Saturday, August 04, 2007

اين هو الاستاذ اسكندر المصرى الاصيل ؟

تكن هيستريا تجميع وهبر الاموال قد استقرت وسيطرت على مقدرات الوطن , ولم تكن خرافات التطرف الدينى على كافة الاتجاهات قد اصبحت بديلا وطنيا مثاليا, ومرجعا اساسيا يحتزى به , ويضحى بالغالى من اجله , كان الوضع فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى , افضل حالا مما حدث ويحدث فى هذه الايام , سواء على صعيد القيم الوطنية الحقيقية , او على مستوى الوضع الاقتصادى والسياسى والاجتماعى والثقافى والتعليمى , كانت لا زالت هناك بعض من مدخرات ثمينة تركتها لنا حقبة الستينيات , وكان هناك من لا يزال يحتفظ بالاصالة والقدوة والانتماء والجدعنة المصرية المتوارثة عبر سنوات ابعد من فترة الستينيات , وتاريخ اكبر من تواريخ عالمية متعددة , تاريخ كان لا يزال لم يأتى اليه بعد عصر العولمة والتطرف الارهابى الدينى المتحالفين والمدعومين بالغرب الامبريالى قولا وفعلا مهما حاول البعض تبييض وتنصيع الصفحات المشئومة القذرة ---كان الاستاذ اسكندر مدرسا لمادة الطبيعة او الفيزياء فى احد المدارس الثانوية بمحافظة الجيزة المصرية العريقة , فى فترة السبعينيات من القرن الماضى كما اسلفنا , وكانت مادة الطبيعة او الفيزياء فى ذلك الوقت , قد طرأ عليها بعض التحديث والتطوير , مما جعلها اكثر صعوبة على الطلاب والمدرسين معا , لكن بالطبع فان المدرس النابه العالم كان يستطيع بالقليل من القراءة والاطلاع خارج المناهج ان يسيطر على المادة وييسرها ويبسطها لطلابه , وقد استغل الكثيرون من الاساتذة كل ذلك من أجل تكثيف عمليات الدروس الخصوصية للطلاب وتحقيق المكاسب المالية , اذ ان الدروس لم تكن قد توسعت كما يحدث حاليا, وكانت تقتصر على المواد الصعبة او تلك التى اعتراها بعض التحديث كمادة الفيزياء , لكن الاستاذ اسكندر رفض ان ينزلق الى هذا المنحدر الاستغلالى برغم كفاءته العلمية وشطارته فى تبسيط المادة واحترام الطلاب له والحاحهم على تلقى الدروس الخصوصية على يديه , بل قرر بدلا من ذلك , ان يقدم دروسا مجانية جماعية للطلاب فى مقر المدرسة , بعد انتهاء المواعيد الرسمية لمن يرغب , وبالطبع لم يخطر على باله فى ذلك الوقت ان تكون الدروس فى مقر دينى لطلاب طائفة محددة , بل كان العلم للجميع فقراء واغنياء , مسلمين ومسيحيين , واستمر فى ذلك برغم ما تعرض له من بعض المتاعب , من المنافسين المستغلين , وبرغم حالته الاقتصادية المعتمدة على راتبه فقط , لدرجة انه كان يأتى الى المدرسة بالاتوبيس المكتظ بالركاب , بينما زملاؤه من المدرسين يأتون فى تاكسى او سياراتهم الخاصة هذا النموذج المحترم للمصرى الاصيل القدوة , لم يكتفى بالمساعدة العلمية التى كان يستطيعها , لكنه كان يأخذ بيد المظلومين من الطلاب حتى فى اكثر الامور حساسية بالنسبة له , فمثلا كانت هناك احتفالات سنوية بالاعياد الدينية الاسلامية فى المدرسة , وكان الرجل يحرص على الحضور لتكريم المتفوقين علميا ودينيا, حتى لو اقتصر الامر على المسلمين من الطلاب , وفى احد السنوات اقيم احتفال بمناسبة المولد النبوى الشريف , وتم اعداد بعض الكشوف باسماء العديد من الطلاب , لتلقى الهدايا المقدمة من ادارة المدرسة, واكتشف الاستاذ اسكندر ان الاسماء التى سوف تكرم فى المناسبة الدينية الاسلامية , هى اسماء لطلاب مشاغبين منحرفين لا مبرر لتكريمهم سوى انهم اما اقرباء للبعض او يتلقون دروسا لدى البعض الاخر , فانفجر الرجل ورفض هذا التكريم وطلب من مدير المدرسة اعادة دراسة الاسماء المطلوب تكريمها وقدم بنفسه كشفا باسماء من يستحقون التكريم بالفعل من الفقراء المتفوقين علميا ودينيا -وقام مدير المدرسة بلقاء الطلاب بنفسه , واخذ على الفور بالقائمة المقدمة من الاستاذ اسكندر لما ثبت له ان الطلاب المختارين بواسطته هم الاجدر بالتكريم هكذا كانت مصر وهكذا كانت القدوة --فاين ذهب الان الاستاذ اسكندر المحترم الاصيل ؟

حسن مدبولى

www.hambooly@yahoo.com

الحوار المتمدن - العدد: 1998 - 2007 / 8 / 5

No comments: