Thursday, April 21, 2011

الثورة وتيار الاستقرار

ظلت كلمة الاستقرار سيئة السمعة لأنها بقيت الأكثر ترددا طوال عهد مبارك، وارتبطت فى أذهان الناس بالجمود والتكلس وانعدام الخيال، فمبارك لم يدافع فى أى لحظة عن الاستقرار الحقيقى الذى هو غاية أى مجتمع، إنما عن تسكين الأوضاع وترحيل المشاكل حتى بات الله فى عون من يتسلم قيادة البلد بعده.

وقد ظل المعنى الحقيقى لكلمة الاستقرار مخالفا للمعنى «المباركى»، لأنه ببساطة يعنى استقرار البلد اقتصاديا وسياسيا كخطوة نحو نهضتها. صحيح أن كثيراً من المدافعين عن هذا الاستقرار لم نرهم فى ميدان التحرير، ولكن معظمهم كان مع ميدان التحرير، وأبدى تعاطفاً مؤكداً مع الثورة حتى لو ظل فى بيته يشاهد ما يجرى فى شوارع مصر وساحاتها دون أن يذهب إليها.

إن الاكتشاف الأول لتيار الاستقرار كان ربما فى الاستفتاء الأخير، حين اكتشف المصريون أن هناك مصر أخرى غير التى شاركت فى الثورة وقدرت بحوالى ١٢ مليون ثائر، حين عرفنا أن عدد من لهم حق التصويت بلغ حوالى ٤٤ مليون مواطن، وأن كثيراً من هؤلاء صوتوا بـ«نعم»، وكثيراً منهم يعيش فى الصعيد وقرى بحرى التى لم تشارك فى الثورة (حتى لو أيدوها)، وبعضهم نزل الشارع فى الجمعة الأخيرة أى يوم ١١ فبراير.

إن الفارق بين الرقم الأول الذى نزل التحرير، والثانى الذى له حق التصويت يزيد على ٣٠ مليون مواطن، وهؤلاء مصريون عاديون وقفت طموحات كثير منهم عند تحسين ظروف العمل والبحث عن لقمة عيش كريمة، و«الثائر» منهم عمل على تغيير مديره فى العمل لا إسقاط النظام.

وقد اتهم البعض هؤلاء بالخنوع، وتناسوا أن فى تجارب التغيير فى العالم كله كانوا هم الأغلبية الصامتة التى شاهدت تجارب الثورات وهى تصفق لها، بل إن تجارب التغيير فى أوروبا الشرقية لم تكن عن طريق الثورات، إنما من خلال ترتيبات أعدت فى الخارج والداخل لعالم ما بعد الحرب الباردة، وكانت الجماهير «ضيف الشرف» على عكس الحالة المصرية التى لعب فيها الناس الدور شبه الوحيد فى صناعة ثورة ٢٥ يناير.

والحقيقة أن تيار الاستقرار فى مصر، لم ينتم لثقافة التظاهر، فبعضه ضحية ٣٠% أمية، وبعضه الآخر وفىّ للثقافة التقليدية السائدة فى الريف المصرى، وبعضه الثالث محافظ بطبعه لا يميل للتغيير الثورى إنما يرغب فى الإصلاح المتدرج كما جرى فى كثير من دول العالم.

والحقيقة أن معظم هؤلاء تعاطفوا مع الثورة أو على الأقل لم يقفوا ضدها، وخير دليل على ذلك أن أنصار الاستقرار «بالمعنى المباركى»، لم يتجاوزا بضعة آلاف أمام مسجد مصطفى محمود، فى حين أن أنصار الاستقرار بالمعنى الحقيقى للكلمة ظلوا مؤيدين الثورة ولو من بعيد، وعادوا الآن وطرحوا تساؤلات ومخاوف لم ترفض الثورة، ولكن تبدى كثيراً من القلق على الأوضاع الحالية وحالة الفوضى وفراغ السلطة التى تعانى منها البلاد.

والمؤكد أن تيار الاستقرار ليس تياراً ساكناً إنما هو تيار متحرك، فمعظمه كان مع الثورة طوال الفترة الأولى دون تحفظات ومنعته سلبيته أو ثقافته التقليدية عن المشاركة فيها، أما الآن فقد تحرك هذا التيار نحو المطالب الفئوية تارة، أو إبداء عدم الراحة من تحول شباب فى عمر أبنائه إلى نجوم تارة أخرى.

والحقيقة أن قوى الاستقرار الممتدة فى الريف والمدن الصغيرة تمتلك أحلاماً بسيطة، وترغب فى حياة كريمة وعدالة اجتماعية ولكنها مازالت بنت الثقافة التقليدية التى لم تعتد على الثورة والضغط السياسى، وتوقفت احتجاجاتها عند المطالب الفئوية.

وقد بدأ تيار الاستقرار يطرح تساؤلات عديدة عن أسباب عدم تحسن أحواله المعيشية رغم نجاح الثورة، أو شكواه من غياب الأمن وتزايد معدلات الفوضى، وإحساسه العميق بالأثر السلبى لفراغ السلطة.

ففى الوقت الذى يتحرك فيه الكثيرون من أجل تقليص صلاحيات أى رئيس أو مسؤول، تخوفا من رؤية مبارك آخر.. يتوازى مع هذا الخط تماما من يرغب فى عودة هيبة الدولة مرة أخرى وانتخاب رئيس جمهورية قوى لا فرعون، وإعادة بناء أجهزة الأمن على أسس جديدة لتكون قادرة على مواجهة الخارجين على القانون والبلطجية وليس النشطاء والسياسيين كما جرى فى العهد السابق.

ومن المؤكد أن تيار الاستقرار والثورة يمكن أن يتلاقيا، إذا قدم شباب الثورة مشاريع للبناء، (وهو ما يحدث إلى حد كبير) بالتوازى مع ضغوط محاسبة وتفكيك أركان النظام القديم، وأن يترسخ إحساس لدى المواطن العادى بأن الثورة هى - بالأساس - مشروع لبناء نظام جديد، وليس فقط هدم النظام القديم.

من المهم تنظيم تلك الطاقة الهائلة التى تفجرت فى المجتمع المصرى فى أحزاب سياسية وجمعيات أهلية توعى الناس بالمشاركة السياسية، وتطرح أفكاراً ورؤى سياسية لنهضة هذا البلد اقتصاديا، يشعر فيها كل مواطن داخل «ثقافة الاستقرار» أو خارجها بأن الثورة ستحسن أحواله، وأن الديمقراطية يستحقها الشعب المصرى مهما كانت التحديات.

لقد حان الوقت أن تخرج المشاريع الحزبية الجديدة من فكرة استهداف قوى بعينها سواء كانت الإخوان أو السلفيين أو العلمانيين أو «دور الكنيسة»، فأى تيار يتصور أن هدفه فى الحياة هو فقط محاربة تيار بعينه مآله الفشل، لأن هذا التوجه سيخرج عن المعنى الصحيح لأى ممارسة حزبية أو ديمقراطية، فالاجتهاد يجب أن يكون من أجل بناء مشروع سياسى لنهضة البلد، وقد يعنى ذلك ضمنا أو صراحة الخلاف مع الإخوان أو مع العلمانيين المتطرفين، ولكن هذا أمر مختلف تماما عن قيام حزب أو مشروع سياسى، بغرض وحيد هو استهداف قوى سياسية غير رموز النظام السابق.

يجب على القوى السياسية الجديدة أن تعرف أن فى مصر مواطنين عاديين أحبوا الثورة وتعاطفوا معها، وهم ليسوا أبناء التنظيمات السياسية، وباتوا الآن قلقين على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، ولولا دعمهم لها لما نجحت لأن هؤلاء هم رمانة الميزان فى أى مجتمع، فهم المواطن البسيط الذى مازال يقف فى طوابير الخبز والغاز ويعانى فى وسائل المواصلات، وراتبه مازال بالمئات، فيجب أن نستمع جميعا لهواجسهم.

إن كثيراً من هؤلاء صوَّت بـ«نعم» فى الاستفتاء ليس تحت تأثير الخطاب الإسلامى كما تصور البعض، إنما بسبب قناعتهم بأن «نعم» فى صالح الاستقرار الحقيقى وفى صالح تحسين أحوال البلد، فهؤلاء لم يرهم البعض حين كنا نستمع لحوارات النخب فى المدن المختلفة، وهم يقولون تلك الجملة الشهيرة: «كل من قابلتهم يقولون (لا) على التعديلات الدستورية»، والحقيقة هم، لم يقابلوا إلا جزءاً من مصر ولم يروا «مصر العميقة» بمشاكلها وهمومها، وأن من سيعرفها ويحترم إرادتها وحتى عيوبها هو الذى سيبنى مستقبل هذا البلد.

د. عمرو الشوبكى - المصرى اليوم

amr.elshobaki@gmail.com

No comments: