Tuesday, April 19, 2011

عبدالرحمن يوسف يكتب: «يوميات ثورة الصبار» (٩

عمر سليمان حاول إقناعنا بأن رحيل مبارك غير ممكن وأنه يجب أن ننزل بسقف أهدافنا

فى صباح اليوم التالى الأحد ٦ فبراير، فوجئت باتصال مبكر من الدكتور مصطفى النجار، وأخبرنى أن اتصالا تم من مكتب اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية بدعوة لحضور حوار مفتوح معه حول مطالب الثوار.

استغربت من الأمر، فقد طـُلـِبَ منى عدم الذهاب بالأمس، ثم يطلب منى اليوم الذهاب!

كان الأمر واضحا- أو هكذا ظننت- المطلوب توصيل نفس الرسالة التى وصلناها للفريق شفيق، الرسالة المتعلقة بشروط الجمعية لبدء أى تفاوض.

انطلقت مع مصطفى وياسر الهوارى (القيادى بحركة شباب من أجل العدالة والحرية)، بنفس الملابس التى ألبسها، بنطلون جينز مهترئ، وذهبنا إلى مقر مجلس الوزراء حيث حدد الاجتماع.

حين وصلنا أنا والدكتور مصطفى النجار، والأخ المهندس ياسر الهوارى حدث موقف سخيف، فقد أوقفنا أمن رئاسة الوزراء بطريقة لم تعجبنى، وأمرونا بالوقوف جانبا، وأخذوا هوياتنا، وبعد دقيقة لاحظت أن الأمر سيطول، فناديت أحد الضباط وقلت له هل سيطول الأمر؟ فأجاب بأسلوب فيه شكل من أشكال الأمر والنهى، فما كان منى إلا أن صرخت فيه آمرا: أمامك خياران، إما أن تأتينا بهوياتنا فورا لكى ننصرف، وإما أن يلزم كل شخص فى المكان حدوده، افتح لنا أفخم صالون عندك حالا، وسنجلس فى انتظار انتهاء إجراءاتك معززين مكرمين، أما أن ننتظر (على جنب) فهذا ما لن يكون ولو انطبقت السماء على الأرض، نحن هنا لأنكم تريدون الجلوس معنا، فأخبر من فوقك بذلك فورا.

وتعمدت أن أقول ذلك بلهجة آمرة شديدة العدوانية!

حين فعلت ذلك خاف الجميع، وفتحوا لنا صالونا، واختصروا إجراءاتهم، وبعد دقيقتين كنا فى القاعة الرئيسية فى مجلس الوزراء.

وحين دخلنا ذهلنا...!

إنه اجتماع موسع...!

وفيه أشخاص لا يمكن تخيل وجودهم فى هذا المكان...!

أحزاب رسمية، وأخرى كرتونية، وشخصيات عامة، ووجوه قميئة مكروهة من الناس...!

همست فى أذن مصطفى: إنه اجتماع موسع...!

فأجاب: وليكن، سنوصل الرسالة وننصرف.

تحدث فى الاجتماع من تحدث، والتزمت غالبية الوجوه (إياها) الصمت، وكانت إدارة اللواء عمر سليمان للقاء جيدة، فقد استمع للجميع.

كان من ضمن الحاضرين بعض الوجوه المحترمة، مثل السياسى الكبير الأستاذ منصور حسن، والدكتور يحيى الجمل، والمهندس نجيب ساويرس، ولكن غالبية الحاضرين كانت وجوها غير مقبولة إطلاقاً.

وكان من ضمن الحاضرين أيضا الدكتور سعد الكتاتنى، والدكتور محمد مرسى كممثلين عن جماعة الإخوان المسلمين.

طلبت الكلمة، وكنت صريحا فيها إلى أقصى حد.

ملخص ما قلته: إن هذا الحوار لن تكون له نتيجة تذكر لأنه يتجاهل المطلب الرئيسى للجماهير، وهو رحيل مبارك!.. ولا تتوقعوا فى ضوء تجاهلكم لهذا الأمر سوى مزيد من التعقيد والتصعيد، ولا تتوقعوا أن يقبل أحد بالتفاوض قبل رحيل مبارك، هذا الرئيس الذى سقطت شرعيته تماما بعد نزول الملايين إلى الشوارع.

وقلت إن من يريد أن يحل هذه الأزمة لابد أن يعترف بشرعية الثورة كذلك، إذا كان يرغب فى الحوار من الأساس...!

قلت ذلك وأنا لا أعرف كيف سيكون رد الفعل، وفوجئت بأن أحدا لم ينطق، حتى اللواء عمر سليمان نفسه سكت...!

حين تحدث مصطفى النجار، قال كلاما أشد قسوة، كان من ضمنه أن غالبية الحاضرين فى هذه القاعة ليسوا طرفا فى الأزمة، بل إن أغلبهم لا يجرؤ على دخول ميدان التحرير أصلا!

وقال مصطفى للسيد عمر سليمان هذه الثورة جسد بلا رأس، ولا تستطيع أى قوة أو شخص أو حزب أن يزعم أنه يستطيع فض اعتصام ميدان التحرير بمن فيهم الإخوان، وتستطيع أن تسأل الدكتور الكتاتنى نفسه، وأشار إليه فأومأ الكتاتنى برأسه موافقا على كلام مصطفى.

ضايق كلام مصطفى بعض وجوه المعارضة الكرتونية فأخذ بعضهم فى الهمهمة ومحاولة الشوشرة عليه أثناء حديثه.

وحين تحدث المهندس ياسر الهوارى، أثبت اعتراضه على عدم إتاحة الفرصة له فى التحدث، وقال إن هذا الحوار عبث لأنه (يتحدث عن نفسه) حتى الأمس كان معتقلا من المخابرات العسكرية، وكان قبلها بأيام معتقلا فى أمن الدولة، ورفع قميصه ليشير إلى أثر (الكلابشات) على يديه!

وأعاد التأكيد على أن الموجودين فى القاعة أغلبهم جزء من المشكلة، ومن المستحيل أن يكونوا جزءاً من الحل، وأشار إلى الحرب الإعلامية الرخيصة التى يمارسها الإعلام ضد الثورة، وقال: كيف نتحاور وهؤلاء يتهموننا بأننا خونة وعملاء، لماذا تجلسون إذناً مع الخونة والعملاء؟؟

وحين انتهى الاجتماع أتذكر أن المهندس نجيب ساويرس سارع إلينا، وصافحنا بحرارة، وأثنى علينا وعلى موقفنا، وقال لمصطفى النجار: اجلسوا مع هذا الرجل وأسمعوه كلامكم مرة أخرى، فأنتم الأمل.

بعد أن انتهى الاجتماع سارع إلينا بعض كبار مساعدى اللواء عمر سليمان، ونقلوا لنا رغبته فى أن يجتمع بنا (نحن الشباب) فى اجتماع ضيق.

أنا شخصيا وافقت لكى أوصل الرسالة، وكان هذا أهم ما حدث فى الاجتماع المصغر.

حضر الاجتماع شخصان لا أعرفهما، رجل أربعينى، وفتاة ثلاثينية لم ألتق بهما قبل هذا اليوم، ولا أعرف حتى الآن من هما، ولكنهما حضرا كممثلين للشباب...!

دار نقاش مختصر حاول فيه السيد عمر سليمان إقناعنا بأن رحيل مبارك غير ممكن، وأنه يجب علينا أن ننزل بسقف أهدافنا حتى يمكننا تحقيقها.

وخلاصة هذا الاجتماع كانت كالتالى:

قلنا (مصطفى وياسر وأنا) إنه لا مجال للتنازل عن رحيل مبارك.

وكان رد السيد سليمان إن مبارك بطل حرب أكتوبر، ولا جدوى من هذا الطلب.

قلنا له: إذن... لا يوجد حل، وسنستمر فى التصعيد.

فرد: إذا أصررتم على هذا الطلب، سيرحل الرجل، وسوف يسلم البلد لإدارة عسكرية، وسنعود إلى نقطة البدء التى كانت فى عام ١٩٥٢...!

قلنا له: موافقون...!

فذهل، أو لنقل، استغرب من أننا لم نخف من طرح هذا الحل، ومن الممكن أن نقول إنه كان متضايقا جدا من أننا مصرون على رحيل مبارك بأى ثمن...!

أنا شخصيا قلقت جدا من كلامه بشأن تسليم السلطة لمجلس عسكرى، ولكنى لم أظهر ذلك.

تطرقنا لبعض الموضوعات الفرعية، من أهمها أنه أكد لنا أن الانفلات الأمنى عمل مصنوع ومنظم، وأنه قد بدأ فى جميع المحافظات فى نفس اللحظة...!

وأذكر أننى فى هذه اللحظة قلت له إنه لابد من حل ما يسمى بأمن الدولة، ورد ردا غير مفهوم.

وكان من ضمن ما أثير مسألة الرقابة الدولية على الانتخابات، وكان رأيه فيها صادما، فقد وافق على الرقابة الدولية على انتخابات الرئاسة، أما الرقابة على انتخابات البرلمان فقد اعتبرها تدخلا أجنبيا...!

وكان من ضمن ما أثير فى الاجتماع مسألة الحملة الإعلامية الشرسة على من فى الميدان، والتحريض البذىء علينا من قبل تليفزيون أنس الفقى، ووعدنا بأن يتغير هذا الأمر بدءاً من اليوم، وقد وفى بذلك فعلا، حتى إن التليفزيون المصرى هاتفنى للظهور فى نفس اليوم، ولكن ذلك لم يتيسر.

وفى نهاية اللقاء سأله مصطفى النجار حول البيان الذى سيخرج عن الاجتماع، وأخبره أننا غير موافقين على صيغته، وأننا سنعلن ذلك بلا حرج، فأخبره السيد عمر سليمان أن هذا البيان مجرد بداية، وأننا نحتاج إلى عقد جلسات أخرى للحوار للوصول إلى أرضية مشتركة.

وطلبنا منه تأمين دخول الدواء والطعام إلى الميدان حيث إن الجيش كان قد بدأ فى مصادرة بعض الاحتياجات ووعدنا بذلك ووفى به فعلا حيث توقفت عمليات المصادرة وأصبح الأمر ميسورا.

حين خرجت من هذا الاجتماع وجدتنى أقارن بين الفريق شفيق واللواء عمر سليمان، وهما فى رأيى رجلان من رجالات مبارك، ولكنهما مختلفان تماما.

كلاهما جلس معنا، وطلب ودَّنا، وبعد أن خرجنا من عنده بدأ بالطعن فينا.

كلاهما كشر عن أنيابه حين رفضنا التفاوض، شفيق منّ علينا بالبونبونى، وسليمان هددنا بالتفاوض أو الانقلاب، ثم قال إن ما يحدث فى التحرير تقف خلفه جماعات إسلامية.

هذا أمر مشترك بين الرجلين.

ولكن هذا لا يمنع أن عمر سليمان رجل دولة، وهو رجل دولة من النوع الماكر صعب المراس، وجهه يشبه بوابة مصفحة مضادة للرصاص عازلة للصوت، فأنت لا تستطيع أن ترى ما خلف وجهه إلا ما يريد لك هو أن تراه، لقد جلس معنا بمنتهى الثقة والثبات، وعلمنا- فيما بعد- أنه قد تعرض لمحاولة اغتيال قتل فيها بعض حراسه قبل أن يجتمع بنا بعدة ساعات، وهذا يوضح أى نوع من الرجال هو.

أما الفريق شفيق فهو رجل مهذب، ولكنى أعتقد أنه من النوع الذى يؤمر فيطيع...!

شفيق يشبه مبارك، أو لنقل هو من النوع الذى يفضله مبارك، فهو موظف ولا علاقة له بعالم السياسة!

خرجنا من الاجتماع، وذهبنا إلى عيادة الدكتور عبدالجليل مصطفى، وحدثت بينى وبين أستاذى الدكتور عبدالجليل مشادة كلامية اضطررت على إثرها أن أنصرف بطريقة شديدة العصبية.

فوجئت فى الاجتماع بمن يقول إننا لم يكن ينبغى أن نحضر هذا اللقاء!

فكان ردى المنطقى إننى لو أمرت بألا أذهب إلى هذا الاجتماع لما ذهبت...!

فكان الرد ولكننا لو قلنا لا تذهبوا، كنتم ستذهبون...!

فذكَّرْتُ الحاضرين بأننى حين أمرت بعدم الذهاب مع الدكتور ضياء رشوان امتثلت، واستشهدت فى ذلك بأخى الدكتور أحمد دراج الذى أبلغنى بقرار الجمعية بألا أذهب.

يبدو أن هناك سوء تفاهم قد حدث، ولا أدرى من هو المسؤول عنه، ولكن الدكتور عبدالجليل اعتبر أننا قد تصرفنا من عند أنفسنا، وأنا أحب أؤكد هنا أننى لو تبادر إلى ذهنى أى شك فى هذا الأمر، ولولا اعتقادى بأنى مكلف من الجمعية لما ذهبت.

حين انصرفت، كنت فى قمة العصبية، فقد وجدت فى الاجتماع من يزايد علىّ بشكل غير مقبول، وكان من الصعب علىّ أن أتحمل ذلك.

نزل خلفى الأستاذ وائل نوّارة (القيادى بحزب الغد)، والأستاذ عبدالمنعم إمام، وحاولا إقناعى بأن أصعد لإكمال الاجتماع، فرفضت رفضا تاما، وقلت لهما البركة فى مصطفى النجار، سيحكى لكم كل ما دار فى الاجتماع.

بعد ذلك وجدت حملة عنيفة ضدى وضد مصطفى النجار وضد ياسر الهوارى يقودها بعض أصحاب الأغراض، وبعض الائتلافات التى رفضنا الانضمام إليها، وكانت حجتهم فى هذه الحملات أن أحدا لم يفوضنا فى الحديث باسم الجماهير...!

وكأننا ادعينا أننا نمثل الجماهير...!

لقد رفضنا الانضمام لكل الائتلافات والأطر الموجودة فى (سوق) السياسة لأننا لا نمثل إلا أنفسنا، وقلنا لهم بوضوح (حين دعينا لدخول هذه الائتلافات) كيف تجترئون على الشعب وتدّعون الحديث باسمه؟ وكان من المضحك أننا اكتشفنا أن عددا ممن هاجمونا كانت مشكلتهم أنهم لم تتم دعوتهم مثلنا، بل إنهم لبوا دعوة وزيرة من الحزب الوطنى وذهبوا للقائها والحوار معها، وهنا أدركت أن المشكلة فى هؤلاء أنهم يتوقون للصدارة، وراغبون فى الإعلام والصحافة، ويشتاقون للظهور ولو مع أى مسؤول صغير...!

كتبت حينها مقالة فى جريدة الشروق، رويت فيها ما حدث، وظهرت فى عدة مداخلات فى عدة فضائيات خلال اليومين التاليين، ووضحت ما حدث بالضبط، والحمدلله الذى جعل لى رصيدا عند الناس، فصدقونى...!

بعدها ظهرت فى الإذاعة الرئيسية فى الميدان لكى أضع إصبعى فى عين من تسول له ظنونه أو أوهامه أننى خجل من أى شىء فعلته، وبحمد الله استقبلتنى الجماهير بهتافات مدوية، وتعمدت أن أطيل فقرتى فى الشعر هذه المرة خصوصا، لكى أقول لكل هؤلاء: موتوا بغيظكم...!

بعد ذلك راجعت نفسى فيما حدث، ووجدت أننى كنت مخطئا فى قبولى الذهاب من البداية للفريق أحمد شفيق!

إذا كان الدكتور عبدالجليل مصطفى (وهو قدِّيس العمل الوطنى، الرجل المحترم، الذى أكنُّ له كل الحب والتقدير والاحترام، أظنه يحترمنى ويحبنى كذلك)، إذا كان هذا الرجل قد حدث بينى وبينه سوء تفاهم بهذا الشكل بسبب السياسة، فما الذى يمكن أن يحدث مع الآخرين من الذين إذا خاصموا فجروا؟

لذلك قررت أن أبتعد قدر الإمكان عن أماكن القيادة وعن قاذورات السياسة، وحين عُرِضَ علىّ بعد ذلك أن يُرَشَّحَ اسمى ضمن من يمثلون الثورة، تلكأت.

وحين عُرِضَ علىّ- فى مرحلة لاحقة- أن يُرْفَعَ اسمى كمرشح لبعض الوزارات قلت لمن هاتفنى بأننى لا أرغب فى أن أكون من ضمن المرشحين من الأساس.

وحين عُرِضَ علىّ الترشح للبرلمان فى بعض الدوائر التى يعرفنى فيها الناس، اعتذرت.

وحين عُرِضَ علىّ- لاحقا- الانضمام لبعض الأحزاب الجديدة، قلت إننى سأدعم جميع الأحزاب الجادة، ولكننى لن أكون عضوا فى حزب.

أنا شاعر، ولا أريد ما يثقلنى...!

أريد أن أبقى قادرا على التحليق والطيران...!

وأنا تحت أمر الوطن حين يحتاجنى، ولو أن وجودى فى القيادة سيقدم خدمة لبلدى لا يقدر عليها سواى، سأوافق فورا، ولكنى- فى هذه اللحظة- أرى أن الأفضل لى أن أعود لموقع الكاتب والشاعر الذى يحبه الجميع.

لقد عملت بالسياسة لأن بلدى محتل باحتلال سافر اسمه حسنى مبارك، أو الاستبداد، أو حكم الفرد... سمه ما شئت، المهم أن بلدى محتل...!

ولكننى لا أرغب فى أى منصب سياسى...!

وللحديث بقية...

المصرى اليوم

No comments: