Thursday, April 21, 2011

«عايزينه مسلم»

كان هذا هو الهتاف الذى تردد رداً على تعيين محافظ قبطى لقنا للمرة الثانية على التوالى.. وأرى أن علينا التوقف بشدة أمام ما يجرى فى قنا الآن، لأنه يلخص حقيقة ما نواجهه وكيف يجب علينا أن نواجهه.

علينا بداية أن نعترف بأن مصر كلها ليست ميدان التحرير الذى ضم الجميع مسلمين ومسيحيين رجالاً ونساء، هناك أيضاً مصر التى تم إفسادها وزرع الاستقطاب الدينى وسطها واستغلال هذا الاستقطاب لمصلحة النظام السابق.. كما أن هناك مصر التى استخدم فيها أمن الدولة السلفيين مرة كفزاعة للأقباط ومرة لضرب الإخوان.. وكما أعادت لنا مصر الثورة مصرنا القديمة بصورة حديثة على يد شباب مفتوح على العالم ويريد لوطنه أن يعود ليتصدره.. أعادت لنا مصر التى تصادر الآخر وتغتال حريته. من هنا علينا أن ندرك أننا فى مواجهة مصر التى تغتال مبادئ الثورة وأن علينا مواجهتها.

قدر قنا أن تكون ميداناً للمعركة ما بين الدولة الدينية والدولة المدنية.. وبعيداً عن التساؤل حول مدى الملاءمة السياسية لتعيين مسيحى محافظاً لقنا بالذات- فإن أهالى المدينة محبوسون منذ يوم الخميس الماضى بعد اشتعالها عقب إعلان اسم المحافظ المسيحى «عماد شحاتة ميخائيل»، هل هم سلفيون؟ هل هناك استغلال للشحن؟ الوقائع القادمة من قنا تؤكد أن هناك تحالفاً بين بعض السلفيين وعدد من أمناء الشرطة فى نفس المنطقة التى شهدت واقعة قطع أذن القبطى.. معظم خطباء المساجد بقنا خطبوا الجمعة بعدم جواز ولاية القبطى وتم النداء بإمارة إسلامية ورفعت أعلام سعودية..

لم تخل الصورة فى قنا من أعضاء من الحزب الوطنى على رأسهم لواء سابق وعدد من البلطجية.. الكل التحم فى الصورة والمطالبة بمبايعة من يختارونه لإدخاله المحافظة بصفته حاكم الإمارة الجديدة ووقع الاختيار على قرشى عباس سلامة إمام مسجد التقوى وهو من السلفيين المتشددين.. وفى الوقت نفسه فى قنا قام السلفيون بإخراج تلاميذ المدارس وإغلاقها وتم إغلاق كوبرى دندرة الواصل بين غرب النيل وشرقه وقطع السكك الحديدية بإقامة «شادر» فوقها، كما تم إنزال السيدات والفتيات من الميكروباصات بحجة وجود رجال فى نفس الميكروباصات، والأخبار تتوالى من منع المسيحيين من الاحتفال بأحد السعف خوفاً من تنامى الأحداث الطائفية ووصول تهديدات بتفجير إحدى الكنائس والأمور تتفاقم مع وصول أعداد من السلفيين من أسوان والأقصر وأسيوط إلى قنا.

كان السلفيون موجودين قبل الثورة، فلماذا قرروا الآن أن يحكموا البلد؟ كان السلفيون موجودين قبل الثورة وكانوا يرون أنه ليس من الدين أن يخرجوا على الحاكم فلماذا يريدون الآن الخروج على الدولة؟.. هل يمكن ألا يكون لهذا صلة بما فعلوه من قبل ولم يجدوا أى تصد من الدولة؟ قاموا بقطع أذن القبطى فلجأت الأجهزة لفرض الصلح.. ألقوا بالسيدة المسلمة فى الشارع وأحرقوا منزلها ومنعوها من العودة إليه ولم يرد أحد إليها حقها المسلوب.. هدموا كنيسة «صول» فتم الصلح وقامت القوات المسلحة مشكورة بإعادة بنائها فى زمن قياسى ليزورها شيخ الأزهر، مؤكداً رفض الإسلام لهدم الكنائس.. كل ذلك مشكور لكنه لا يقر وجود الدولة ما يقره هو فقط إعمال القانون أما عدم إعماله فهو لا يعنى غياب القانون وحده بل غياب الدولة مما يغرى بالخروج عليها لفرض دولتهم. علينا أن نعى أننا لا نواجه فقط اختطاف الثورة من فلول النظام السابق لكن من أصحاب كل الأجندات التى غابت يوم ٢٥ يناير ولم تظهر أو ترفع شعاراتها إلا بعد أن انتصرت الثورة..

علينا أن ندرك أيضاً أن مصر التى صنعت الثورة ليست كل مصر، وأن هناك فى مصر من ينقلب على الثورة من أجل فرض إرادته وتغييب الآخر.. لا يمكننا بأى حال من الأحوال أن نتجاهل غياب الدور الثقافى والإعلامى والتعليمى فى تشكيل العقليات وتركها فريسة لتيارات متشددة فترة طويلة، والتصدى لهذا يحتاج إلى أزمنة طويلة، أما الآن فلا بديل عن وجود الدولة حاضرة بقوة للإمساك بالأمور التى انفلتت واستمرت فى الفلتان دون التصدى لها، مما يغرى أكثر بمزيد من الانفلات.. ليس معنى رفع الشعارات الدينية أن ما يجرى يخرج عن البلطجة، فأسوأ أشكال البلطجة هو ما يستخدم الدين.

كريمة كمال - المصرى اليوم

karimakamal@almasry-alyoum.com


No comments: