وصلت إلى أرض الوطن لأهنئ شباب الثورة وأدعم مسعاهم، كنت أعتقد أننى أفعل ذلك لإفادتهم، لكن اتضح لى أننى قد أصبحت المستفيد. بمجرد وصولى فضلت أن أقطن فى مكان قريب من ميدان التحرير وساعدنى فى ذلك كريم زهران، أحد خريجى جامعة بوسطن المتميزين، وفى اليوم الأول خرجت وحدى فى الصباح الباكر لزيارة الميدان، وعندما جاءنى كريم سأل: «نزلت لوحدك بدرى ليه؟»،
فأجبته دون تردد: «علشان أشم الحرية»، وفور خروج اللفظ من فمى بدأت التفكير فى سببه ومغزاه وتذكرت وجودى فى الميدان نفسه فى يناير عام ١٩٥٢ أهتف مع زملائى ضد الاستعمار الإنجليزى على مسمع من عسكر بريطانيا وكنا فى ذلك الوقت نشعر بالهوان لوجودهم على أرض مصر.
وجاءت ثورة يوليو ١٩٥٢ وطرنا فرحاً، وبدأ حكم مصر بنفر من أبنائها المخلصين، وبعد قليل اتضح أن سياسة الدولة تستدعى التغاضى عن الحرية الشخصية فى صالح الهدف الأساسى، لأن الشعار السائد فى ذلك الوقت كان: «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، ومع مرور الوقت تغيرت صفة المعركة واستمرت السلطة القهرية عقداً بعد عقد من الزمان.
طاف بخاطرى كل هذه الأحداث التى عايشتها منذ صغرى، وفى ذلك الصباح على رصيف الميدان غمرنى شعور بأننى أستنشق هواء الحرية لأول مرة فى مصر، منذ أن ولدت واعتلت وجهى ابتسامة ودق قلبى بإيقاع سريع، لذلك فقد زرت الميدان فى كل صباح وحدى متأملاً، للاستمتاع بنسيم الحرية الذى لا يضاهيه أى شعور آخر، وفى كل زيارة كانت تسعدنى فكرة أن ميادين التحرير انتشرت فى مشارق الأرض ومغاربها، ومن شمالها إلى جنوبها.. لقد كانت صحوة شعبية شجاعة عمت بقاع مصر بأكملها.
هذا النسيم يعطى لكل منا الحق فى اختيار مساره وأن يعمل بشفافية وعزم لصالح الآخرين، فمع الحرية تأتى المسؤولية تجاه المهنة وتجاه الغير، فالمصرى الحر يتمتع بالتفانى فى العمل ودعم الوطن وشعبه وأرضه.
ولأننا ندون معاً صفحة جديدة من تاريخ الوطن، علينا أن نركز على مسؤولية كل منا تجاه مكاسب الحرية، وأنا أؤمن بأن شباب ثورة ٢٥ يناير سوف يفسح المسار للهواء النقى ليعم جميع أنحاء الوطن.
عاشت مصر حرة كريمة وأدام الله نسيم الحرية النقى فى كل ميادينها
المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment