فى حوار صريح و كاشف تطرق أبوزيد إلي تشريح أسباب انحطاط واقعنا الفكري والاجتماعي والسياسي، ورؤيته لظاهرة صعود تيار الإخوان المسلمين وقضايا التوريث والديمقراطية والإصلاح والتعليم والأمن، وتحليل موقف النظام تجاه هذه القضايا.
ورفض أبوزيد الاستبداد أياً كانت شعاراته، معبراً عن موقفه إزاء جميع معارضيه بقوله: «أقول للجميع أنا قد أخاصمكم فكرياً لكنني أدافع عن حريتكم حرصاً علي حريتي».
ورفض أبوزيد الاستبداد أياً كانت شعاراته، معبراً عن موقفه إزاء جميع معارضيه بقوله: «أقول للجميع أنا قد أخاصمكم فكرياً لكنني أدافع عن حريتكم حرصاً علي حريتي».
د. نصر.. مصر رايحة علي فين؟
- إذا كنت متشائماً مثل كثيرين فالإجابة أن مصر تسير في سكة الخراب والدمار، وأنه لا أمل ما دام الفساد ينخر عظام المجتمع، وما دام الاستبداد يتربع في كل ركن من أركان الحياة الاجتماعية والسياسية والتعليمية، وإذا كنت متفائلاً تري التململ والاعتراض في وجوه الناس، وتسمع أصوات الاحتجاج في كل مكان، وإذا كنت تؤمن بأن دوام الحال من المحال، فلاشك أنك تتوقع تغييراً آتياً نحو الأفضل والأحسن، أما وإني «متشائل» فإنني أحاول بفكري وقلمي أن أساهم في دفع حركة التغيير، لأنني أؤمن بالمستقبل وبقدرة الأجيال الشابة علي رفض الإجابات الجاهزة، الإجابات المحنطة، والسعي لاكتشاف إجابات جديدة، أقول «أحاول» مع كثيرين غيري المساهمة في اكتشاف ملامح مستقبل.
- إذا كنت متشائماً مثل كثيرين فالإجابة أن مصر تسير في سكة الخراب والدمار، وأنه لا أمل ما دام الفساد ينخر عظام المجتمع، وما دام الاستبداد يتربع في كل ركن من أركان الحياة الاجتماعية والسياسية والتعليمية، وإذا كنت متفائلاً تري التململ والاعتراض في وجوه الناس، وتسمع أصوات الاحتجاج في كل مكان، وإذا كنت تؤمن بأن دوام الحال من المحال، فلاشك أنك تتوقع تغييراً آتياً نحو الأفضل والأحسن، أما وإني «متشائل» فإنني أحاول بفكري وقلمي أن أساهم في دفع حركة التغيير، لأنني أؤمن بالمستقبل وبقدرة الأجيال الشابة علي رفض الإجابات الجاهزة، الإجابات المحنطة، والسعي لاكتشاف إجابات جديدة، أقول «أحاول» مع كثيرين غيري المساهمة في اكتشاف ملامح مستقبل.
.. ما تفسيرك لنجاح الإخوان في تصدر واجهة المشهد السياسي في مصر؟
- أري هذا النجاح نتيجة طبيعية، وكان ينبغي ألا تفاجئ أحداً، لأمرين: الأول أن هذا النجاح محصلة لعمليات «الخصاء» العقلي والفكري -سياسياً واجتماعياً وتعليمياً- التي تعرض لها الواقع المصري خلال العقود الأخيرة، يتمثل هذا «الخصاء الفكري» في قمع المعارضة سياسياً، وفي السيطرة الكاملة علي الإعلام والتعليم، وكلا الأمرين أدي إلي خنق أي إمكانية للتفكير الحر، والأمر الثاني: أن الدولة حين تغيب وتتنازل طواعية عن أداء دورها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي تخلق فراغاً يحتله الأقدر، وهذا ما حدث حين تخلت الدولة المصرية مع بداية عملية «الانفتاح الاقتصادي» عن دورها، فكان «الإخوان» القوة التي ملأت الفراغ وسدت الحاجات الاقتصادية والاجتماعية بل والتعليمية.
.. إزاء صعود التيار الديني تجد أن اليسار المصري يعاني من إخفاقات متتالية، هل لهذه الإخفاقات أسباب تاريخية؟
- صعود التيار الديني ليس مسؤولاً عن إخفاق اليسار، بل الأسباب التي أدت إلي صعود التيار الديني هي نفسها التي أدت إلي «خنق» كل التيارات الأخري يسارية أو ناصرية أو ليبرالية.
.. أيضاً لماذا فشل المشروع الليبرالي في مصر، ولماذا هو دائماً مرتبط بالغرب؟
- مسألة الارتباط بالغرب في حاجة إلي تدقيق، إن سؤال «النهضة» في مصر وفي العالم العربي بل والعالم الإسلامي عموماً كان أحد تجليات عملية التفاعل الحضاري والثقافي الناتجة عن المشروع الإمبريالي بدءاً من الحملة الفرنسية علي مصر في نهاية القرن الثامن عشر، وهذا أمر طبيعي، حيث تكتشف «الأنا» حالة تخلفها حين تلتقي «الآخر» المتقدم، لذلك كان السؤال النهضوي: لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟ هكذا بدأ فكر النهضة في التبلور، جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ثم قاسم أمين ولطفي السيد وغيرهم، من هنا لا يصح أن نقرن الفكر الليبرالي بعلاقة «ارتباط» بالغرب، إذ يوهم مفهوم «الارتباط» بوجود علاقة «تبعية»، وهذا أمر لا يصح تاريخياً، قد يصح هذا الارتباط التابع في وصف العلاقة بين «الليبرالية الجديدة» في العالم العربي وبين «الليبراليين الجدد» في أمريكا.
.. وهل هذا هو سبب هجومك عليهم في الفترة الماضية؟
- أنا لا أشن هجوماً، بل أمارس نقداً، لكن من المؤسف أن مفهوم «النقد» في ثقافتنا مفهوم سيئ السمعة، ونقدي يتمثل في كشف «خلل» الممارسة الليبرالية التي تستبعد وتقصي كل ما يخالفها وتلقي به في سلة «اللاعقلانية»، وفي رأيي أن الليبرالية انفتاح علي كل الاحتمالات واختبار لكل الممكنات، وقد كان سياق نقدي هو الهجوم علي «المقاومة» -وهي اختيار صحيح في نظري في هذه اللحظة التاريخية من تاريخنا- باسم «الليبرالية» و«العقلانية»، نقدي إذن ليس موجهاً لليبرالية مطلقاً، بل هو موجه لليبرالية مشوهة.
.. كيف تري قضية التوريث ومخاوف قوي المعارضة منها؟
- توريث الحكم أمر يعيدنا إلي القرون الوسطي، حيث الشعوب «رعايا» والحاكم «راع»، والرعايا فقط - لا المواطنون - هم الذين يصح أن يرثهم «ابن الراعي»، لاحظ الجذور الصحراوية البدوية للمفاهيم السياسية، الرعي - الرعايا - الراعي، نحن الآن في إطار يستحيل فيه التوريث، ويصل توريث الحكم إلي مستوي «الجريمة»، طبعاً «التوريث» في مصر يستند إلي أطر ديمقراطية عززتها التعديلات الفضيحة للمادة ٧٦ من الدستور. وكما يتم تشويه «الليبرالية» يمكن تشويه «الديمقراطية»، بل يمكن تشويه كل القيم الإنسانية.
.. ما تقييمك للجنة السياسات بالحزب الحاكم أو ما يطلق عليهم مجموعة الإصلاحيين؟ وهل هناك وجود لما يسمي بتيار إصلاحي؟
- أعتقد أن تقييم الدكتور «أسامة الغزالي حرب» هو التقييم الصحيح، لأنه نابع من تجربة من الداخل. ولجنة السياسات كما أراها ذات وجه شبابي لا يمكن إنكاره. استطاع الشاب «جمال مبارك» أن يجذب لعضوية اللجنة كثيراً من العناصر الشابة ذات النضارة والبراءة السياسية، بمعني افتقاد «هوية أيديولوجية» مسبقة. هذه الوجوه النضرة تكون في العادة أكثر استعداداً لتبني ما يلقي إليها. إنها تمثل الصفحة البيضاء القابلة للكتابة عليها. الدليل علي ذلك أن أصحاب القناعات السياسية المسبقة الذين ظنوا خيراً في مشروع الإصلاح السياسي للجنة السياسات أصابتهم الخيبة، وفي تقديري أن النظام السياسي المصري يركب مطالب الناس، أي يؤممها فيفقدها أي مضمون، وهذا ما فعلته لجنة السياسات بمطلب «الإصلاح».
.. كيف نفك هذا الحصار الأمني؟
- بفك الحصار الأمني عن المجتمع: فأمن الدولة هو أمن «النظام»، ومن أجل حماية النظام فالشعب كله محل شك واتهام. حين تصبح الشرطة في خدمة الشعب حقاً، وحين يهتم البوليس بسرقة دراجة لمواطن اهتمامه بسرقة مسكن لضابط عظيم يمكن أن نصبح علي طريق فك الحصار الأمني عن الجامعة.
.. أنت معارض للنظم الاستبدادية العربية وفي نفس الوقت قد يكون البديل نظماً ذات مرجعية إسلامية قد تحجر علي الفكر كما يقول البعض، كمثقف أيهما تختار؟
- لو صح الافتراض، فأنا أختار دائماً موقعي كمفكر نقدي، أعارض الاستبداد أياً كانت الشعارات والأعلام المرفوعة، ولست في الحقيقة أري فارقاً جوهرياً بين أنظمة الاستبداد الحالية، الراهنة والمشهودة، وبين نظام استبدادي إسلامي متوقع أو متخيل. وليس علي أن أختار إما هذا وإما ذاك. إذا وصل الإسلاميون للحكم ديمقراطياً فسيكون الدفاع عن الديمقراطية - التي يتصور البعض أن الإسلاميين سيسارعون بإلغائها - هو الأولوية. لماذا نتخيل أنهم سيحكموننا ونحن صامتون؟ كل هذه افتراضات منشؤها عدم الثقة في النفس.
.. وهل نحن مستعدون لاستحقاقات الديمقراطية حقاً، أم أنها ستكون ديمقراطية انتقائية؟
- ستظل الديمقراطية في بلادنا معوقة، لسبب رئيسي، هو غياب الحرية الفردية. الديمقراطية السياسية هي نتيجة لحريات كثيرة لم تتحقق في مجتمعاتنا، لأن ديمقراطية تأتيه من أعلي بشروط المانح. هكذا سنظل نتمتع بديمقراطية إجرائية، ديمقراطية صناديق الاقتراع حيث مكن شراء الأصوات وممارسة البلطجة. السؤال لا ينبغي أن يكون فيما إذا كنا مستحقين لاستحقاقات الديمقراطية، فلا شك أننا مثل كل الشعوب الديمقراطية نستحقها. السؤال هو ما الذي يجب عمله لتطوير الديمقراطية الإجرائية إلي ديمقراطية حقيقية؟ أعتقد أن تقوية مؤسسات المجتمع المدني هي الوسيلة. النظام يلتف حول منظمات المجتمع المدني المصري لخنقها، وذلك بوسائل شتي لعل أوضحها إنشاء مجالس «قومية» لتحل محلها أو لتستوعبها مثل «المجلس القومي للمرأة» و«المجلس القومي لحقوق الإنسان».. إلخ، ثم أخيرا محاولة النظام تأميم «أجندة الإصلاح» لحساب لجنة السياسات.
.. هل يدعو الإسلام إلي سلطة دينية من وجهة نظرك أم أن المشكلة تتمثل في كون الذين حملوا المشروع الإسلامي كانوا بعض الشباب المتطرف الذي حمل فكرا شاذا انتجته ظروف شاذة؟
ـ هذا موضوع شائك ويصعب الإلمام بكل جوانبه في حوار مثل هذا، لأنه يثير مسألة «الحكم» في الإسلام، أو مسألة ما إذا كان الإسلام يتضمن صراحة أو ضمنا شكلا ما للحكم، أما مسألة «السلطة الدينية»، فلا أحد يقول بوجود مثل هذه السلطة، اجتمعت السلطتان الدينية والسياسية مرة واحدة في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، أما الخلفاء فكانوا حكاما لا يتمتعون بأي سلطة دينية، صحيح أن بعض خلفاء الدولة العباسية حاولوا الإمساك بزمام السلطتين، لكن الفقهاء عارضوا ذلك بشدة، القول بأن المشروع الإسلامي الحديث حمله بعض الشباب المتطرف قول لا أوافق عليه، فهذا الشباب المتطرف ابن شرعي للفكر الديني المتأخر، الناتج عن ظروف لا أصفها بالشذوذ بقدر ما أربطها بحالة التردي الفكري العام الناتج عن غياب الحريات والضغوط الاقتصادية والسياسية والفساد.
.. دائما ما يتهم الإسلام السياسي: فهل الإسلام السياسي مختلف عن الإسلام الذي أنزله الله في كتابه؟
ـ الإسلام السياسي هو أحد التعبيرات والتفسيرات والتأويلات الدينية للإسلام الذي أنزله الله في كتابه، وهناك تعبيرات وتفسيرات وتأويلات أخري غير سياسية لنفس هذا الدين، المشكلة أن كل تعبير من هذه التعبيرات يعتبر أن تفسيره وتأويله هو التعبير الحقيقي عن «دين الله»، الإسلام الذي أنزله الله في كتابه يتسع لهذه الاجتهادات ولا ينبغي أن يصادر أحدها الآخر، هذه هي التعددية التي أنتجت الحضارة التي نفخر بها ضد الغرب، والتي نتنكر لقيمها بيننا، مرة أخري أعود لقضية «الحرية»: الاستبداد العام في المجال السياسي والاجتماعي يولد استبدادات فرعية في الفكر والثقافة، تصبح المسألة مأساوية حين يمتد الاستبداد إلي مجال الفكر الديني، تصبح «الحرية» ـ وهي مناط الإيمان والتكليف والمسؤولية في الإسلام ـ قرينة الهرطقة والكفر.
.. ألا يعد أساس الحكم في الإسلام رضا الناس واختيارهم، حيث ولاية الأمة هي الأصل؟ كما أن الإسلام دائم الحديث عن أولي الأمر وليس ولي الأمر، وأن الشوري الملزمة هي قاعدة الحكم وشرط صلاحيته، وأن المعارضة واجب؟
ـ أساس الحكم في الإسلام ـ كما هو في كل الشرائع السماوية والوضعية ـ هو «العدل» كقيمة أخلاقية واجتماعية، يمكن أن يتسع تأويلها في العصر الحديث إلي العدل الاقتصادي «إشباع حاجات المواطن الأساسية» والسياسي «الحرية بكل أشكالها»، وحيث يوجد العدل فثم حكم الله كما قال كثير من الفقهاء، أما الشكل السياسي الذي تتحقق من خلاله قيم العدل والحرية فهو أمر متروك لاختيار الجماعة ليس ثمة شكل للحكم السياسي في الإسلام، هذا كلام قاله «الشيخ علي عبدالرازق» في نهاية الربع الأول من القرن العشرين.
.. هل القراءة الواحدة للنصوص والفهم الواحد والتفسير الواحد وتقديس الزعيم أو الجماعة محتكرة السلطة مرتبطة فقط بالإسلام أم أن تلك الصفات وثيقة الصلة بأنظمة مدنية وعلمانية في العالم العربي؟
ـ تاريخ البشرية مليء بالنماذج، محاكم التفتيش مثلا قامت علي أساس حماية العقيدة من الجنوح، فتم اضطهاد كل من يخالف المعني الديني للكنيسة، فضلاً عن غير المؤمن من اليهود والمسلمين، من يقول إن «الانغلاق الفكري» والزعم باحتكار «الحقيقة» مسألة إسلامية حصرا؟ لكن حال المسلمين العرب الآن لا يسر حبيبا، خاصة حين يتصل الأمر بالقضايا الدينية، أما الأنظمة العربية فهي نتاج ذلك كله، والقول إن هناك أنظمة مدنية أو علمانية في العالم العربي أكذوبة كبري، الأنظمة العربية تدعي أنها أنظمة مدنية، وتدعي في الوقت نفسه أنها الحامية للقيم الدينية، الخلاف بين الحكومات وبين المعارضات الإسلامية خلاف حول تفاصيل «الأسلمة» لا حول «الأسلمة» ذاتها.
حوار عمر عبد العزيز ١٣/٤/٢٠٠٧
عن المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment