لم تختلف استراتيجية البعث السوري كثيرا عن مسارات نظيرتها العراقية ابان حكم صدام حسين وانما شابهتها كثيرا من حيث ارتكابها للاخطاء الجسيمة داخليا وخارجيا . ولاعجب في ذلك اذ ان الطرفين يستندان الى ايدلوجية اقصائية ديكتاتورية واحدة . وان كان التدخل السوري في لبنان الذي ابتدأ في صيف 1976 يعتبر اقدم عهدا منه في العراق الا ان الاخير اخطر منه واكثره ضحايا .
وقد كشفت التحقيقات والمصادر الاستخباراتية اللبنانية والعراقية جوانب كثيرة من الاستراتيجة السورية المقوضة للاستقرار في البلدين العربيين المجاورين لها .
وسنبحث عن تفاصيل بعض هذا التدخل التدميري كل على حدة .
اولا : لبنان لم تكن سوريا تدرك ان عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري سوف تستصدر قرار ملزما من مجلس الامن يجبرها على الخروج من لبنان . اذ تصورت ان الامر سوف لن يغدو اكثر من محاولة اغتيال كسابقاتها تحفظ بعد التحقيق في ملفات مباحث الدولة اللبنانية وتقيد ضد مجهول . لكن الامور اختلفت كثيرا خصوصا بعد اصرارسوريا على التمديد بصورة قسرية لاميل لحود لرئاسة الجمهورية اللبنانية ، الامر الذي دفع كل من فرنسا والولايات المتحدة بتوجيه رسالة الى القيادة السورية تحذرها من مغبة التدخل بمسارات السياسة اللبنانية . لكن السوريون اعتقدوا انهم مازلوا يمسكون بمفاتيح المبادرة وبالتالي عليهم ازاحة العقبة الكبرى التي تعترض طريقهم الا وهو رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري فارسلوا اليه الشاحنة الملغومة التي قضت عليه وعليهم !اذ يقول تقرير المبعوث الدولي ميليس الذي يتحدث عن عملية اغتيال الحريري " انه توجد ادلة على ضلوع الاجهزة الامنية السورية واللبنانية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري . وان قرار الاغتيال لايمكن ان يتخذ دون موافقة مسؤوليين امنيين سوريين كما لايمكن تنظيمه بدون تواطؤ من اجهزة الامن اللبنانية " .
ويؤكد التقرير على ان " اغتيال الحريري يوم 14 فبراير/ شباط كان من التعقيد بحيث يصعب معه تخيل ان اجهزة الاستخبارات السورية لم تكن على علم بها " . كما ان تكتيك التفجير الذي استخدم في عملية الاغتيال يتطابق تماما مع الاسلوب الذي يستخدمه المسلحون في العراق والذي اثبتت اعترافات البعض منهم انهم تدربوا على ايدي المخابرات السورية . ودفعت الادلة الجنائية المستخلصة من التحقيق حديثا ، رئيس لجنة التحقيق الدولية في الجريمة القاضي البلجيكي سيرج براميرتس بزيارة الى دمشق للتحقيق مع اشخاص سوريين لم يكشف النقاب عن اسماءهم . لكن المصادراشارت الى انهم مسؤولين امنيين تدور حولهم الشبهات .
وبعد خروج سوريا من لبنان ، وقعت احداث جسام هزت الدولة اللبنانية، راح ضحيتها عشرات القادة السياسيين والاعلاميين البارزين مثل جبران تويني وسمير قصير وغيرهم ، ورداً للاتهامات الموجهة اليها، اعتبرت دمشق ان ما حدث شأن لبناني داخلي ، وانها ليس لها علاقة بسلسة الاغتيالات والتفجيرات التي حدثت . لكن احداث نهر البارد الاخيرة تكشفت عن معلومات اضافية خطيرة وضعت دمشق امام ادلة ادانة جديدة . فقد كشفت مصادر وزارية قبل ايام ان الوزراء الذين شاركو في الاجتماع التشاوري لرئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة تسنى لهم الاطلاع بالصوت والصورة على معلومات بالغة الخطورة حول مدى التورط السوري في الجرائم اللبنانية والتفجيرات التي حصلت في لبنان في الاشهر الاخيرة من خلال الاعترافات التي ادلى بها عدد من موقوفي تنظيم " فتح الاسلام " الذي جرى اعتقالهم في البقاع وشمال لبنان . وقالت المصادر ان هؤلاء اباحوا بمخطط جهنمي كانوا يخططون لتنفيذه على الاراضي اللبنانية بتوجيه من ضباط كبار في المخابرات السورية على ارتباط كبير يرئيس المخابرات السورية آصف شوكت ، لافته ان توقيف هذه المجموعة مكن الاجهزة الامنية من تفادي بحور من الدماء البريئة . كما وضعت الاجهزة الامنية على وثائق واسرار غاية في الخطورة تكشف بوضوح حجم التوغل المخابراتي الذي يسعى بتسهيل من اطراف داخلية الى ايقاظ خلاياه النائمة بعد طرده من لبنان عام 2005 .ويلاحظ من سير الاحداث المتسارعة في لبنان ان اغلب الاغتيالات الاخيرة التي حدثت والتي طالت عددا من السياسين والعسكريين والاعلاميين المناهضين لسوريا ، تمت عبر سيارات مفخخة يجري تفجيرها عن بعد مخلفة خسائر فادحة في الارواح والممتلكات . ويعتبر هذا الاجراء تطورا تكتيكيا بالعمل المخابراتي السوري الذي دأب على تصفية معارضيه بأطلاق النار عليهم بالرصاص او زجهم بسجونه
No comments:
Post a Comment