التحول نحو الديمقراطية
تمر مصر حاليا بفترة انتقالية حادة، مليئة بالمفاجآت الانقلابية السريعة التى لم تكن تخطر ببال أحد، والتى أعادت بغير شك رسم خريطة الأحداث والتوقعات فى مصر. وجعلت من ربيع الديمقراطية الذى دشنته ثورة يناير حلما يصعب تكراره، وواقعا يصعب استيعابه.. إذ بمنتهى السلاسة ودون إراقة دماء يساق أركان النظام وأعوانه إلى السجن. ويخضع الرئيس السابق للاستجواب والتحقيق!
وخلال الأسابيع الأخيرة، كان الشغل الشاغل للثورة وتنظيماتها هو بلوغ هذه المرحلة من التحول، بإزاحة النظام بأسره وإزالة الطوابق التى بنيت فى غفلة من الزمن ومن القانون. وكانت النقطة الأخيرة هى تغيير المحافظين.. وعندها لابد أن تبدأ مرحلة انتقالية متطورة نحو أوضاع دستورية وقانونية مستقرة. ليس المطلوب أن يكون فيها الاستقرار بديلا عن الديمقراطية كما كان شعار العهد البائد، ولكن أن تكون الديمقراطية هى الطريق إلى الاستقرار.
إن محاسبة مبارك ورجال عهده عن الفساد السياسى واستعادة ما تم تهريبه من أراضٍ وأموال، قد يستغرق وقتا طويلا. وسوف نشهد من المناقشات والاختلافات ما قد يؤدى إلى ظهور فرق وشيع متنافرة. وعلى الرغم مما أبداه الشعب والرأى العام من ارتياح إذ يرون هذه المجموعة خلف القضبان، فليس من شك فى أن عناصر الثورة المضادة وفلول الحزب الوطنى ــ حتى بعد حله ــ مازالت تتحرك فى الخفاء، ومعها أصحاب المصالح الذين خسروا مواقعهم وامتيازاتهم بنهاية هذا العهد، وقد يمضى بعض الوقت إلى أن تتم تصفيتهم نهائيا، وتتحول الأنظار عن قصص الفساد إلى تحديات البناء. وان كان ذلك يحتاج إلى قيادات لا تعيش فى الماضى حتى تدفن فيه، بل تعمل على دفن الماضى بكل اخطائه وإرساء أساس مصالحة شعبية كالتى أرساها ماندللا فى جنوب أفريقيا ليقضى على إرث التفرقة العنصرية.
هناك اتجاهات اقصائية انتقامية فى مصر، منافية للديمقراطية. ففى الوقت الذى ترفع فيه القيود عن انشاء أحزاب جديدة، تخضع لمبادئ القانون والحريات السياسية التى يكفلها الدستور، هناك من ينادى بحل أحزاب قائمة أو يستخدم فزاعة الإخوان لاستبعاد فصيل إسلامى. وفى اعتقادى أن المحاسبة القانونية والفرز الحزبى والمنافسة البرلمانية كفيلة بالابقاء على الصالح منها والقضاء على التشكيلات التى كانت مجرد ذيل أو ذراع من أذرع النظام.
المجتمع المصرى بحاجة إلى الارتفاع فوق الخلافات الطائفية والدينية والعصبيات العائلية.. وحتى وقت قريب لم يكن أحد يسمع صوت السلفيين فى السياسة أو الحياة العامة. ولكن فجأة ظهرت طموحات سياسية وخلافات عقائدية ومبادئ تكفيرية حول عبادة الأضرحة وحقوق المرأة والأقباط، وأصبح للتيارات الإسلامية أشكال متعددة يعقد الكونجرس الأمريكى جلسات استماع لمناقشة مدى سيطرتها على الحياة السياسية المصرية. إضافة إلى مخاوف الفتن الطائفية التى تتفجر دون سبب ظاهر!
سوف تظل بذور هذه الفتن قابعة فى الأعماق مالم يصل الإيمان بالتعددية والتسامح درجة الاشباع فى نفس كل مواطن.. وهو ما يحتاج إلى قيادات حكيمة تؤمن بالمواطنة وتمارسها. ولعل الخطوة المتقدمة التى أعلنها نجيب ساويرس بتأسيس حزب المصريين الأحرار، وتأكيده على الابقاء على المادة الثانية فى الدستور مع إضافة بنود تتعلق بمعاملة غير المسلمين. والدعوة إلى المساواة بين المواطنين بغير تمييز فى الجنس والدين، وأنه لن يرشح نفسه لرياسة الجمهورية. تعطى نموذجا لروح جديدة.. ربما تضاهيها وتقترب منها نفس الروح التى أبداها حزب العدالة والحرية «تحت الانشاء لجماعة الإخوان»، والذى يحاول أن ينفض عن نفسه كثيرا من التحفظات الرجعية التى أثارت الشكوك حول تيارات الإسلام السياسى فيما يتعلق بالمرأة والأقباط والسعى إلى إقامة حوار بين الإخوان والأقباط.
لدى إيمان عميق بأن الديمقراطية تشق طريقها فى مصر رغم العقبات والعثرات. وإذا كان من حظ جيلنا أن يشهد سقوط النظام السلطوى الذى حكم البلاد، فقد يتاح لنا أيضا أن نشهد محاولات بناء الديمقراطية
وخلال الأسابيع الأخيرة، كان الشغل الشاغل للثورة وتنظيماتها هو بلوغ هذه المرحلة من التحول، بإزاحة النظام بأسره وإزالة الطوابق التى بنيت فى غفلة من الزمن ومن القانون. وكانت النقطة الأخيرة هى تغيير المحافظين.. وعندها لابد أن تبدأ مرحلة انتقالية متطورة نحو أوضاع دستورية وقانونية مستقرة. ليس المطلوب أن يكون فيها الاستقرار بديلا عن الديمقراطية كما كان شعار العهد البائد، ولكن أن تكون الديمقراطية هى الطريق إلى الاستقرار.
إن محاسبة مبارك ورجال عهده عن الفساد السياسى واستعادة ما تم تهريبه من أراضٍ وأموال، قد يستغرق وقتا طويلا. وسوف نشهد من المناقشات والاختلافات ما قد يؤدى إلى ظهور فرق وشيع متنافرة. وعلى الرغم مما أبداه الشعب والرأى العام من ارتياح إذ يرون هذه المجموعة خلف القضبان، فليس من شك فى أن عناصر الثورة المضادة وفلول الحزب الوطنى ــ حتى بعد حله ــ مازالت تتحرك فى الخفاء، ومعها أصحاب المصالح الذين خسروا مواقعهم وامتيازاتهم بنهاية هذا العهد، وقد يمضى بعض الوقت إلى أن تتم تصفيتهم نهائيا، وتتحول الأنظار عن قصص الفساد إلى تحديات البناء. وان كان ذلك يحتاج إلى قيادات لا تعيش فى الماضى حتى تدفن فيه، بل تعمل على دفن الماضى بكل اخطائه وإرساء أساس مصالحة شعبية كالتى أرساها ماندللا فى جنوب أفريقيا ليقضى على إرث التفرقة العنصرية.
هناك اتجاهات اقصائية انتقامية فى مصر، منافية للديمقراطية. ففى الوقت الذى ترفع فيه القيود عن انشاء أحزاب جديدة، تخضع لمبادئ القانون والحريات السياسية التى يكفلها الدستور، هناك من ينادى بحل أحزاب قائمة أو يستخدم فزاعة الإخوان لاستبعاد فصيل إسلامى. وفى اعتقادى أن المحاسبة القانونية والفرز الحزبى والمنافسة البرلمانية كفيلة بالابقاء على الصالح منها والقضاء على التشكيلات التى كانت مجرد ذيل أو ذراع من أذرع النظام.
المجتمع المصرى بحاجة إلى الارتفاع فوق الخلافات الطائفية والدينية والعصبيات العائلية.. وحتى وقت قريب لم يكن أحد يسمع صوت السلفيين فى السياسة أو الحياة العامة. ولكن فجأة ظهرت طموحات سياسية وخلافات عقائدية ومبادئ تكفيرية حول عبادة الأضرحة وحقوق المرأة والأقباط، وأصبح للتيارات الإسلامية أشكال متعددة يعقد الكونجرس الأمريكى جلسات استماع لمناقشة مدى سيطرتها على الحياة السياسية المصرية. إضافة إلى مخاوف الفتن الطائفية التى تتفجر دون سبب ظاهر!
سوف تظل بذور هذه الفتن قابعة فى الأعماق مالم يصل الإيمان بالتعددية والتسامح درجة الاشباع فى نفس كل مواطن.. وهو ما يحتاج إلى قيادات حكيمة تؤمن بالمواطنة وتمارسها. ولعل الخطوة المتقدمة التى أعلنها نجيب ساويرس بتأسيس حزب المصريين الأحرار، وتأكيده على الابقاء على المادة الثانية فى الدستور مع إضافة بنود تتعلق بمعاملة غير المسلمين. والدعوة إلى المساواة بين المواطنين بغير تمييز فى الجنس والدين، وأنه لن يرشح نفسه لرياسة الجمهورية. تعطى نموذجا لروح جديدة.. ربما تضاهيها وتقترب منها نفس الروح التى أبداها حزب العدالة والحرية «تحت الانشاء لجماعة الإخوان»، والذى يحاول أن ينفض عن نفسه كثيرا من التحفظات الرجعية التى أثارت الشكوك حول تيارات الإسلام السياسى فيما يتعلق بالمرأة والأقباط والسعى إلى إقامة حوار بين الإخوان والأقباط.
لدى إيمان عميق بأن الديمقراطية تشق طريقها فى مصر رغم العقبات والعثرات. وإذا كان من حظ جيلنا أن يشهد سقوط النظام السلطوى الذى حكم البلاد، فقد يتاح لنا أيضا أن نشهد محاولات بناء الديمقراطية
بقلم:سلامة أحمد سلامة - الشروق
No comments:
Post a Comment