Tuesday, June 26, 2007

حماس تسقط القناع عن ديمقراطية الإخوان

في ظل تنمية «الاستقلالات» والتباهي بـ«السيادات»، رَبَّى النظام العربي جيلا جديدا غير قادر على تشكيل رؤية عامة واعية لما يجري على امتداد الوطن الكبير.
هذا الجيل يعتبر انفصال غزة عن الضفة مجرد حدث يعني الفلسطينيين وحدهم. وكأن إبداء الأسف والحسرة يكفي. لم أقرأ أو أسمع الى الآن تحليلا لانعكاس الحدث الفلسطيني على المشهد العربي، على النظام العربي، على المستقبل السياسي والاجتماعي والثقافي للمجتمع العربي، على العلاقة بين القوى الدينية والقوى السياسية، في حال وصول المتدينين المتسيسين (الإخوان مثلا) الى الحكم في بلد عربي.
نحن الآن أمام انهيار نظام عربي تحت مطارق «الجهاديين».
السلطة الفلسطينية ترزح تحت وطأة الاحتلال، لكنها عمليا هي نظام عربي شبيه شكلا وموضوعا بأي نظام عربي آخر. هذا النظام لا يتعرض فحسب الى معارضة سياسية ضده، إنما يواجه حكومة انفصالية في غزة، فقدت شرعيتها بالتمرد المسلح عليه، وبفصل قطعة من الوطن عن سلطته، مُقدّمةً الآيديولوجيا الحزبية الضيقة على النضال الموحد ضد الاحتلال.
كيف يمكن مواجهة «حماس» من دون تجويع غزة؟
الى الآن، ليس هناك موقف موحد للنظام العربي إزاء الحكومة «الجهادية» الانفصالية. بل هناك مواقف رسمية مختلفة. وحتى القوى القومية التي حزنت على سقوط صدام، وملأت مؤتمراتها وصحفها وأشداق ساستها بالنحيب والعويل على «فضائل» نظامه، ظلت صامتة إزاء الشرخ العميق الذي أحدثته «حماس» في النضال الفلسطيني.
إيران تتكتم فرحتها بنصر «جماعتها» في غزة ، وكأنها لا تدرك ان وصولها الى غزة سوف يقرب موعد القصف الأميركي / الاسرائيلي لها. سورية تبدي أساها التقليدي «القومي» ، وتكتم هي أيضا الحبور والسرور بما حدث لنظام عباس حليف الأنظمة العربية المختلفة معها، فيما السعودية تعتقد أن إمكانية الحوار متوفرة بين غزة والضفة.
موقف أولمرت يختلف. اسرائيل وأميركا «مبسوطتان» لانفصال حماس عن عباس. كان اسحق رابين يتمنى أن تغرق غزة في البحر. بحر غزة يُغرق اليوم الجميع عربا وإسرائيليين وأميركيين.
الكل متفق على تعويم عباس. تمويل أميركا وأوروبا للضفة ليس كفرا وخيانة كما تزعم حماس. كأن الجهاديين يريدون أن يبقى ما تبقى من فلسطين فقيرا بائسا، يحمل البندقية، ولا يعرف أن الإنعاش الاجتماعي والاقتصادي هو أساس المقاومة الناجحة.
أولمرت لن يفصح في شرم الشيخ عما ستفعله اسرائيل بغزة. الواقع أنها في حيرة. هل تغازل اسرائيل حماس تعميقا لانفصالها عن عباس؟ هل تستمر بتزويد هنية والزهار وصيام بالوقود والكهرباء، وتسمح بمرور الغذاء؟ أم أنها ستعمد الى تقويض الامارة الإخوانية عسكريا؟ هل تقبل بتدويل غزة بقوات دولية محكوم عليها بالفشل سلفا، أم انها ترضى بتمصيرها، لا سيما ان لمصر «سوابق» في غزة؟
مبارك رسم حماس خطرا على الأمن الوطني المصري. وبخ مبارك حماس على الانفصال والهجر. سحب وفد الوساطة الأمني. نقل بعثته الديبلوماسية من غزة الى رام الله. وهو حاسم في اتهام أصابع ايران باللعب في غزة.
الأردن المشغول بهمِّ الضفة لا يقل عن مصر المشغولة بهمِّ غزة. عباس مطالب بالنجاح في إدارة الضفة: طرد القادة الأمنيين الهاربين من حرب غزة. مكافحة الفساد. تقديم قيادات جديدة شابة.
عباس رئيس عادي في ظرف استثنائي. يقول انه لن يجدد ولايته. مَنْ المرشح؟ ربما كان الأسير مروان البرغوثي هو الأصلح. هل تفرج اسرائيل عن مروان، ليوحد فتح في مواجهة حماس وإيران؟
النظام العربي يجب أن يدرك أن الضفة باتت بعد الاستيلاء على غزة هدف حماس والجهاديين الأول.
القلق في الأردن كبير. النظام الأردني يعرف ضعف نظام عباس. هناك عودة سرا الى التفكير بالفيدرالية. «حماسيو» الأردن و«اخوانه» متحمسون للفيدرالية. مشعل يرسل قبلات على الهواء من دمشق الى عمان، أملا بيوم تنتقل فيه دولة حماس من غزة الى الضفة، ومن ثم الى... دولة الأردن.
على المستوى النظري، فقد نجحت «حماس» في اسقاط القناع عن ديمقراطية «الاسلام السياسي». كشفت حماس زيف تخلي «الاسلام الاخواني» عن الحاكمية «الآلهية» التي بشَّر بها سيد قطب مفكر الاخوان الوحيد، وأسند الى «الجهاديين» من إخوان والجماعات الأشد تزمتا مهمة تطبيقها، لأسلمة «المجتمع الجاهلي»، ومجاهدة الكفر العالمي.
نجح اخوان مصر والأردن وسورية في اقناع القوى السياسية من ليبرالية وقومية، بأنهم باتوا مؤمنين بالتعددية الحزبية. أقام الاخوان جبهات معارضة. عقدوا مواثيق. نسقوا على أساس احترام الآخر. كل ذلك لإضعاف النظام العربي وإسقاطه.
كان مبارك حاسما في قوله «لو تركناهم لقتلوا الناس».
ها هم اليوم يقتلونهم في غزة. يسحلونهم. يقذفون بهم من ناطحات السحاب. يدوسون صور عرفات وعباس. يسجدون. يقبلون الأرض. لقد حققوا هم ايضا «نصرهم الإلهي». فقد حرروا غزة، ليس من الاحتلال، وإنما من السلطة الوطنية. نعم، كانت الأجهزة الأمنية فاسدة، لكن كل ذلك لا يشكل ذريعة للانسحاب من ديمقراطية المشاركة، لمجرد الشعور بالقوة القادرة على الغاء الحلفاء والشركاء السياسيين.
حتى قداسة مكة، لم تفرض على حماس الالتزام بالوحدة الوطنية.
اثبت اخوان غزة أن الاخوان في كل مكان غير مؤهلين أو مؤتمنين لممارسة ديمقراطية المشاركة والحوار السلمي، اذا ما وصلوا يوما الى الحكم والسلطة. ليس هناك رادع ديني للانتهازية السياسية.
تعاون اخوان غزة مع الاحتلال سنينَ طويلة في سنوات النشوء والتكوين. هم اليوم يتهمون «فتح» بالخيانة وفسق التعامل مع اسرائيل وارتكاب الفاحشة.
اخوان مصر والأردن لا يتحرجون من محاورة أميركا ولقاء ممثليها. هم يحتلون منصب نائب رئيس الجمهورية في عراق الاحتلال. هم يحالفون خدام. يعرفون أن لا قاعدة شعبية أو حزبية له. غدا يلقونه بعيدا اذا ما وصلوا الى الحكم في سورية. نعم، وَبَّخَ الاخوان «حماس» على تسرعها. مجرد «شدة أذن»، لكنهم غضبوا على «حلفائهم» في مصر والأردن الذين دانوا انفصال غزة.
حقا وللطرافة أن النظام العربي بات أكثر «تقدما» بالمقارنة مع مجتمعه. لكن ما زال النظام يسأل مندهشا عن أسباب نجاح مختلف أنواع «الاسلامات» في اختراق المجتمع؟
السبب الأول سقوط قيم الحرية. المجتمع العربي غير آبه بحريته. المجتمع في فقره الفكري والمادي مستسلم لقوى التلقين. النظام يسمح لحليفه «الاسلام التقليدي» في تهيئة المجتمع بفتاواه وعظاته وطقوسه، لتقبل الفكر «الجهادي» المتزمت، ولفكر الجمودية الاخوانية.
بيدي لا بيد عمرو وابن لادن والظواهري وحسن حزب الله... النظام يقدم نفسه ومجتمعه فريسة لقوى الجمود، طورا بحجة تشجيع «الاسلام المعتدل»، وطورا لإثبات تقواه.
الواقع ان توجهات التنمية الخاطئة أدت الى انهيار الطبقة الوسطى المؤمنة بالانفتاح وتنويع الثقافة وإعلاء شأن العقل. وفي غيبة هذه الطبقة، تملأ الفراغ قوى الاسلام «السياسي»، من غير أن يدرك النظام ان حلفاءه وأعداءه في هذه الطبعة من الإسلام، هم أول من يشجعه على تقويض وجوده بيده، لا بيد عمرو. اذا كان النظام العربي مشككا او مترددا، فليسأل عباس المهاجر من غزة واللاجئ الى مخيم الضفة
غسان الإمام 26/6/2007
الشرق الأوسط

No comments: