مارست الحكومة بهمة ملحوظة في الآونة الأخيرة سياسة الصدمة و الترويع مع الشعب المصري، وهي نفس سياسة قوات الاحتلال الأمريكي في العراق.
أعلنت بغتة عن قرارها النهائي ببيع بنك القاهرة فأحدثت صدمة كبيرة في الشارع المصري، و في نفس التوقيت قامت قوات شرطة الحكومة بإلقاء مواطن في العمرانية من شرفة شقته، وأغرقت مواطناً آخر بالسبرتو و أضرمت فيه النيران فشوته حياً في سيوة، وقتلت بعنف بالغ نجاراً في قرية قرب المنصورة ، فاكتملت منظومة الصدمة والترويع، وانكمش المواطن المصري علي ذاته يلعق جراحه التي لا تلتئم أبداً.
إن سياسة بيع ممتلكات الشعب المصري مع إلقاء المواطنين أصحاب هذه الممتلكات من البلكونة هي أحدث تجليات الفكر الجديد. ومن الواضح أن هذه السياسة تمضي بنجاح وبدون مقاومة تذكر.
لا يفوتنا بالطبع أن نشكر السادة الذين أعلنوا حركة «لا لبيع مصر» و نحيي وطنيتهم و جهدهم المخلص، وأن نشكر نقابة المحامين التي قامت بفتح حساب من أجل الاكتتاب لشراء بنك القاهرة عند فتح باب الشراء.
ولكن هل هذا يجدي؟ هل هناك مواطن مصري سيمضي بأمواله التي يعيش منها ويضعها في حساب نقابة المحامين حتي يكتمل المبلغ ١٥ مليار جنيه فيمكن عندئذ التقدم لشراء البنك؟!!!!!
هذا إجراء تملأه النيات الطيبة لكن يعيبه أن أعضاء مجلس النقابة ذاتهم لن يضعوا أموالهم في هذا الحساب!..
و إذا نجحنا في شراء بنك القاهرة من براثن الحكومة فماذا سنفعل غدا عندما يعتزمون بيع البنك الأهلي وبنك مصر وقناة السويس؟ الحكومة ماضية في البيع مهما حدث ويساعدها في تنفيذ المخطط أن المواطن لم يشعر أبداً أن بنك القاهرة أو أي مؤسسة يراد بيعها أنها كانت له أو كانت تعمل في خدمته و لم يشعر أبداً أنه استفاد منها..
كل ما يعرفه المصري عن بنك القاهرة هو خدماته المصرفية الرديئة وكسل و تنبلة موظفيه، فضلا عما يسمعه عن نهب الكبار لفلوس البنك و تواطؤ إداراته المتعاقبة مع اللصوص، لم يعرف المصريون عن بنوكهم في ربع القرن الماضي أنها قامت بتمويل مشاريع صناعية تقوم بتشغيل عمالة كثيفة وتفتح أبواب الخير للناس، كما لم يعرف عنها تبنيها مشروعات زراعية تضيف للناتج القومي، كل ما يعرفونه أن هذه البنوك في أيد غير أمينة، وهو الوضع الذي لا يمكن أن يجد من يدافع عنه، هذا هو السبب الحقيقي الذي يجعل محاولات الساعين لوقف البيع بمثابة حرث في الماء.
.المصريون لا يعتقدون أن هذه المؤسسات تخصهم ولهذا لا يفرق معهم أن يشتريها الأجانب، هم يعلمون أن الأجنبي إذا ما اشتري البنوك سيقوم بتمويل شراء السيارات وتدوير الفلوس في مشاريع سريعة العائد و لا تفيد الوطن، ولكن أليس هذا هو عين ما تفعله الإدارات الحالية التي تمول مصانع البسكويت واللبان وشركات المحمول التي تقوم بتطوير الرنات وتمنح فلوس المودعين قروضاً لمن تعلم أنه لن يقوم بالسداد..
هل سمعتم عن لص واحد استطاع الضحك علي بنك إدارته أجنبية؟ المصريون من يأسهم باتوا يعتقدون أن الاحتلال الأجنبي قد يكون أحن عليهم من احتلال المماليك بجهلهم و شراستهم و طبعهم المجبول علي الفساد. هذه هي المعضلة التي تواجه الساعين إلي وقف عجلة الانحدار.. المؤسسات العامة أصبحت خرائب بفعل التخطيط الشيطاني، لهذا لن تجد من يدافع عنها.
بنك القاهرة سيتم بيعه وبعده البنك الأهلي وبنك مصر وقناة السويس والمسألة أصبحت مسألة وقت، وطبعاً عمليات البيع لن تتمتع بأي شفافية، وفلوس البيع لن نعلم أين ذهبت. وطالما أن هناك ما يمكن بيعه فإن الحكومة التي تستشعر حجم الجرم الذي تقوم به وحجم الجناية التي تجنيها علي الأجيال القادمة و خوفها من الناس الذين تسرقهم سيجعلها تسرف في إرعابهم وترويعهم وتستمر في إلقائهم من البلكونات وجلدهم بالسياط وحرقهم بالسبرتو.
لقد أصيب الناس بالملل والزهق والإعياء وأصبحوا يتعجلون الوصول لنهاية الفيلم. إنني شخصيا أنتظر اليوم التالي بعد أن تبيع الحكومة كل المصانع وكل الشركات والمؤسسات والبنوك وآبار البترول القائمة والمحتملة والأراضي الزراعية والصحراوية والساحلية… فعسي أن تستريح الحكومة وأجهزتها الأمنية عندما لا تجد شيئاً يصلح للبيع و تترك الناس في حالهم وترحل.. وصدقوني لقد أصبحت لا أري طريقاً للتغيير غير هذا، ألّا يعود بمصر ما يغريهم بالبقاء..
وعندها يمكننا أن نبدأ من الصفر مع حكومة وطنية منتخبة ويمكن ساعتها أن نمول المشاريع الجادة من خلال تحصيل الضرائب و من خلال الاقتراض من البنوك أيا كانت ملّتها، ويمكن كذلك إنشاء بنوك وطنية من جديد و اجتذاب ودائع المصريين إليها، فما دمنا قد وصلنا إلي هذه الدرجة من الضعف والتهافت واليأس من التغيير، وأصبح أعلي ما في خيلنا أن نفتح حسابًا في البنك للاكتتاب من أجل شراء بنك القاهرة ونحن نعلم أن أحداً لن يضع فيه مليمًا..
فدعوهم يبيعون بسرعة عسي أن يتوقف التعذيب وتنتهي سياسة الصدمة والترويع
بقلم أسامة غريب ١٦/٨/٢٠٠٧ المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment