Monday, May 09, 2011

غادة نبيل تكتب: "بارك بلادي"

ماذا يريد السلفيون من مصر ؟

لا يعنينى هنا السلفى " المعتدل " المؤمن بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة فهذا هو الطبيعى ونحن نكتب عن غير الطبيعى والواضح أن هذا يسود . وأنا كمصرية معنية بذلك الرعب اليومى الذى يتهدد الوطن .

الكثير من المسلمين والأقباط يعرفون بأن السلفيين يريدون حكم مصر , فإن لم يكن منهم فمن قِبل تيار إسلامى داعم لهم يؤسس لدولة دينية .

ومن الواضح على نحو متزايد لكافة المواطنين أن هذا الهدف – حكم مصر – هو هدف يسعون إليه بأى ثمن ولوكان حرباً طائفية , هدف لن يتنازلوا عنه شاملاً التكلفة والدم الذى سيفرضونه على شعبنا المصرى المسالم بطبعه .

لعل السيناريو العراقى الأشد كآبة من السيناريو اللبنانى لا يخيف أحداً فى بلادنا عدا أعدائهم أو من يختلف معهم من المواطنين العاديين غير المسيسين الذين يريدون لحياتهم العادية أن تمضى فحسب أو تتغير للأفضل اقتصاديا ًواجتماعياً وعدم فقدان ما يحوزونه من حريات ضئيلة جاءت ثورة بشهداء ليعظموا مساحتها ونوعها . كذلك يخيف ذلك الاحتمال الشديد الإيلام – أى الحرب الأهلية – كل من يريد سلامة الوطن وحريته من العلمانيين والليبراليين والاشتراكيين . أما أتباع السلفية فلا يبدو لدى اغلبهم أدنى تخوف من تحول الاحتمال إلى حقيقة يكونون هم صنّاعها وربما يرحبون بها كحراك يتوهمون أنه سيعجل بفرض دولتهم الدينية بالإكراه .

أقول يتوهمون ليس لاستحالة تحول الاحتمال المرعب الكريه إلى حقيقة نعلم كم تتمناها فلول الوطنى معهم أو قبلهم ولكن التوهم الذى أقصده مرده أن الحوادث الطائفية المتتالية تُنبئنا أن الغرب لن يقف متفرجاً أمام العدوان على الكيان المسيحى فى أحد أكبر وأهم البلاد العربية التى كانت مهداً للمسيحية بعد بيت المقدس ( بلغة القدماء والتى جرّت محاولة استعادتها من المسلمين حروباً صليبية) . وخاصة أن بلادنا ترتبط باتفاقية ما يوصف بالسلام مع إسرائيل .

وأقول مرة ثانية " يتوهمون " لأن كل من يريد مصر حرة سيقاوم مشروعهم فى اختطاف الوطن وفرض التعصب والتمييز والدم عليه . وهى مفارقة أن يضطر الإنسان لدفع الدم للحيلولة دون المزيد منه لأجيال أولاده , وللحيلولة دون المزيد من القمع وإهانة كرامت الإنسانية بدعوى تكريمها أو حتى بلا دعوات.

والمثير أن فكرة مروعة – لا قدر الله – كالتقسيم لا تُخيفهم هى الأخرى , فثمة , منهم , من يؤمن برذيلة التحرش بالآخر والتفتيش فى داخلية قلبه إن كان مسلماً لا يروقهم مظهره الخارجى ( ليس مسلماً مقنعاً وجيداً بما يكفى ) أو بالعدوان عليه و " جر شكله " إن كان غير مسلم .

من الذى سيستطيع إقناع الله أو إقناعنا أن حرق كنيسة ومحاصرتها بالمواطنين العابدين داخلها أو من لجأوا إليها لحمايتها وافتدائها بأرواحهم , أن العدوان عليها ذاك فعل خير ينال صاحبه ثواباً من الخالق ؟ .. حتى لو صحت إشاعة ما عن زواج مسلم بمسيحية أو إسلامها واختطاف الكنيسة أو أهلها لها , ما يجعلها حقيقة وليس إشاعة وقتها , لكن كيف يكون حصار وحرق الكنائس تقرباً من الله ؟ .

هل سنقدر دائماً على إقناع المسيحيين بأن من يهاجمون كنائسهم هم من فلول الوطنى المأجورة الهادفة إلى " لبننة " مصر أو مسخها إلى حال كالذى ابتُلى به العراق ؟ .

حتى لو صدقنا نحن ( الأغلبية المسلمة ) هذا لفترة , المسيحيون لن يستمروا فى تصديقه , وحين يبلغ المعتدلون فى الطرفين المنطقة الفاصلة سيفترقا , عند إسالة الدم الكثير المتبادل . وقتها لن تعود هناك قيمة لاعتدالهما . سيكون هناك سخرية واستفزاز لكل طرف معتدل من جانب " طائفته " وسيكون الاعتدال مرشحاً لأحد أمرين : الخرس أو الانضمام للجانب الذى يمارس القتل .

سينسى كل معتدل ومعتدلة كل ذكرياتهما الحلوة الطبيعية مع المعتدلين والأسوياء فى الجانب الآخر . قد أتناسى أن خيرة الجيران وأصدقاء العمر لم يكونوا مسلمين . وقد أتناسى صديقا وزميلاًً قبطياً أحبنى ولم يعترف إلا بعد زواجه ليحفظ الأشياء فى أماكنها , وقد تمر صديقة لى بمحنة مضاعفة فوالدها كان مسيحياً ثم أسلم , بينما الصديقة الأخرى مسلمة على الورق كما اعترفت لى وتنحدر من أسرة أسلمت بعض عناصرها ولم يُسلم بقية الأخوال .

إذن مذبحة ؟؟ .

أرتعب . مصر التى فى خاطرنا ليست نقيضاً للإسلام , كما أنها ليست ملكية خاصة لأحد , ومعنى الوطن يهتز تماماً حين لا أكون آمنة فيه على حياتى ودينى وقناعاتى . ما أشذها من لحظة : أن يكون علىّ الاختيار بين وطنى من جهة وحريتى وكرامتى من جهة ثانية . أو وطنى ودينى !

هل حقاً ستكون الحكاية المرة القادمة حكاية شاب وفتاة من دينين مختلفين اختارا الحب الذى تجاوزا به كل محظوراتناوراجماتنا الاجتماعية ليعيشا بلا زيف وبشكل رسمى ما بشر به دينيهما ؟ أم ستنفجر المأساة عبر إشاعة عن تغيير مواطنة لدينها لينبرى السلفيون فى مهاجمة الكنائس ؟, وهل سينتظروا الإشاعة القادمة قبل الهجوم على ما يرونه كفراً من وجهة نظر ألبسوها للإسلام عنوة ليقوموا بهدم الصور والتماثيل وإلقاء الصلبان والكتاب المقدس على الأرض ؟ .

محزن أن نضطر للتفكير فى عودة اللجان الشعبية لحماية الأنفس والمقدسات بلا بديل أمنى آخر .

الرعب هو حرق مصر . والأفدح أن يكون حرقها تحت وهم أن دينها الرسمى مُهدَد .

أتضرع إلى الله بدعاء تجنيبنا الفتنة . أرتعب من دهم كنائس مصر وتدنيسها , من الهجوم الحتمى وقتها , كرد فعل , على مساجدها وآثارها الدينية للجميع , من مهاجمة الأديرة ومقار إقامة الراهبات , من حرق منازل ومحلات غير المسلمين والمسيحيين الذين هم مصر , ونحن – بالصمت وتمرير كل عدوان دون محاسبة كبيرة رادعة وعقاب قانونى قاطع ضد المعتدين – نصبح متواطئين مع الجريمة والوحشية والكراهية .

نحن , إن لم نخض حربنا – مواطنين ومسئولين – ضد الإرهاب والترهيب سنكون مسئولين عن كل من بدأ يعود , للتفكير فى الهجرة كما لو لم تحدث ثورتنا .

سنكون مسئولين عن إضاعة دم الشهداء , عن السقوط فى هوة القرون الوسطى وسيادة الرعب والأذى والتكفير ثم القتل على الهوية أو بمجرد النظر إلى وشم أو علامة فى معصم مواطن أو بعد توقيفه لمعرفة اسمه . سنكون مسئولين عن حملة التفتيش فى الضمائر والقلوب ومنع الموسيقى فى المدارس والتليفزيون ومنع النساء من الوقوف فى شرفات بيوتهن بدون نقاب وعدم خروجهن للعمل أو السفر دون محرم . سنكون مسئولين عن انتشار فرق إهانة الإنسان وتذبيحه والتحقيق معه فى عرض الطريق سلوكاً وملبساً . سنكون مسئولين عن إلغاء الأفلام والسينما والرسم وقاعات الفن التشكيلى وإزالة التماثيل والمنحوتات من الميادين العامة والقاعات وربما إلغاء كلية الفنون الجميلة والمسرح واختفاء الكتب أو حرقها لتبقى فى ذاكرتنا بالحفظ أو على أجهزة كمبيوتر تتعرض بدورها للمصادرة . لن نرى دواوين الشعر والروايات وبعض الكتب الدينية والعلمية والتاريخية .

لن نجد فى الشوارع غير اللون الأسود , وفى القلوب الصمت الأسود الداكن دليلاً على الموت والقتامة والقهر والغلِظة والبعد عن الله والطبيعة والرحمة .

سنكون مسئولين عن كل قطرة دم تسقط فى سجن كهذا , مسيحية كانت أو مسلمة أو بهائية . الدم دم . لا دين له .هناك فقط دمٌ برئ ودم فاسد آثم . هناك نقطة دم وروح من ينقذها كمن أنقذ الناس جميعاً , ومن يهرقها ويهدرها كمن قتل الناس جميعاً .

لن يعجب كلامى السلفى الدموى , وأعرف أنه ليس الجميع منهم هكذا , لأن ما نتحدث عنه هنا هو الإجرام الذى يتزيا ويتخفى بالدين ليكون مباحاً أو ليحصل على مشروعية . وهذا مصدر وهم آخر .

أقول ما نعرفه : الفتنة أشد من القتل . فإن أسلمت مسيحية أو صار أحد المسلمين بهائياً , فلكم فى القائل لمن أذوه بعدما تمكن منهم " اذهبوا فأنتم الطلقاء " – لكم فيه أفضل أسوة.

المسيحيون وغيرهم من الأقليات فى مصر مواطنون مصريون . لم يؤذونا وحتى الآن يبدو الطرف المسلم هو الحامل لخطيئة المبادرة بالعدوان . وحين تقوم أسرة لا تستطيع تقبل فكرة تغيير ابنتها لدينها وزواجها من دين الآخرين وتختطف تلك الابنة أو تقتلها فهذه وحشية ضد الشرائع وحقوق الإنسان ومحاولة إكراه فى الدين لا يرضاها الخالق الذى خلقنا أحراراً , لكن نصرة ومؤازرة مسلمة حديثاً ليست أهم ولا أخطر من حماية أمن البلد كله ومستويات الضرر معروفة فى الإسلام . قبل كل شئ حماية حرية العقيدة وغيرها من حريات وحقوق هى مسئولية أجهزة الدولة العقابية , بالقانون وليست مسئولية شخصية يقررها كل منا .

كان أن حكى لى شاعر عراقى ولاجئ فى مصر عن أهوال الإبادة الطائفية فى العراق وكيف يقوم العراقيون أحياناً بتزوير بطاقات الهوية ليكون معهم العديد منها بحسب اضطرارهم للمرور فى مناطق نفوذ وسيطرة طوائف غيرهم . حكى لى بحزن العاجزين كيف يؤدى ذلك إلى قمة المهازل حين يقتل الشيعة مثلاً شيعياً لأنهم صدقوا بطاقته المزورة التى يوقعها سوء الحظ فى أيديهم ولا يعودوا يصدقون أنه شيعى منهم . والأشد شذوذاً وإجراماً حين يعلم القائم على حاجز أو منطقة للتفتيش والذبح أن من أمامهم ينتمى لطائفتهم , حينها أيضاً يقتلونه " عقاباً " على التبرؤ والتنصل من هويته الدينية ولو كان دافعه تأمين حياته وحياة أفراد عائلته . أمرٌ فاجع لكن المثير للسخرية المطلقة هنا هو أن القتل " عقاب " لولا أنه لا يترك فرصة لعدم تكرار الفعل الذى يقيمه غيرك أصلاً بكونه جريمة . الضحية لا تتعلم شيئاً والقاتل ينجو .

أحزن كل مرة يُراق فيها دم إنسان ثابت على مبدأ ولا يبادر بالعنف .

الحق أقول لكم : لستم ولا أحد منا وكلاء الله على الأرض . لم يفوضكم أحد للدفاع عن الإسلام والمسلمين . لستم مسئولين عن كفر أو إيمان أو ارتداد أو سلوك أحد .

لكنكم مسئولون كل المسئولية – حين تبادرون بفرض ما ترونه الحق الوحيد - أمام الله وأمامنا عن الدم

الدستور

No comments: