Tuesday, March 29, 2011

فضل العبيد على الخدم

نجح أبراهام لينكولن فى كسب الحرب الأهلية التى اندلعت عام ١٨٦١ بسبب انفصال عدد من ولايات الجنوب المتمسكة باستمرار نظام العبودية، لكنه مات فى مسرح برصاصة ممثل أثناء مشاهدته مسرحية تضم ممثلين مؤيدين للرق مثل ممثلينا وممثلاتنا الذين طعنوا الثوار، وبينهم متأسلمون مثل ذلك المعتزل صاحب الصوت المنتوف وتلك المربربة التى خافت من الثورة على مصير البيتزا والكباب، وتحديداً «الريش» التى يطلبها شقيقها ابن العامين!

وجود الممثلين المتربحين بالدين بين القوى المناهضة للثورة يجب أن ينبهنا إلى خطورة كل من يحاول أن يدمر مستقبل هذا البلد باسم الدين. ويجب على كل مصرى تعرض للخديعة فى التصويت على تعديلات الدستور أن يسأل نفسه: إذا كان هناك اختيار شرعى وآخر كافر فى السياسة لماذا توجد الانتخابات والاستفتاءات أساساً: لماذا لا نكتفى بمنصب المفتى نعرض عليه كل قرار فإن أفتى بحله يكون نافذاً وإن أفتى بحرمته نلغيه دون الحاجة إلى تكاليف الاستفتاء؟!

عذراً على هذا الاستطراد الذى أخذنى بعيداً عن العنوان والعبرة التى يمكن أن نستنتجها من أحداث الحرب الأهلية الأمريكية، وهى عبرة قتل محرر العبيد برصاص ممثل من قوى الثورة المضادة.

والأسوأ من هذا الموت أن المناضلين من أجل المساواة اكتشفوا أن نسبة لا يستهان بها من العبيد رفضوا مغادرة أكواخهم فى مزارع السادة.

الخوف طبيعى ومبرر من بشر عرفوا عن العالم المعلومات القليلة التى يعرفها الحيوان مثل الخوف من النار والبرد والجوع، وهؤلاء عبروا عن خوفهم بالبقاء فى كنف السادة بالبساطة التى يعبر بها أى كائن حى عن احتياجاته.

ولكن أن يتقدم الكائن البشرى ليحمل لافتة تناهض التغيير، وترفض «الافتراءات ضد الرئيس مبارك»، فهذا يعنى أنه شخص واع وله رأى وخرج للتعبير عنه. والرأى فى جوهره هو ما يراه الإنسان بضمير وعقل سليم بعد أن تتوفر عنده المعلومات، أما أن يبنى الموقف على الكذب المتعمد فإنه يتحول من رأى إلى جريمة تحتاج إلى إجراء قانونى.

والوصف المستفز «افتراءات» رفعته لافتات أمام محكمة عابدين، منذ أيام فقط، بعد أن سارت إجراءات محاكمة مبارك خطوات، وبعد أن انكشفت أمام النيابة وقائع تدين الرجل، هذا يعنى أن اللافتة والمظاهرة تعليق على إجراءات قانونية، إن لم تصل إلى مستوى الأحكام النهائية فإن الشواهد تؤكد الاتهامات.

ومن الجرائم الجديدة يكفى أن يكون مبارك قد أمر بإطلاق النار على الشباب لكى يعدم هو وكل مستويات الضباط المشاركين.

لسنا بحاجة إلى مزيد من الجرائم لكى نقنع من يحملون لافتات كهذه بأنهم مخطئون، ونعرف أن مبارك لم يحكم البلاد بابنه ورفيقه أحمد عز فحسب، لكن هناك طبقة من المنتفعين تفوق أعداد الثوار، ونعرف أيضاً أن هذه الطبقة لديها من الأموال ما يغنيها عن الوقوف بلافتة فى الحر والتلوث، وأنهم يكتفون بإرسال الخدم.

ولا يمكننا أن نصفح عن الخدم أو نتعامل معهم بالعطف والتسامح كما لو كانوا عبيداً طيبين لم يعرفوا سوى أكواخ سادتهم.

هناك إعلام وحقائق على الأرض لا تترك عذراً لأحد، والمشارك فى مثل هذه المظاهرات ليس حراً فى إبداء رأيه، ربما كان ذلك جائزاً أيام الثورة التى شح فيها الكباب والبيتزا من الأسواق، لكن الآن بعد أن عملت المطاعم بكامل طاقتها لا عذر لعبيد البيتزا من رقيق الفساد المربرب، أصبح الصح بيناً والخطأ كذلك، ومن يتظاهر من أجل مبارك يرِد أن يقيم الخطأ، والأهم أنه، قانونياً، فى حكم المعترض على إجراءات وأحكام القضاء.

وهناك اقتراحان لحماية الثورة من هؤلاء: الأول سريع ومباشر وهو التحقيق معهم بتهمة التعليق على أعمال القضاء.

الإجراء الثانى، طويل ومبتسم ويليق بهؤلاء الذين يخرجون ألسنتهم للثورة، وهو ببساطة أن نفتح باب التسجيل للمؤيدين لمبارك وأيامه الحلوة، ونمنحهم حكماً ذاتياً يحقق لهم الاستمتاع بمزايا حكم مبارك، فنبقى رواتبهم على حالها ونحدد لهم أقسام شرطة تهينهم على الطريقة القديمة إذا اضطروا لدخولها شاكين أو مشكو فى حقهم ومدارس فاسدة تضمن البطالة لأبنائهم ومستشفيات خالية من العلاج والأطباء تستقبلهم بالقرف عندما يمرضون، والأهم من كل هذا أن نخصص لهم موعداً لقطارات الحوادث كى يتفحموا فيها بدلاً من الوصول إلى بلادهم وخطاً ملاحيا لعبّارات السلام لتوصلهم إلى السلام الأبدى فى بطون أسماك القرش بدلاً من الوصول إلى سلام النفس أمام الكعبة، ووقتها ينالون نعمة الشهادة فى سبيل الرئيس المحبوب

عزت القمحاوى - المصرى اليوم

No comments: