عجيب أمرنا ومريب حالنا....
صمتت صمتاً مريباً كل الجماعات والجمعيات والاحزاب والتيارات الاسلامية السياسية عن عملية الخطف البشعة التي قامت بها عصابات طالبان بحق ١٢ كوريا وكورية يعملون في مجال الاغاثة ، وتضاعف صمتها مع قتل اثنين من المختطفين
، فلم نقرأ بيانا يتيما واحدا يدين عملية الخطف البشعة ولو من باب الدفاع والحرص على سمعة الاسلام والمسلمين.
فيما قرأنا عشرات المقالات الاسلاموية وسمعنا عشرات الخطابات الوعظية التي تحذرنا من الوقوع في الفخ المنصوب لنا والتورط بقراءة سلسلة روايات هاري بوتر لصاحبتها روليننغ باعتبارها »مؤامرة« مدسوسة ومحبوكة اساسا ضد العرب لصرفهم عن عقيدتهم والانغماس في خيالات الروايات المذكورة مع الأشباح والخرافات....
وكأننا ولله الحمد لا نعيش مع خرافات واساطير ما تبثه فضائياتنا على مدار الساعة من »تحليلات« سياسية واجتماعية وثقافية هي اصل الخرافة وهي منبعها الاخطر على هذا الجيل الذي يتلقى مثل هذه الخطابات التي لا علاقة لها بالواقع، وتدفع به ليحلق وراء خرافات تفسيراتها السياسية الاسطورية التي نخسر من خلالها كل يوم عشرات من شبابنا الانتحاريين الذي شحنتهم خرافاتنا وعبّأتهم كراهية ضد الحياة وضد اوطانهم وضد انفسهم. كيف يريد العرب استعادة ثقة العالم بهم.. وكيف تريد الجماعات الاسلامية ان يثق بها العالم وهي تقف متفرجة صامتة كل هذا الصمت المريب امام حالة اختطاف وحشية وأمام قتل ابرياء دون ان تحتج او تدين او تتبرأ اسلاميا وعقائديا من مثل هذه الاعمال؟؟
استعادة الثقة تحتاج على الاقل الى اظهار حسن النية، فأين حسن النية والطوية الذي اظهرته وابدته الجماعات الاسلامية العربية ورموزها وقادتها تجاه خطف ١٢ عاملا في مجال الاغاثة.. فقط لأن طالبان هي التي قامت بالخطف فلا يجرؤ أحد من تلك الجماعات على شجب عملها؟! ثم لماذا كل هذا التعاطف معها؟. ثم اذا كنا نعتبر الرواية مجرد رواية مؤامرة كبرى على العرب وعلى الشباب العربي لتدمير عقولهم.. فماذا نسمي اذن وكيف ننظر الى عملية خطف وقتل وترويع وتهديد؟ وايهما المؤامرة الحقيقية على الاسلام وعلى المسلمين والشباب المسلم؟! من يدمر سمعة الاسلام والمسلمين بأعماله؟ ومن يدفع لوضعهم على القوائم السوداء؟
بالامس القريب في غلاسكو ومدريد والدار البيضاء ولندن.. واليوم بخطف ١٢ متطوعا كوريا.. وبعد ذلك »شاطرين« نتباكى من المؤامرة الغربية الانجلوسكسونية الامريكية الامبريالية الموسادية الماسونية دون ان نوجه كلمة لوم واحدة في بيان واحد يدين من يقوم بهذه الاعمال التي تضعنا على قوائم الحظر والمراقبة والرصد والتفتيش والتدقيق والملاحقة.
هاري بوتر مؤامرة..
نجيب محفوظ مؤامرة..
الاغاني والموسيقى مؤامرة..
التمثيل والمسرح مؤامرة..
مهرجانات الفرح والمرح مؤامرة..
احمد البغدادي مؤامرة..
والسؤال: هل حرض واحد من هذه الاسماء ومن هذه الابداعات شاباً من شبابنا الى تفخيخ نفسه وتدمير وقتل الابرياء وتفجير الآمنين والعزل؟!
نجيب محفوظ يكتب منذ أكثر من سبعين عاما.. فهل ارتكب شاب جريمة قتل لانه قرأ رواية من رواياته؟
الاغاني والموسيقى عرفناها منذ مطلع تاريخنا الاسلامي، فهل تسببت في تفجير وتدمير مقهى من المقاهي التي كانت تبثها على مدار الساعة؟
وهل حرضت مسرحية عربية على اعمال الارهاب؟ وهل كان التمثيل او التشكيل طريقا للتطرف والتعصب؟
تحتجون وتمنعون وتصادرون وتقمعون كل هذه الابداعات الجميلة التي تجعلنا اكثر تعلقا بالحياة واكثر عطاء..
وتغضون الطرف وتغمضون العين وتسدون الآذان عن إدانة جريمة خطف ١٢ كوريا عاملا في الاغاثة..
وبعد ذلك تتباكون امام العالم وانتم الذين لم تتضامنوا انسانيا معه ومع ابنائه المختطفين والمقتولين والمروعين..
واخيرا للعالم عقل كبير يفهم ماذا تعني لغة صمتكم
، فالصمت موقف..
وموقفكم واضح
سعيد الحمد
الأيام البحرينية 8/8/2007
No comments:
Post a Comment