Monday, April 04, 2011

مدنية الدولة والسياسة


1
ــ الدعوة إلى مدنية الدولة تعنى الحياد الكامل للدولة ومؤسساتها إزاء المواطنات والمواطنين بغض النظر عن تمايزاتهم المستندة إلى الانتماء الدينى أو النوع أو الخلفية الاجتماعية والجغرافية أو غيرهاــ الدولة المدنية تسمو فوق تمايزات مجتمع المواطنين ولا تفرق بينهم انطلاقا من رباط مواطنة الحقوق المتساوية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

2
ــ الدعوة إلى مدنية الدولة تعنى أن مؤسسات الدولة وسلطاتها التشريعية والتنفيذية يديرها مدنيون منتخبون يخضعون للمساءلة والمحاسبة الشعبية (الانتخابات الدورية والنقاش العام) والقانونية (من قبل سلطة قضائية مستقلة). المدنية هنا هى نقيض إدارة الدولة من قبل المؤسسة العسكرية وأيضا نقيض إدارتها من قبل رجال الدين أو المؤسسات الدينية.

3
ــ الدعوة إلى مدنية السياسة حين تتسم الأخيرة بالديمقراطية تعنى أن السياسة ليست صراعا حول العقائد الدينية أو الشرائع السماوية، بل صراع سلمى بين رؤى وأفكار وبرامج وقوى ومؤسسات وأشخاص حول الأفضل للدولة وللمجتمع دون ادعاء احتكار الحقيقة المطلقة أو افتراض أن ما يقترح اليوم لن يغير بالغد. السياسة الديمقراطية هى مجمل الساحات (المجالس التشريعية، الرئاسة، الأحزاب) والممارسات (المنافسة الانتخابية، العمل التشريعى، الصراع السلمى بين الأحزاب) والتفاعلات (بين القوى السياسية والمجتمعية المختلفة) التى يدار بها هذا الصراع السلمى وتتخذ بها ووفقا لإرادة المواطنين القرارات المصيرية للدولة والمجتمع الهادفة لتحقيق الصالح العام.

4
ــ الدعوة إلى مدنية السياسة وديمقراطيتها تعنى إمكانية الطرح العلنى لجميع الرؤى والأفكار والبرامج الهادفة لتحقيق الصالح العام دون قيود نابعة من مرجعيات دينية أو أخلاقية أو أيديولوجية وفى ظل قبول التعددية واحترام الرأى الآخر. الحكم الوحيد فى السياسة المدنية هو مجتمع المواطنين الذى عادة ما يغلب بعض الرؤى والأفكار والبرامج على بعضها الآخر من خلال تأييد الأغلبية للأولى واعتراضها على الثانية وترجمة هذه التفضيلات عبر التصويت فى الانتخابات والمشاركة الفعالة فى إدارة الشأن العام.

5
ــ الدعوة إلى مدنية السياسة تعنى الفصل بين المؤسسات الدينية الرسمية والمساحات الدينية وبين السياسة على نحو يضمن عدم توظيف الدين لخدمة رؤية سياسية أو برنامج حزبى أو سياسى فى إطار الصراع السلمى مع رؤى وبرامج وسياسيين آخرين. المراد هنا هو حتمية تنزيه مؤسسات كالأزهر والكنيسة المرقسية ومساحات هى دور العبادة (المساجد والكنائس والمعابد) عن أن تتورط فى الصراع السياسى، وعن أن يدعى باسم الدين أن رؤية سياسية بعينها هى الأصلح أو أن مرشحا بعينه هو الأقدر على تحقيق الصالح العام ــ مثل هذا التنزيه لا يتناقض فى ظنى مع إثارة الحوار حول السياسة وقضاياها داخل المؤسسات الدينية وفى المساحات الدينية شريطة التزام الحيادية بمعنى إعطاء فرص متساوية لجميع الرؤى والبرامج لأن تعرض على المتلقين. وينطبق ذات الأمر، ايضا شريطة التزام الحيادية وإن مع قدر من التخفيف، على المساحات الاجتماعية الملحقة بالمؤسسات الدينية كدور المناسبات والمنتديات والمسارح وغيرها.

6
ــ الدعوة إلى مدنية السياسة تعنى قبول وجود رؤى وبرامج وقوى تمارس السياسة مستلهمة لمرجعيات دينية، شريطة التزامها بالابتعاد عن ادعاءات احتكار الحقيقة المطلقة (فيتحول على سبيل المثال شعار الإسلام هو الحل إلى شعار الإسلام هو أحد الحلول)، وامتناعها عن ادعاء احتكار الحديث باسم المرجعية الدينية المعنية فى السياسة (ليس لجماعة الإخوان المسلمين احتكار فيما خص الحديث باسم الإسلام فى السياسة ولا تدعى هى ذلك)، ومساواتها الكاملة بين المواطنين فى بناها التنظيمية وبرامجها السياسية.

بقلم:عمرو حمزاوي - الشروق

No comments: