتصاد سوق مطلق (إلا في الأحلام).
ثانيهما: أن أذكر من يقول بهذا الرأي بأنه عندما اشتري المستثمر السعودي وليد بن طلال حصة كبيرة في «سيتي بنك» فقد مارست الحكومة الأمريكية ضغوطاً كبيرة علي البنك، لتجريد وليد بن طلال من بعض حقوق وسلطات من يملك مثل حصته في سيتي بنك، وعندما اشترت الكويت حصة تقل عن عشرين في المائة من شركة «بريتش بتروليم» أجبرتها الحكومة البريطانية علي بيع جزء من حصتها، وهناك عشرات (بل مئات الأمثلة) علي حالات مماثلة.
وأقترح (في النهاية) تكوين فريق عمل من القيادات المصرفية المصرية ذات الخبرة الدولية لوضع دراسة متكاملة عن إيجابيات وسلبيات كل السيناريوهات الممكنة بخصوص مستقبل بنك القاهرة.
* وربما يكون من المفيد أن أذكر القراء هنا أنه في مواجهة «البنك الأهلي المصري» والذي كان يمثل المصالح الأجنبية في مصر،
فإن مسلماً (هو طلعت حرب) وثلاثة يهود (هم سوارس، يوسف قطاوي وشيكوريل) قد اتجهوا (منذ قرابة تسعين سنة) لتأسيس بنك وطني (هو بنك مصر) يمثل المصالح المصرية العليا، وأدعو من يشاء لمطالعة كتاب الأستاذ الكبير فتحي رضوان الرائع عن طلعت حرب بعنوان «درس في العظمة».
* تري ألم يكن من الأنفع للحزب الوطني وحكومته عدم إضعاف أحزاب المعارضة الشرعية بل السماح بتقويتها وتألقها عوضاً عما فعلته الحكومة، عندما همشت وأضعفت أحزاب المعارضة الشرعية، وتركت نفسها وتركتنا أمام وحش حقيقي؟
أليس هذا مما يوصف بالإنجليزية بأنه كالشخص الذي أطلق الرصاص علي قدمه؟.. أو ليس هذا تطبيقاً للقول المأثور بأن رجلاً أراد عقاب زوجته فقطع أنفه!.
* يقول نيقولو ميكيافيللي في مطارحاته إنه قال للأمير (وهو ينصحه): تنبه! إن كل من يمدحك يري نفسه أشد ذكاء منك بل يستغبيك! ويقصد ميكيافيللي أنه ما من أحد يمدح شخصاً في موقع سلطة إلا وهو يري نفسه أشد ذكاء من الممدوح! وأنه المخادع وأن الممدوح هو المخدوع.
* مطلوب من كل مصري محب لبلده أن يتأمل في تجربة حماس ليعرف أن هذا الفصيل ليس بقادر إلا علي التخريب والرجوع بالمجتمعات للقرون الوسطي. فإذا كان التقدم يحتاج لقيادات تتسم بالكفاءة، فمن أين ستأتي كفاءة أمثال قيادات حماس الذين نسمعهم يتكلمون فنبكي علي سوء حظ شعوبنا!.. وفي لبنان، يقوم نفس الفصيل بتخريب أجمل البلدان العربية.. ومع ذلك لايزال بعضنا (مثل سعد الدين إبراهيم) يخادع نفسه ويخادع قراءه بأوهام وأحلام المدرسين الذين لا يعرفون عن الحياة إلا أقل القليل!
* عجزت عن فهم صمت الحكومة المطبق تجاه المخرب الذي أصدر كتاباً يسيء لأقباط مصر إساءة دنيئة وممجوجة، فإذا به يطل علينا من جديد (من خلال صحيفة قومية يومية)، وإذا به يعود للعبة الظلامية التي يهواها، وهي تأثيم وتجريم بعض الكتب. وهو لا يفعل ذلك من «بيته»، وإنما من خلال مؤسسة من مؤسسات الدولة. ما هو التفسير إلا انعدام أو ضحالة الرؤية السياسية والثقافية.
* منذ أربعين سنة وبالتحديد ليلة ٤ يونيو ١٩٦٧ كان شعار القيادة المصرية هو «استعادة فلسطين»، وبعد أقل من أسبوع واحد، كان الشعار قد أصبح «إزالة آثار العدوان». والفارق بين الشعارين هائل وكبير وله معان جد مختلفة، ومع ذلك فإن البعض لايزال يتكلم بلغة تعبر عن الشعار الذي أسقطه معلمهم وقائدهم الرمز
طارق حجى 25/8/2007
المصرى اليوم

No comments: