Tuesday, August 07, 2007

الدكتور إبراهيم درويش يكتب: الدستور لم يحترم منذ صدوره.. والنظام الحالي يبيع البلد لغير الأمناء ودون ثمن

التفكير في موضوع العقل المصري هو الحوار الأخطر في تاريخ مصر ومستقبلها، وإن كان قد جاء متأخراً عشرات السنين، وبعد أن تغيبت مصر بعقولها، أو غابت وفق الواقع بالغ الآلام الجارحة.
وفي رؤيتي الخاصة فإن العناصر الأساسية جداً ووفق حقائق التاريخ وجغرافية مصر وحقائق الواقع المؤلم، هي في نظري عناصر عشرة سبب البلاد أو النكسة أو التغيب أو الغياب الذي يعيشه العقل المصري، ويتمثل في:
أولاً: الدولة أو النظام السياسي وتهميش النخبة ثم غيابها نهائياً.
ثانياً: نتيجة العنصر أو السبب الأول، ومنتجها الأغلبية العظمي الصامتة أو النائمة.
ثالثاً: انعدام أي استراتيجية علمية ومهنية وحرفيه لـ: أ- الإعلام، ب- الاقتصاد، ج- التعليم، د- الثقافة.
رابعاً: الدور المؤثم لجمعية أو جماعات المنتفعين.
خامساً: خلط المال بالسلطة وتزاوجهما.
سادساً: الفساد الذي أصاب بسرطانه كل شيء وفي أي شيء فأعدم الضمير.
سابعاً: ضحالة وسطحية وسخافة ما يسمي بثقافة السلام، وتأثيراتها المفجعة علي الوطن والمواطن والمواطنة.
ثامناً: فساد شرعية النهب المقنن، والتصادم مع الدستور.
تاسعاً: أزمة الضمير وضمير الأزمة.
عاشراً: الغياب المطلق للمشروع القومي أو الوطني ومن ثم ما عاد الألم يكفي وما عادت المرارة تكفي وما عاد الحزن يكفي.
هذه رؤيتي لأهم العناصر الأولي بالرعاية، حين تحليلنا لموضوع العقل المصري الغائب والمتغيب معاً.
بالتأكيد تتواجد عناصر أخري وفق رؤية كل باحث أو مفكر أو محلل، أود أن أتناول أهم هذه العناصر بإيجاز شديد، أو الإشارة إليه حيث إننا جميعاً نعيشها ونحيا فيها بقسوتها ومرارتها ونكبتها.
بالنسبة للعنصر الأول، فإن النخبة تمثل رأس وعقل المجتمع، إن الصراع والخلاف بين الدولة ونخبتها يؤدي ذلك في نظري إلي قطع رأس الإنسان المصري، تعالوا ننظر إلي جغرافية المكان والشارع المصري والذي يؤكد لنا بشكل حازم ومحدد الحزن الدفين لمشاهد دوامات الصراع، ليست في مظاهر صحية كما يزعم البعض خطأ من منظري النظام القائم، ولكنها وفي واقعها تؤكد انفصاماً في داخل الدولة وفي داخل النظام السياسي وفي داخل المجتمع ككل.
إن النخبة المصرية المهمشة أو الغائبة هي الضمير الحي للمجتمع المصري وهي من أقدم النخب علي الإطلاق، وعلي مستوي العالم فكرياً وحضارياً وثقافياً.
صحيح لاتوجد دلائل علي ميلاد هذه النخبة، ومتي وأين ولماذا وهل ارتبط ميلادها بمشروع محمد علي في بناء مصر الحديثة، أم أن ميلادها سبق ذلك وبالتأكيد لها إرهاصات قبله، هل كانت حركة المقاومة ضد الحملة الفرنسية وحملة فريزر أحد أسباب بعثها، أم أنها واكبت عصر الخديو إسماعيل حين حاول نقل النموذج الغربي.
هذه النخبة هي التي أدت إلي تجربة بناء مصر الحديثة بعد ثورة ١٩ بدءاً من الجامعة وانتهاءً بدستور ١٩٢٣، ثم التطورات الثقافية والفكرية والتي بلغت أعظم درجاتها في الأربعينيات، ثم التجربة الاقتصادية العظيمة بقيادة طلعت حرب، لقد كانت بريطانيا العظمي مدينة لمصر بـ٤٥٠ مليون جنيه -كديون حرب- وكان الجنيه المصري يعادل جنيهاً من الذهب وأكثر من جنيه استرليني.
أين قضايا الحقوق والحريات السياسية، وحرية تكوين الأحزاب، دون مرورها بلجنة الحزب القائد، وبالقضاء، ثم إن ولدت بقيصرية فإن النظام السياسي يفرض عليها عيشها وحياتها في حضانات حتي تصاب بالكساح،

صحيح مع مقدم الثوار الشبان بقيادتهم لحركة يوليو ١٩٥٢ إنها لم تستوعب بل لم تفهم فكر وفكرة النخبة المصرية فأجهضتها وبعثرتها بضربة قاضية وكنت شاهد عيان علي بعضها.
ثم كانت العمليات العشوائية السياسية والاقتصادية والتأميمية والاجتماعية، أفضت بعمليات تصفيات رهيبة وقاسية لهذه النخبة، فظهرت مسميات وتسميات أهل الثقة وأهل المصالح وجماعة المنتفعين، وتشرذم المجتمع بدولته ونظامه إلي مجموعات شللية حتي الآن، بما تضمنه ذلك من مسميات أعداء الثورة في مواجهة عصابة الولاء لها، فتمت عمليات تصفيات للنخبة سياسية وجسدية وبدأت درجات من التصادم، المتطور في الربع قرن الأخير، بين النقابات والنظام، انتهت بنهاية حياة النقابات كلها، وبين النظام والقضاء، وبين النظام والأحزاب،وبين النظام وجميع الشرفاء، وبين النظام وحزبه الحاكم نفسه الحزب الوطني الديمقراطي.
أ) دور عبدالناصر: وللإنصاف بعض المواقف الشخصية للزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذي أدرك في بعض الأحيان دور هذه النخبة.
ب) دور السادات: كان يؤمن أحياناً بدور النخبة لخلفياته الدينية والسياسية والنظام والثقافية والفنية، وإن كان قد سجنها كلها في ٥ سبتمبر ١٩٨١.
ثم كانت كامب ديفيد والسلام مع إسرائيل بثمن بخس، فكان أعمق شرخ أصاب النخبة في مقتل، ثم توالت التصادمات مع الدولة فاختلفت النخبة، بعضها انسحب، وبعضها رحل، فحدث النزاع السياسي بل العداء تجاه النخبة، فكان مزيداً من التغيب والغيبوبة.
ج) بدأ عهد مبارك، حيث شهد المجتمع بعض التفهم، تجسد ابتداء في الإفراج عن ضحايا سبتمبر لكن سرعان ما حدث مزيد من التصادمات والخلافات مع الدولة ونظامها، بالتأكيد هناك عناصر شجعت ذلك وسعت إليه من داخل النظام نفسه لمصالح ذاتية، والحال الآن في منتهي الشرذمة والقسوة والتعنت والغيبوبة، وانتهي في نظري العقل المصري ويحتاج إلي معجزة لإعادة الحياة إليه بعد أن مات جزع المخ، وآية ذلك:
حال القضاء والقضاة، حال الجامعات وأساتذتها، حال ترزية القوانين وفسادها، حال التعديلات الدستورية ونتائجها وتأثيراتها، إنني أجزم بأن نصاً واحداً من الدستور لم يتم احترامه منذ صدوره في ١٩٧١ وحتي الآن، وأتحدي أي أثر منتج للتعديلات الدستورية سوي مزيد من تركيز وتكريس السلطة في شخص رئيس الجمهورية،
وفي سيطرة الحزب الوطني علي ما بقي من العقل المصري، وفي جماعات المنتفعين وفي تكوين مجلس الشعب وأدائه واستقوائه بأغلبية حزبه الحاكم في وأد الدور الرقابي له وانعدام الدور التشريعي ومخالفاته الدستورية، وفي القضاء المستمر علي المعارضة ووأد الرأي الآخر،
وفي كذب جميع البيانات الحكومية وفي موت النقابات المهنية وفي قانون حبس الصحفيين وفي حرمان الطلاب من العمل السياسي وسيطرة الأمن علي الجامعات ورحيل استقلالها وإعدام شيوخها بمكافأة قدرها ١٩٨ جنيهاً وفي مجموعات الشلل المتحكمة في كل موقع ومكان، وفي انعدام أبسط مبادئ المواطنة المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة، وفي طغيان الوساطات والمحسوبيات في شغل الوظائف وفي احتلال المواقع المختلفة. إن كل هذه المآسي أبعدت ما بقي من النخبة.
إن الإعلام الحكومي في محنة وفي تشوه إن التليفزيون الحكومي عليه رقابة مشددة ومنع لشخوص بعينها من الظهور فيه مما بقي من النخبة. إن برامج التليفزيون مملة ومتكررة ومستنطقة للرأي الذي تسعي إليه.
إن بعض صفحات الرأي في الصحف الحكومية مراقبة بشدة ولدينا تجارب.
إن النظام الحاكم بحزبه وبفكره الجديد راهن -بخسارة جسيمة- بإحداث تصادم علي الجميع، من خلال كتيبة من رجال المال، سيطروا علي كل شيء وذلك أسوأ السوءات.
وعن العنصر الثاني، لا أبتغي التعميم، ولكن الحقيقة إن النظام السياسي القائم بما يتضمنه من كل المؤسسات القائمة عليه، أو القائمة فيه بحزبه الكاسح، اشتق من جموع المثقفين الذين وضعوا الأساس لرؤاه السياسية وتداول السلطة، وأخطأ الأخطاء لمضمون الديمقراطية كلها، إننا لا نجد حواراً قائماً بلا اتهامات، أو موقفاً بلا تصنيف.
صحيح إن المثقف المصري له تاريخ طويل في اتساع الأفق والرؤي واللغة، لكن المناخ السياسي السائد الآن بما يتضمنه من تداخل وتشابك المصالح مثل الأساس في العبثيات القائمة، وانتهي الأمر إلي عمليات قهر وكبت سادت مجتمعنا بكل نماذجه الفرعية والنظام السياسي القائم بكل أفرعه ومؤسساته، إن من المثقفين من قبلوا ويقبلون أدواراً شاذة، وغريبة، ومتصادمة، بين الدفاع عن الظلمات والتبريرات، وقسوة سوء العدالة الاجتماعية، وتفسخ التضامن الاجتماعي، أو كتابة التقارير في بعضهم البعض للأجهزة الأمنية، أو افتعال معارك بقصد إدانة هذا أو ذاك.
ومن ثم فإذا لم تكن معي فأنت ضدي هو الشعار القائم وهذا هو منطق القطيع في الكلأ المباح وليس أبداً منطق الإنسان ولن يكون. إن النظام السياسي القائم لا يقبل أن تكون معه بنسبة ٦٠% أو ٧٠% أو حتي ٨٠% ولكنه استمرأ وتعود وأدمن علي الأقل نسب الأربع أو الخمس تسعات.
مثل مجاميع الثانوية العامة في الزمن الأغبر الذي نعيشه والتي تجاوزت أكثر من مائة في المائة لعبقريات تلاميذ هذا الزمان طبقاً للنتائج المعلنة في الأسبوع الماضي، ومن ثم فلا عدوان من النظام القائم حين قبل نسبة الخمس تسعات.
ومن بعد ذلك ووفق ما هو قائم هل يكون هناك حوار، بل هل نتقبله أو نسعي إلي لغته أو صياغته أو الإقناع والاقتناع بالرأي والرأي الآخر، إن تفريغ النظام السياسي القائم هو مثل تفريغ الثانوية العامة بعد تجاوز نسبها أكثر من مائة في المائة.
فكانت حتمية نتائج الانتخابات المزورة، والاستفتاءات الباطلة بل المنعدمة رافضين أي نسبة للحق والحرية، مجبرين علي منهجية القهر والكبت والتحايل والفساد والإفساد وسرقة المجتمع بأكمله مالاً وأرضاً وعرضاً، حيث سادت فئة رجال المال أو الأعمال بكل أوجه فسادها وإفسادها المجتمع بنهب الأموال وبيع مصر، كما حدث في تجربة السادات سنة ١٩٧٤ والتي أسهم فريق من المنتفعين في إبطالها،
بيع مصر لشركة مفلسة، والآن تباع مصر بالمزاد بعد أن استنفذت سياسة الوزارات السابقة التخصيص بالمجان أو بالملاليم، ولم يجد النظام من يخصص له فأقام المزادات لبيع ما تبقي من أرض مصر، ومال مصر ومشروعات مصر وحقوق مصر تحت شعار التنمية المجتمعية وتحت أسوأ شعار عرفه الاقتصاد المصري المسمي بالخصخصة وتصدير نساء مصر للعمل خادمات لدي دول كنا نصرف عليها وتحيا بمعونتنا.
إن حزب الأغلبية أو بالأحري حزب النظام إذ يتشدق بكلمات مظلمة مثل الرأي والرأي الآخر، وبما سماه بالفكر الجديد، والحوار إلي آخر هذه الخزعبلات والكلمات الفارغة مضموناً وهدفاً، بجانب الأحزاب الورقية في معظمها، إننا نحرث في الماء بلا أمل في حرث أو زرع أو تقبل لرأي آخر غاير رأي النظام وحوارييه.
إن الدنيا كلها تسير بشكل أسرع من الصوت تنمو وتتطور حتي الدول الأشد تخلفاً والأشد معاداة للرأي الآخر ولغة الحوار ترضي بأقل من ٦٠%، مصر بتاريخها وحضارتها وقيمها التي كانت نائمة بعد أن تم وأد بعضها تم تهميش ما تبقي منها.
وثالث العناصر يؤكد انعدام أي استراتيجية للإعلام أو الاقتصاد أو التعليم أو الثقافة، فمثلاً الإعلام الحكومي: التليفزيون - برامجه - حواراته - استنطاق من يشارك فيها بما ترغبه الحكومة من آراء، صحافته الحكومية وخسائرها والرقابة عليها.
والاقتصاد: اغتيال حقوق وأموال مصر أرضاً وصناعة ومشروعات وقوة بشرية.
والتعليم: انعدام أهدافه ومبتغاه لانعدام أي استراتيجية له التعليم الأساسي وتفريعاته والجامعات وانهيارها، ليس للفقراء أو حتي متوسطي الحال مكان للتعليم أو التعليم في مصر، تعدد أنماط ونماذج التعليم المختلفة لأولاد من الملاك وأرباب المال، وجماعة المنتفعين.
والثقافة: أين هي وإن تواجدها سوي دخول وزيرها في مشاكل يختلقها وسوي أناشيد وأغاني ما يسمي بثقافة السلام.
وبالنسبة للعنصر الرابع، فلن تكون إسرائيل أبداً في أي لحظة، كياناً يقبل السلام ويتعايش به في المنطقة، وهي كيان شاذ عدواني، قام بالعدوان والظلم والجبروت وعلي سند أن فلسطين أرض بلا شعب، وأن اليهود شعب بلا أرض وعليه يجب أن يعود الشعب الذي بلا أرض إلي الأرض التي بلا شعب.
صراع دموي منذ قيام إسرائيل، بل ومن قبل قيامها وحتي اليوم وإلي الغد، تاريخ طويل تحدد شكله بالعدوان الإسرائيلي والقتل والدم واغتيال الحقوق العربية وسفك الدماء العربية وتشويه سمعة بعض رموز مصر. إننا جيل عاش كل مرارة وألم هذا الصراع، وشاهد وتأكد من الخيانات والجرائم التي حدثت عبر عشرات السنين مابين الهزائم والانكسارات، ومن ثم فلم نكن أبداً من الذين يرون أن هناك بارقة أمل في سلام مع إسرائيل، أو أن السلام أمر غير محتمل معها إننا نتألم ونتعجب من الذين هرولوا علي دماء الشهداء والحق العربي والكرامة العربية، وما ضحت به مصر قرابة نصف قرن أو يزيد قبل زرع الكيان الشاذ في قلب المنطقة.
وتمت هذه الهرولة في ظل تطور خاطئ تماماً من أن الطريق إلي السلام والأمن أصبح ممكناً، وتمت الهرولة من جانب جماعات المنتفعين تحت بواعث قديمة سموها بالسياحة، والتطبيع، ثم الشعار الفاسد المسمي بثقافة السلام، فدخلنا في حواري ومتاهات من العلاقات المظلمة المشبوهة، بل تم تقنين هذه العلاقات المشبوهة بدءاً من الكويز وصادرتنا من الغاز والبترول بأسعاره الزهيدة المتدنية، وكأن إسرائيل هي الدولة الأولي بالرعاية لقيامها بالقتل والعدوان والتهديد والظلم والجبروت،
ومن ثم كان الأدوار الشاذة المهينة لكرامتنا من قبل أدوار محددة للمسؤولين، وأدوار واسعة الأفق لجمعيات المنتفعين من أصحاب المال والتجارة والفساد والإفساد، وفي رأيي أن سيناء هي الأخطر والأشمل تحت بند الأمن القومي المصري، وتمثل خطاً أحمر فقدناه، كما تمثل التهديد المستمر لمصر كلها احتلتها إسرائيل سنة ١٩٥٦ وسنة ١٩٦٧ صحيح تم عودتها ولكنها مفرغة تماماً من مضمون العودة والسيادة وإمكان اتخاذها خط الدفاع الأول.
بل إن مواطني سيناء يشعرون بغربة في قضية الانتماء بفضل السياسات القمعية الأمنية وبفشل عدم القدرة علي تعمير سيناء بسبب معاهدة كامب ديفيد ولزومية تعديلها بل إلغائها، فهذا أوجب وأفضل يجب الوقوف بأمانه المسؤولية عن هذا الوطن ضد مواكب وجماعات المنتفعين والسلام الكاذب الساذج بما يسمي بثقافة السلام.
وعن خامس العناصر ولم تكتف جماعات المنتفعين بما هو قائم عند حد التهديد الفعلي للأمن القومي من خلال حال سيناء، ومن خلال الهرولة إلي إسرائيل. إن النظام السياسي القائم أقدم علي بيع أرض مصر كلها ومنها سيناء دون ثمن وإلي أناس غير أمناء، إن لم يكن أعداء هناك أكثر من أربعة قضايا هامة بشأن بيع أراض من سيناء لجماعات منهم إسرائيليون أو لطرف ثالث غير معلوم وسعر المتر مائة وخمسون قرشاً وبملايين الأمتار والمساحات وكلها مطروحة علي التحكيم الدولي،
وبعضها تم خسارته وبتغطية إعلامية خائنة ومريبة وأسوأ السوأت بجانب أرض سيناء هي السياسة المنكوبة الفاسدة المرتشية، وعلي يد بعض الوزراء الذين لم يحترموا القسم، ولا عرض هذا الوطن فخصصوا ونهبوا ووزعوا علي جماعات المنتفعين الآلاف المؤلفة من قطع أرض هذا الوطن، ثم التجارة بها كل شيء للبيع، ولكن لمن وبأي ثمن فسيطرت الأموال المحرمة علي السلطة المغتصبة.
ويتحدث العنصر السادس عن الفساد الذي عم وانتشر وتغلغل وتمكن بشكل سرطاني من جميع أركان النظام: ماله وسلطاته وممتلكات هذه الأمة ومواطنيها بطغيان لا مثيل له، فليس هناك من رقم صحيح واحد فيما تفعله الحكومة وليست هناك أي مساواة أو أدني مبادئ للحقوق والحريات وانعدمت العدالة الاجتماعية واندثرت أية مبادئ أو عناصر لتكافؤ الفرص وفق الدستور الذي لم يحترم أي نص فيه منذ ميلاده سنة ١٩١٧.
العمولات والوساطات وتوريد الموت بأكياس دم فاسدة والطعام الأكثر فساداً والسياسات الفاشلة، وكل شيء يتم توريثه مالاً وعملاً وأرضاً ثم كانت مظاهرات واعتصامات الوطن إنساناً وأرضاً.
انظر حالة انهيارات الخدمة الطبية للمواطنين بأخطاء قاتلة وتكلفتها الباهظة لدي القطاع الطبي من المستشفيات ملك الشعب، يا أهل الحكم رئيساً وحزباً وحكومة اذهبوا إلي أي مستشفي حكومي لتروا بأعينكم المرضي يئنون ويموتون في طرقاته وأمام أبوابه.
وأقصد بالعنصر السابع ضحالة وسخافة وسطحية ما يسمي بثقافة السلام والتغني بها بأغاني العري وكليبات المجون والمؤتمرات المشبوهة وجرجرة الجميع من خارج مصر للانضمام إلي مواكبها المؤثمة.
أما العنصر الثامن فيتحدث عن النظام الاجتماعي بمعناه العام الذي يتضمن جميع أفرع هذا النظام من نظام سياسي، ومن نظام اقتصادي ومن نظام أمني ووظيفي، ومن غياب مطلق للعدالة الاجتماعية بل وتحريض عليها، وإفساد لكل القيم بالنهب المقنن والسرقات الفاجرة وابتلاع الأموال.
ليس هذا كلاماً مرسلاً، وإنما هو حقائق تعالوا معاً إلي تقارير الجهاز المركزي وهو حكومي ويتبع رئيس الجمهورية، كلها إدانة موثقة لاغتيال المال العام، ونهبه تعالوا إلي طائفة الخبراء، أو ما سماهم بالمستشارين من الجهاز الإداري وقطاع الأعمال العام وكاتب الوزراء بعشرات الملايين المنهوبة مع ضحالة جداول الرواتب للعاملين في الدولة، مما شرع وقنن لبعضهم الرشوة والفساد والنهب، بل حللها المفتي وفق مقصد من يقدمها علي النحو الذي قاله، فأصبحت مصر كلها في حالة سرطانية متأخرة جداً ومتقدمة للغاية.
ويحمل العنصر التاسع سؤالاً عن الحل.. فهل يكفي الحزن؟ هل تكفي أغاني التليفزيون بأننا في مصر؟ وأنت أكيد في مصر والمصريون أهم. إن الحزن والبكاء والرثاء واجترار الآلام لا يكفي. إن مبرر وجود النظام القائم هو نفي وجود الآخر أياً كان. بل إن بعض ما يسمي بالأحزاب السياسية اعتنقت هذه المقولة أو هذا الفهم الخاطئ أيضاً بنفي الغير.
العنصر العاشر وبعد: ماذا يبقي للمجتمع إذا فقد كل قيمة، وغابت، وتغيبت الضمائر وسقطت قدسية الأرواح، وأصبح الإنسان أرخص شيء علي أرض وطنه، وسادت المحسوبية، فأصبحت السلطان الحاكم في مصر. ماذا بقي للإنسان المصري بعدما فقد مصيره ومستقبله ورزقه بما هو قائم من نهب وجهل وجهالة وفشل وسطحية وكذب فاجر أشر ـ بموجبه استباح التميز والقيم وأنهارت أبسط مبادئ تكافؤ الفرص والمساواة والعدالة.
كل سلعة أو خدمة أو حتي رشوة زادت أسعارها بينما يتناقص سعر الإنسان المصري.
مزادات الأراضي بشكل جاهل وفاجر وبغباء استهدف بيع مصر حاضرها ومستقبلها بل وماضيها، بينما سعر سلعة البشر ثقيلة ورخيصة ويحب تكهينها.
آلاف الحوادث ذهب بسببها ملايين الضحايا من البشر المصري.
ـ أرواح المصريين التي ذهبت في مسلسلات دامية: بواخر وعبارات بينما ذهب مسببها ومرتكبها إلي جنات أوروبا وبلا أدني مساءلة جنائية أو حتي سياسية، القطارات التي تعودنا حوادثها طول الساعات يومياً، العمارات المباني المواصلات.. وصرخات وأنات العطشي والجوعي.
ـ الواسطات في التعيينات وقتل الأمل وإجبار الشباب علي الانتحار، ووصلت هذه النكبات إلي القضاء، فأصبح التعيين فيه لأدني طبقات الخريجين الذين يملكون أعلي طبقات الوساطات وفي سائر القطاعات الأخري.
ـ التعليم والتحايل علي مجانية وفساد الجامعات وبواعث الجامعات الخاصة وسائر أنواع التعليم ثم يأتي وزيران يتحدثان عن جودة التعليم ومن كوكب آخر.
ـ أولاد الأكابر والمسؤولون وأبناء من يملكون المال بالرشوة لأبنائهم بشكل مفجع يفسدون مصر وشعبها وأرضها وأبناءها وقيمها بأموالهم المنهوبة المختلسة المستولي عليها.. إن الحزن لا يكفي علي حالنا ومالنا

المصرى اليوم 7/8/2007

No comments: